من ملفات الشرطة: لعاب الغدر الدامي..!!¿

بمجرد رؤيته للمنظر لم يستطع إمساك نفسه .. سال لعابه وتكهرب جسده .. تزاحمت الأفكار في رأسه وتراكمت الأحلام في مخيلته .. تدافعت وساوس الشيطان وتدفقت كسيول لتغمر كل حواسه وتستولي على ما بداخله وتفكيره .. إن ما رآه لم يكن بالسهل ليمر مرور الكرام على من هو في مثل وضعه وظروفه دون أن يترك أثره عليه ويجعله ينقلب رغماٍ عنه على ما حوله .. تمكنت منه وساوس إبليس اللعين واستغرق يفكر فيما لو أتيحت له الفرصة وحصل على ما رآه لاشك أن كل شيء في حاضره ومستقبله سيتغير وستتحقق كافة أحلامه .. تنامت الفكرة في ذهنه وتبلورت حتى أمست قراراٍ عقد العزم على تنفيذه في أقرب فرصة مواتية .. ثم استقر تفكيره على أن يكون التنفيذ بذات الليلة .. فانتظر إلى وقت بعد منتصف الليل ثم قام بارتكاب جريمته بمباغته الشاب وضربه على رأسه ضربات متتالية بآلة حديدية ثقيلة حتى أحاله إلى جثة ساكنة وبعد ذلك قام بإسالة سائل البترول في المكان وإشعال النار به بهدف إزالة معالم الجريمة وآثارها .. ولكن .. و .. وهاهي أحداث الجريمة وتفاصيلها من بدايتها..
حوالي السابعة صباحاٍ كانت الساعة من ذلك اليوم الجمعة أوائل يناير من العام الجاري 2014م حينما تبلغ الضابط المناوب بإدارة أمن مديرية بني مطر بمحافظة صنعاء عن وجود حريق في محل لبيع أدوات بناء بمنطقة سوق “متنة” الكائن بنطاق مركز المديرية وإصابة أو احتراق شخص شاب هو ابن صاحب المحل بداخله..
فانتقلوا من أمن المديرية إلى المكان عقب هذا البلاغ ومنهم المناوب مع ضابط البحث وكذا بعض الأفراد من المديرية والذين وصلوا إلى هناك ووجدوا في ساحة السوق حشداٍ غفيراٍ من المواطنين المتجمعين أمام المحل الذي تعرض للحريق أو لاشتعال النار فيه .. وكان المواطنون المتواجدون في المكان أو معظمهم قد بادروا إلى إطفاء الحريق بالمحل ولم يعد سوى الضئيل منه وبعض الدخان المنبعث من داخله فسارع رجال شرطة المديرية للمشاركة مع المواطنين لإطفاء بقايا الحريق .. وبحثوا هناك عن المصاب (ابن صاحب المحل) ولم يعثروا عليه بداخل الدكان وقيل لهم أنه تم إسعافه قبل وصولهم من قبل أحد إخوانه وبعض المواطنين إلى مستشفى “متنة” ومنه إلى المستشفى الجمهوري بصنعاء نظراٍ لأن حالته كانت خطيرة وميؤوسة ومستشفى “متنة” ليست لديه الإمكانيات ولا حتى الجزئية والنسبية لاستقبال الحالات المتطورة السيئة..
