من جديد.. الإدمان خطر لا يستهان به

 

د . عبدالحميد الصهيبي

منذ عدة أسابيع تتابعت رسائل تثقيفية في وسائل متعددة تحذر من المخدرات وكيف أنها تؤدي إلى المهالك.
كعادتها الحملات الموسمية حاولت تسليط الضوء على مخاطر المشكلة لم تعد تلوح بالأفق فقط .. بل أصبحت تكاد تغطي جزءا كبيرا من الأفق بسحابات وعواقب لا تتوقف عواقب تتجدد وتمتد على المستويين المكاني والزماني وتضع أمامنا معضلة يصعب حلها مستقبلا.
الإدمان مشكلة ليس لها حدود ، فحين يقع فيها الشخص تتمكن من كل شيء في حياته، الأمر قد يحدث مع فعل أو تصرف أو ممارسة نجد أنفسنا في حالة ارتباط وديمومة معه إلى درجة نشعر أنه من غير الممكن التخلي عنه، وهو شكل من أشكال الإدمان.
ومن علامات المدمن أن مزاجه يكون معكرا حال عدم القيام بتناول أو ممارسة تلك العادة في الوقت المحدد لها، وهذا ما يشار اليه بعلامات الانسحاب .. فمثلا الكابوس أو ((الرازم)) كمصطلح شائع واحد من أهم أشكال الانسحاب العكسي لمدمني القات.
أيضا الشاي والقهوة والدخان والمداعة والشمة والشيشة، مشروبات الطاقة والمشروبات الغازية، الجوال والإنترنت ووسائل وبرامج التواصل الاجتماعي، الأكل والشوكلاته ، متابعة الشاشات والأفلام والمسلسلات ، وصولا إلى المنشطات والممارسات السلوكية التي تنجم عنها وانتهاء بالحبوب والمخدرات وما أدراك ما المخدرات.
وأيا كان شكل أو نوع أو أسلوب ممارسة الفعل فإن حالات الإدمان تجد أمامها خيارات التبرير، ليس فقط لإقناع الآخرين ولكن كوسيلة لتجنب أسباب تعكير المزاج في ساعات البحث عن الكيف والمزاج.
ولا مجال هنا لتفنيد التبريرات أيا كانت فتلك عملية طويلة وشاقة وتحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد ولكن القول الفصل الذي أود أن يدركه الجميع أن التبرير لا يمنع مضاعفات الحالة بل على العكس فهو يمنع المريض من الاعتراف والاقتناع بأنه مريض وبحاجة للعلاج.
وبالحديث عن إدمان المخدرات ، فهذا الإدمان له مقدمات، وزوايا ومسارات له أيادٍ وقيادات ومناهج وطرق ونقاط واتجاهات ، له سياسات وخطط واستراتيجيات ، له أساليب الإقناع ، والتأثير وأشكال مختلفة للترويج وخلق الحاجات وصور متجددة للدعايات.
ومن علاماته الشعور بالإحباط والفراغ وغياب الأفق وانعدام الأمل والمستقبل محاطا بضعف الوازع الديني، ويعززه غياب الحوار الأسري والدعم والإسناد الرسمي والمجتمعي، وهذا يضعف مقومات الروابط الحمائية ويقذف بالمدمن في أحضان عديمي الضمير.
ولكي نحد من الإدمان هناك عدة تدخلات تمنع تفاقم المشكلة والحد في مقدمتها؛ قوة الردع ، ردم الصدع وخلق الأمل .
إن النظر بعمق في بعض أشكال الإدمان الأخرى تتيح لنا التعرف بجلاء على حالنا مع الإدمان وتقدير حجم المجتمع الذي بات قابعا تحت براثنه أو مهددا بالسقوط في بحوره المظلمة.
واليوم نتحدث عن الشبو الذي لم يكن له أن يغزو الديار دون مقدمات بدت أمام أعيننا عبر الكثير من الصور والآثار تحدثنا عنها سابقا وأشرنا إليها في تحذير يعكس واقع حضور المقدمات ويتنبأ بخطورة الشبو وما هو أشد خطرا من الشبو.
وهنا سأسلط الضوء من جديد على إدمان الشيشة اللطيف الخفيف، المخيف الذي يبدو في حالة اكتساح لا يمكن تخيله أو الحد من آثاره المدمرة.
الشيشة بما فيها من القبح وبما فيها من السموم تتزين على الرفوف وتخترق أسوار البيوت وقد سميت بأجمل الأسماء لأطيب الفواكه من التفاح والأعناب وغيرها.
الشيشة تقدم كممارسة للتحضر والتطور والثقافة والحداثة التي تجبر البعض على التجريب، وتحظى برواج غير مسبوق يؤكد وجود خلل في اللوائح والأنظمة التي تجعل من السهل دخول أصنافها ووصولها ، وسرعة الحصول على تراخيص لبيعها ، ومن الملفت أنها أصبحت تزاحم مجالسنا ومقايلنا وصالات الأعراس والاستراحات ، والأدهى والأمر تقديمها لتعكر أجواء المتنفسات الخضراء والمطاعم والمؤسسات الرسمية، وهنا يبدأ طريق التدمير طريق التخريب.
كقضية صحية لن أقول أكثر مما قيل فالدلائل والكتب والدراسات والتحذيرات كفيلة بأن تصدم الجميع بما نحن مقبلون عليه من أرقام الإصابات بأمراض خطيرة كالسرطانات والجلطات وتزايد غير مسبوق في حالات الوفيات، و سأشير هنا فقط إلى عدد من فقدتهم من الإخوة الأعزاء والأصدقاء والزملاء في إطار دائرة ضيقة لا تتجاوز مائة متر كحد أقصى من بيوت الجيران.
هنا خمسة أشخاص أقل مني عمرا فقدتهم بسبب مشترك ، حيث داهمهم جميعا خطر واحد .. خطر قاتل .. إنه التدخين.
لن تحقق حملات التحذير من الإدمان أيا من أهدافها طالما وأن الشيشة تحظى بتأييد فردي وشعبي ورسمي ليس له حدود، وبشكل ظاهر وبارز ومشهود .
خبير وطني في مكافحة الإيدز والأمراض المعدية

قد يعجبك ايضا