جامعة أكبر قَطيع في التأريخ والقِممُ الضائعة

يكتبها اليوم / عبد العزيز البغدادي

 

 

بغض النظر عن تاريخ (جامعة الدول العربية) ومتى أنشئت ومن أنشأها وكيف أصبحت أهدافها المعلنة غطاء لأهدافها غير المعلنة وماذا حققت منذ تأسيسها في 1945 وما علاقتها بالاستعمار البريطاني ، وهل يليق بأمة البقاء حبيسة التعامي عن أسباب عجزها ونواقصها ونواقضها وأخطاء وترمي بها الآخرين؟؟؟؟؟
حال هذه الجامعة كحال العرب الذين تمثلهم كما يمثلونها، وتنطق بلسانهم !، لا نحتاج لجلد الذات والبحث خارج هذا الكيان لوصف ما نعانيه ، حالها حالنا ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، حتى يثبت العكس ولا جدوى من التوقف كثيراً عند من دعا لتأسيسها ويديرها بأساليبه الملتوية؟، البحث عن أسباب ضعفنا في ذاتنا هو بداية الخروج مما نعانيه، ويمكن قراءة ذلك في وجوه من يحضر اجتماعات القمة التي لا تختلف عن وجوه من يغيب، خطبهم الرنانة واحتفالاتهم بالانتصارات والمناسبات والأفراح  التي تأكل معظم الأوقات والشعوب تعيش أسوأ حالات المعاناة ليس تحدياً ولا شموخاً أو مكابرة كما تردد بعض مكنات الإعلام الرسمي ولكنها حالة المذلة والهوان العصية على الوصف ، ولا علاقة لكل هذا بحسن النوايا أو سوئها علينا القراءة الناقدة الجادة.
اسم الجامعة مشتق من الجمع وتاريخها يقول بأنها أداة لتعميق الفرقة وخلق الكراهية والبغضاء بين من تجمعهم روابط اللغة والجغرافيا والتاريخ والدم كما قرأنا في المدرسة، وهذا يؤكد أن قوة الأمم إنما تنبع من وعيها بأهمية الوحدة مع وجود التنوع لأن التنوع والإعلاء من مكانة العلم والديمقراطية يزيدها قوة وغنى، أما الأمم والدول التي يهيمن عليها الجهل والاستبداد والغرور فلا تزيدها وحدة الدين واللغة والجغرافيا سوى فرقة وضعف وانقسام وفقر.
في كل القمم العربية يتسابق من يحسبون زعماء على قراءة الخطب التي يعدها مطبخ مدير الجامعة بأبلغ عبارات التضامن والوحدة وحال الدول الأعضاء يحكي أنهم أكثر أمم الأرض فرقة وتمزقاً ونفوراً ، ويطلقون على هذه القمم من الأسماء والشعارات والصفات ما يخالف واقع الحال الذي يبعث على الأسى والحزن، وعلى سبيل المثال : قمة الجزائر التي بدأت الاثنين 31 / أكتوبر وانتهت الأربعاء 2/نوفمبر/2022 أسميت : (قمة لمّ الشمل العربي) وأغلب الحاضرين لا يطيقون بعضهم وكأنهم قطيع لا يدري إلى أين يُساق!، وخطاباتهم أعدها مطبخ سياسي واحد هو ولي أمر القطيع ووظيفة الجامعة إفراغ الكلمات من مضامينها، ولا مانع من أن تكون أكثر الدول اندماجا في التطبيع مع الكيان الصهيوني أكثرها شجباً لممارساته ضد الفلسطينيين وترديداً لشعارات وعبارات التضامن مع الشعب الفلسطيني ، وأن تمول أغنى هذه الدول بصورة مباشرة وغير مباشرة مشاريع الاستيطان وأنشطة التهويد في الأراضي الفلسطينية وتمول الجامعة وبفعالية وحيوية توازي فعالية وحيوية مهرجانات ومسيرات دعم الشعب الفلسطيني بالخطب وصخب الأناشيد.
