من جامع الشعب بالعاصمة صنعاء كان المشهد الفرائحي الإنساني أكثر من رائع، فأكثر من عشرة آلاف عريس وعروس جمع الله شملهم وخمسة آلاف أسرة تكونت، وحالة عُسر فرجت وفي قلوب العرسان وذويهم والحاضرين ابتهاج وتبريكات، هي ذاتها الرسالة الأقوى في مواجهة غطرسة عدوان غاشم يأبى إلا المكابرة ومحاولة النيل من مكانة هذا الفصل التاريخي الذي لم يشهد فيه اليمن مثل هذه الأعراس الجماعية، التي كانت حلماً، وكتب الله تحقيقه في ظل ظروف استثنائية يعيشها اليمن جراء العدوان والحصار، ليزيد اليمنيين عزة وقوة وشموخاً، ويفيض علينا سعادة وعلى أعداء الشعب اليمني خزياً وعاراً.
المشهد حظي باهتمام شعبي ورسمي تعجز الأقلام عن وصف تفاعلاته.. هناك أمام المشهد وبين أوساط العرسان سردت “الثورة” على لسانهم قصص بعضهم، فإلى التفاصيل:
الثورة / أحمد السعيدي
العريس نبيل الفقيه من محافظة صنعاء انتظر حتى وصل عمره إلى 57 عاماً ليدخل القفص الذهبي للمرة الأولى في حياته حيث أكد للثورة انه لولا هذه الفرصة التي أتاحتها له هيئة الزكاة ما كان يتخيل أن يتم زفافه بهذا المشهد الجميل حيث يعاني مع أسرته الفقر وعاش سنوات عمره يعول إخوته وأخواته الذين تركهم له أبوه قبل وفاته وباعتباره أكبرهم سناً سخّر حياته ليعولهم ولم يكن ما يتقاضاه من عمله في جمع الأحطاب والنجارة يكفي لأن يدخر مبلغاً من المال ليجمع مهر شريكة حياته وبعد أن فقد الأمل في الزواج جاءت المبادرات الخيرية لهيئة الزكاة في تزويج العاجزين والفقراء ومع سماعه بالخبر لم يتخيل أنها حقيقة ولم يفكر حتى في التقديم، وقبل العرس الجماعي هذا جاء اليه مسؤول هيئة الزكاة في المديرية وأخبره بأن هيئة الزكاة تريد أن يكون ضمن العرسان في مهرجان العرس الجماعي الثالث وبدأ التجهيز بالفعل وهاهو اليوم يشارك في هذه المناسبة التكافلية عريساً زاهياً يستطيع أن يكون أسرة وعائلة ويعيش كما يعيش الناس.
رد الجميل للجرحى
أما العريس محمد محسن -أحد جرحى الجيش واللجان الشعبية من محافظة حجة، فقد اعتبر فرحته في هذه المناسبة هي الأكبر في حياته بعد الانتصارات التي حققها مع أبطال الجيش واللجان الشعبية حيث أصيب في إحدى المعارك في الساحل الغربي وبسبب شظية في العمود الفقري شلّت قدماه وأصبح عاجزاً عن الحركة ولا يتحرك إلا بكرسي الإعاقة وفي تلك الأثناء لم يكن يتخيل أن يتزوج يوماً ما باعتباره لم يستطع جمع تكاليف الزواج وهو بكامل صحته فكيف يجمعها وهو معاق وإذا به يتلقى اتصالاً من الهيئة العامة للزكاة في محافظة حجة ويخبره بأنه ضمن فئة الجرحى في العرس الجماعي الثالث فأخبر والدته بالأمر وبدورها سارعت لخطبة بنت أحد جيرانهم الذي وافق على توقيع العقد مباشرة، ثم الذهاب بالعقد لهيئة الزكاة واستلام مبلغ 850 الف ريال وإعطائها لوالد البنت وانتهت حكاية عزوبيته التي دامت واحداً وثلاثين عاماً.
فرصة ونافذة أمل
ساحة الفعالية اكتست بالعرسان من جميع الفئات الفقراء والمساكين والجرحى وأبناء الجاليات وكبار السن الذين كانت فرحتهم أكبر من غيرهم بسبب سنوات كثيرة مرت على حياتهم دون زوجة وعائلة، ومن كبار السن هؤلاء العريس علي الريامي -51 عاماً والذي عزف عن الزواج بسبب غلاء المهور في قريته التي يسكن فيها حيث تجاوزت في الماضي المليوني ريال ووصلت اليوم إلى ثلاثة وأربعة ملايين ريال وبسبب دخله البسيط لم يتخيل يوما أن يكون قادراً على جمع مبلغ كبير كهذا ومارس حياته بشكل طبيعي واستعان بصيام الاثنين والخميس من كل أسبوع على حد قوله حتى جاءت مشاريع الهيئة العامة للزكاة في إقامة الأعراس الجماعية وعندها اعتبرها فرصة قد لا تتكرر في المستقبل فقرر التقديم وخاض رحلة طويلة من أطراف محافظة إب إلى العاصمة صنعاء وظل فيها أسبوعاً يعامل في مقر الهيئة العامة للزكاة في شارع بغداد وبعد ذلك التعب نال ما يتمنى ووافقت هيئة الزكاة على مشاركته ضمن العرسان في مهرجان العرس الجماعي الثالث حيث أن سعادته اليوم غامرة وقدم الشكر الجزيل للقيادة السياسية والثورية على تيسير الزواج وتحصين الشباب من الحرب الناعمة والفساد الأخلاقي الذي تعاني منه الشعوب نتيجة الغزو الفكري لطمس الهوية الإيمانية للمسلمين.
