الثورة نت/ وكالات
يبدو أن الاقتصاد الأمريكي يعاني من انكماش حقيقي فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، وهو مقياس واسع النطاق للنشاط الاقتصادي، وذلك بنسبة 0.9٪ على أساس سنوي من أبريل حتى يونيو.
ونشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” الالكتروني مؤخرا تقريرا يشير فيه الى قول ثلاثة من كل خمسة أمريكيين إن الولايات المتحدة تعاني من حالة ركود، وذلك وفقا لآخر استطلاع أجرته مجلة إيكونوميست بالتعاون مع مؤسسة يوغوف البحثية. إذاً، لماذا لا يُعلن عن ذلك بشكل رسمي؟
ولقد أدى ارتفاع التضخم – أعلى معدل منذ الثمانينيات من القرن الماضي – إلى سوء الحالة المزاجية للكثيرين. وأصبح بعض الأمريكيين يعتمدون على سياراتهم الخاصة بمعدل أقل لتوفير البنزين، ويتخلون عن المنتجات العضوية باهظة الثمن، ويبحثون عن صفقات لتوفير بضعة دولارات.
وهناك المزيد من الأخبار السيئة، إذ يتباطأ سوق الإسكان الذي كان مزدهرا في يوم من الأيام، وهو ما يجعل الأسهم في شركات العقارات أمرا محفوفا بالمخاطر. كما تلقى مؤشر ستاندارد آند بورز 500 (الذي يضم أسهم أكبر 500 شركة مالية أمريكية) ضربة قوية، إذ انخفض بنسبة 19 في المئة لهذا العام، وهو ما أدى إلى خسارة المستثمرين لتريليونات الدولارات.
لكن قد يكون هذا مجرد تراجع في الجو العام فقط، إذ تظل الهيئة الرسمية المسؤولة عن الإعلان عن مثل هذه التفاصيل صامتة بشأن هذه القضية.
وفي الاقتصاد المتنامي، يصبح مواطنو أي دولة أكثر ثراء في المتوسط مع زيادة قيمة السلع والخدمات التي ينتجونها – الناتج المحلي الإجمالي.
ولكن في بعض الأحيان تنخفض هذه القيمة، وعادة ما يشار إلى أن هناك ركودا عندما يحدث ذلك لفترتين مدة كل منهما ثلاثة أشهر، على التوالي.
وعادة ما تكون هذه علامة على أن الاقتصاد يسير بشكل سيء، ويمكن أن تعني – على المدى القصير – أن الشركات تسرّح المزيد من العمال.
وانخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال ربعين متتاليين – 1.6 في المئة خلال الربع الأول من عام 2022، و0.6 في المئة في الربع التالي. يعد هذا ركودا في معظم البلدان، وليس في الولايات المتحدة فقط.
أما الجهة المسؤولة عن الإعلان بشكل رسمي عن وجود ركود في البلاد فهي لجنة تحديد موعد دورة الأعمال – وهي مجموعة غير معروفة نسبيا تضم ثمانية خبراء اقتصاديين يختارهم المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، وهو هيئة غير ربحية. وحتى الآن، ترفض اللجنة الإشارة إلى وجود حالة من الركود.
ويلجأ البنك المركزي الأمريكي – الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي – إلى رفع أسعار الفائدة من أجل خفض الأسعار. وتتمثل الفكرة في أنه كلما كان اقتراض المال أكثر تكلفة، أنفق الناس أقل وادخروا أكثر.
وسيؤدي هذا الانخفاض في طلب المستهلكين إلى خفض أسعار السلع والخدمات التي ارتفعت بشكل كبير – لكن الأمر يستغرق بعض الوقت. وعلى الرغم من انخفاض أسعار البنزين مؤخرا، استمرت أسعار المواد الغذائية والإيجارات في الارتفاع، وهو ما وضع البنك المركزي الأمريكي في موقف حرج.
ومن المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة الرئيسي قصير الأجل بمقدار ثلاثة أرباع نقطة للمرة الثالثة على التوالي في اجتماعه الأخير، على أمل تسريع وتيرة انخفاض الأسعار. ومن شأن هذا الارتفاع الكبير أن يرفع سعر الفائدة القياسي – الذي يؤثر على العديد من القروض الاستهلاكية والتجارية – إلى ما يتراوح بين 3 و3.25 في المئة، وهو أعلى مستوى منذ 14 عاما.
ويكمن الخطر في أن ذلك قد يؤدي إلى خنق النمو الاقتصادي والتسبب في ارتفاع معدل البطالة – وهو خطر يغذي مخاوف الركود الحالي.
ويرى البعض أن الانكماش الاقتصادي أمر لا مفر منه.وقال وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سمرز مؤخرا: “لم تمر أبدا لحظة كان فيها التضخم أعلى من 4 في المئة والبطالة أقل من 4 في المئة، ولم نشهد ركودا في غضون عامين”.
ويتفق الخبير الاقتصادي نورييل روبيني – الذي توقع انهيار عام 2008 – مع هذا الرأي.ويتوقع ركودا “طويلا وخطيرا ” أو بشعا بحسب وصفه، يمكن أن يستمر حتى عام 2023.
واعترف رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا، رافائيل بوستيك، بأن الأمر معقد للغاية، قائلا مؤخرا إن الهبوط السلس “أمر صعب للغاية”.
وكان الانخفاض لنشاط الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني مدفوعًا في الغالب بانخفاض مستويات المخزون.
لكن الإدارة الأمريكية اتخذت خطوة غير عادية بنشر شرح مؤكدة فيه أن ربعين متتاليين من الانكماش الاقتصادي لا يشكلان بحد ذاتهما ركودًا.
وقام البيت الأبيض بنشر مدونة في الفترة الماضية قال فيها إنه بالإضافة إلى الناتج المحلي الإجمالي، فإن البيانات المتعلقة بسوق العمل والإنفاق الشخصي والشركات والإنتاج والدخل تدخل جميعها في القرار الرسمي للركود.
ويعتبر المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية غير الربحي الحكم الرسمي في فترات الركود، ومن غير المرجح أن يصدر حكمًا في أي وقت قريب.