هذا الحال يشير إلى أن من يقود حلف المطبعين هو من يدير الجامعة بغض النظر عمّن حضر القمة ومن غاب، فالغياب كالحضور لا يعني شيئاً طالما والغلبة لهذا الحلف ولا يوجد مؤشر بأن الحال سيتغير قريباً!.
ولا يختلف موقف هذه الجامعة العربية جداً من قضية اليمن وتعاملها مع الشعب اليمني عن موقفها من قضية فلسطين وشعبه، بل إنها في قضية اليمن تفننت أكثر بتبنيها موقف العدوان السعودي الإماراتي ومن ساندهم في نزع الشرعية عن الشعب اليمني ومنحها للرئيس والحكومة التي تدين بالولاء للسعودية، مع أن الصراع الداخلي في أي بلد ينهي شرعية كل أطراف الصراع ويعتبر تدخل أي دولة في الصراع عدوانا، ومن أوجب واجبات الجامعة العمل على وقف تدخل وعدوان السعودية والإمارات على اليمن ودعوتهما الجادة لرفع الحصار المستمر منذ ثمان سنوات والانسحاب من الأراضي والشواطئ اليمنية والتحقيق الجاد حول ما تقوما به من استحداثات وترتيبات  تخدم أجندتهما الخاصة وتكريس للانقسامات على الأرض تمسّ وحدة اليمن واستقلاله.
الجامعة العربية مع الأسف لم تكلف نفسها بذل أبسط جهد لمعرفة حقيقة ما يجري في اليمن من حصار وقتل وتدمير نتيجة العدوان والصراعات الداخلية على السلطة وما أدى إليه من تشظٍ وانهيار من خلال تحقيق جدي والاستماع من جميع الأطراف المتنازعة المتسابقة على استثمار معاناة الشعب في ترتيب أوضاعهم وأجنداتهم الخاصة وهي المتسببة في كل هذه المعاناة وكل طرف يدعي أنه على حق والآخر على ضلال ، وبدلا من ذلك تماهت الجامعة مع وجهة النظر السعودية والإماراتية اللتين تتحملان القسط الأكبر من المسؤولية عمّا يجري في اليمن بعد أبنائه أو من يفترض أنهم أبناؤه، وفي اجتماعها الأخير الذي انعقد في الجزائر تحت شعار :(لمّ الشمل العربي) فتحت المجال للطرف التابع للسعودية ليمثل اليمن ليثبت أنه سعوديٌّ أكثر من السعودية في تحميل إيران كامل المسؤولية عن جرائم العدوان والحصار منذ بداية العدوان وهذا لا يعني التبرير لأي نوع من التبعية ولكننا نبحث عن القدر الممكن من السيادة والتحرر من التبعية المهينة، ومن المعلوم أنه لا همّ للسعودية منذ وجدت في الثلاثينيات من القرن المنصرم سوى إعاقة بناء الدولة اليمنية وقضم أقصى ما تستطيع من أراضيها مستغلة وداعمة لتشرذم اليمنيين ومعتبرة لليمن -وهي الأصل بما لها من تاريخ وما تملكه من ثروات وموارد وموقع جغرافي- حديقةً خلفيةً لها.
لقد لعبت الجامعة دوراً واضحاً في محاولة تمكين العدوان السعودي من لعب دور الخصم والحكم في اليمن فهل نطمح بأن تغير هذا الموقف لتكون بالفعل جامعة؟! ليس أمامنا سوى أن نأمل وعلينا أن نثبت أننا شعب يستحق الحياة الحرة الكريمة برفضنا كل الأجندات اللا وطنية ومقاومة العدوان وكل أشكال المؤامرات والحرص على بناء دولة مدنية ديمقراطية تؤمن بالتنوع وتحترم مبدأ سيادة القانون وترفض كل أشكال العنصرية، ونقدّر كل طموحات الجزائر في لعب دور متميز في محاولة تصحيح مسار هذه المنظمة.
يا قوم لا تتكاثروا
ما نعانيه يكفي
جمعكم للبذاءات
عنوان كل اجتماع
فرق الله شمل الطغاة والمستبدين
الحضور الغياب
قممٌ لا تساوي قُلامة.

قد يعجبك ايضا