تكاليف باهظة
وبدوره وجد العريس محمد القيم – أحد المعاقين من محافظة الحديدة «برع» في العرس الجماعي- فرصة للهروب من تكاليف العرس المنفرد فمع كل سنَة تمُرُّ في ظلّ العدوان والحصار تزدادُ حاجة اليمنيين إلى إعادة ترتيب أولوياتهم حتى في أكثر الجوانب التي يُبدون تمسُّكهم فيها، مثل احتفالات الزفاف، حيث قرر الجريح القيم التخلّي عن بعض طقوس الزفاف، معتبراً هذه المبالغ الطائلة بالنسبة لشابٍ يسعى لتأسيسِ حياةٍ جديدة وتكوين أسرة وافتتاح بيت تكلفة كبيرة، تشكل عائقاً كبيرا للمقبلين على الزواج، وتدفع بالكثير منهم إلى العزوف عنه أو التوجّه نحو الاقتراض، والبحث عن حلولٍ أخرى قد تحوّل أجمل أيام العمر إلى كابوس يلاحق العريس لسنوات بعد العرس في ظل ارتفاع تكاليف الزواج وضعف المدخول المادي ، حيث أن العرس الجماعي أفضل وأقل تكلفة من استئجار صالة أعراس لا تقل عن مائة ألف ريال ثم الفنان أو النشاد بنفس المبلغ وأكثر ولا ننسى الماء ثم الزفة وتكاليفها حتى تتجاوز تلك التكاليف المليون ريال ، فما كان من الجريح محمد القيم، خصوصاً وأنه أحد المعاقين الذين يعانون من شلل في الأطراف السفلية إلاّ أنه قرر التقديم في الهيئة العامة للزكاة وتم النزول إلى قريته وبيته وجمع المعلومات والتأكد أنه أحد المستحقين، وافقت الهيئة على قبوله وأصبح اليوم يتربع في مقدمة صفوف العرسان ينتظره مستقبل أجمل بإذن الله.
دموع الفرحة
كل عريس من المشاركين في مهرجان العرس الجماعي الثالث، يحمل بداخله قصة معاناة وتبدو قصة الشاب وسيم مثنى من أبناء محافظة ريمه هي الأكثر حزناً وفرحاً في آن واحد، فقد أجهش بالبكاء مرتين وهو يروي للثورة قصته في البحث عن العفاف وسعادته بالوصول إلى ما تمنى…الشاب وسيم كغيره من شباب الوطن الذين لا يعيشون الحياة الرغيدة والأموال في البنوك والميراث وغيرها من الموارد التي تجعلهم قادرين على الزواج متى ما قرروا ذلك، وسيم كان يعمل سائق باص بأجرته وكان يجمع حصيلة اليوم ويحرم نفسه من ملذات الحياة ليكمل نصف دينه وبعد مرور خمس سنوات من العمل استطاع جمع مليون ريال وقبل أن يفكر بزوجة المستقبل قدر الله لوالدته المرض الخبيث واحتاجت عملية باهظة الثمن فلم يتردد في إجراء العملية بالمبلغ الذي جمعه ولكنها فارقت الحياة ثم عاد مجدداً ليجمع مليوناً أخرى وهذه المرة استطاع جمعها في ثلاث سنوات أخرى ولكنها كانت نصيب علاج أبيه هذه المرة والذي فارق الحياة أيضا بعد أن ظل في العناية المركزة شهراً خسر خلالها الشاب وسيم 800 ألف ريال وبعدها قرر العزوف عن الزواج في عمر 38عاماً حتى جاءت الهيئة العامة للزكاة إلى منزله بعد أن دلهم عاقل الحي وأخذوا بياناته ثم تواصلوا به لاحقاً بالموافقة على تزويجه ضمن العرس الجماعي ومع ختام حديث الشاب وسيم أجهش بالبكاء قائلاً أن فرحته ناقصة فكان يتمنى أن يعيش والداه إلى هذه اللحظة ويرونه عريساً كما تمنوا ذلك في حياتهم.
تصوير/ عادل حويس