فقام شرطة المديرية بعد إطفاء الحريق وإخراج بقية المواطنين من المحل بإلقاء نظرات فاحصة على داخله فلاحظوا هناك بعض الآثار المريبة التي تثير الشبهة وتشير إلى أن الواقعة ربما تكون جنائية بفعل فاعل وليست مجرد حادث حريق عرضي .. فتركوا كل شيء على حاله في المحل آنئذ وقاموا بإغلاقه وتطويقه (تحريزه) وإبلاغ عمليات أمن محافظة صنعاء وطلب مختصي الأدلة الجنائية من مباحث المحافظة لإجراء المعاينة الفنية للمحل وللشخص المصاب الذي أسعف إلى المستشفى الجمهوري بصنعاء ولم يعرفوا بعد نوعية حالته.. ثم مكثوا على اتصال من ذلك.. في الوقت الذي اهتم ضابط البحث بجمع ما أمكن من المعلومات حول الحادث من خلال سؤال المواطنين المتواجدين في المكان والسوق.. وأثناء ذلك وصل بلاغ من المستشفى بصنعاء يفيدهم بأن الشاب المصاب والذي اسمه/كمال أحمد الشعباني «المطري» قد فارق الحياة قبل إيصاله للمستشفى وأن ثمة إصابات وآثار نزيف دماء ظهرت على جثته بعد الكشف عليها من قبل الأطباء في المستشفى مما يدل على أن الواقعة ليست حادثة حريق بفعل القضاء والقدر ولكنها جريمة قتل بفعل جنائي متعمد. فقام ضابط البحث ومن معه في المكان على إثر هذا البلاغ بضبط عدد من الأشخاص المتواجدين بالسوق وبالأخص أصحاب المحلات المجاورة والمقابلة لمحل الواقعة والذين ثبت أنهم باتوا ليلتهم «ليلة الواقعة» في المحلات بالسوق وكذا بعض العاملين المسترزقين والمتواجدين فيه والذين هم من خارج المنطقة إضافة إلى ضبط بعض الأشخاص من أهالي نفس المنطقة والمديرية حتى وقت العصر من نفس يوم الجمعة تم أحيل ستة أشخاص منهم والذين أفاد أقرباء المجني عليه «القتيل» وإخوانه أن لوالدهم «صاحب المحل» خلافات وقضية منظورة لدى المحكمة معهم وهذه القضية والخلافات بينه وإياهم هي على أرض وحقوق.. حيث تم احتجاز هؤلاء الأشخاص المضبوطين بإدارة أمن المديرية حتى منهم وهم الذين تم فرزهم وأستقر حولهم الاشتباه إلى إدارة مباحث محافظة صنعاء.. ليتم استلامهم هناك وإبداعهم رهن الاحتجاز مباشرة على ذمة القضية دون فتح محضر مع أي منهم باعتبار أن اليوم كان الجمعة وهو يوم الإجازة الرسمية الأسبوعية ولا يوجد دوام أو تواجد رسمي فيه لأي من الضباط والعاملين المحققين وباستثناء الخدمات الجنود «أفراد الحراسة» والضابط المناوب الذين يتواجدون لأداء الواجب على مدار الساعة سواء كان يوم جمعة أو يوم عيد أو إجازة رسمية.. وبسبب ذلك كان حجز الأشخاص «المشتبهين»المرسلين وتأجيل أي بت وإجراء في الواقعة حتى اليوم التالي والذي تكلف فيه أحد الضباط المخضرمين والمتمكنين من قسم مكافحة القتل والاعتداء بتولي المتابعة والتحقيق في القضية وهو العقيد/عبدالسلام الحالمي وبجانبه أحد المساعدين وهو زكي ردمان وذلك بحسب التوجيه بشأن ذلك من إدارة البحث العقيد عبده اليحيري ونائبه العقيد/مسعد الصيادي وتحت إشرافهما وكذا مشاركة وإشراف رئيس قسم مكافحة القتل والاعتداء العقيد/عبده العاقل. وقد تحرك الضابط المكلف مع المساعدين المشار إليهما بنفس اليوم وبصحبتهما خبير وفني من الأدلة الجنائية وهما الإخوان/ عبدالله السياغي وفؤاد المطري وذلك بالانتقال إلى محل الواقعة بمنطقة “متنة” بني مطر لإجراء المعاينة الفنية والتصوير للمكان ورفع الآثار المتعلقة بالواقعة بداخله. إذ وصلوا إلى هناك وقاموا بفتح المحل والذي كان قيد التحريز والحراسة من اليوم السابق وتم فتح المحل آنئذ بحضور صاحب المحل «والد المجني عليه» وإخوان وبعض أقرباء القتيل وكذلك بحضور ضاظ البحث بالمديرية وهو النقيب/شرف الفايق ودخلوا إلى المحل والذي كان لبيع أدوات البناء ليجدوا هناك الأشياء والأدوات بداخله كانت مبعثرة وفي حالة عبث تام ومعظم الأدوات والأشياء التي كانت فيه أخرجت ونقلت منه عند إطفاء الحريق في اليوم السابق وذلك أول ما لاحظه ضابط البحث ومن معه حين دخولهم للمحل ومباشرتهم لمعاينته كما لاحظوا وجود آثار حريق على تخشيبة واقعة في الجدار الغربي للدكان ومن الجهة اليسرى لمدخل الباب والحريق بدأ متركزاٍ على التخشيبة المذكورة ومتواصلاٍ ابتداءٍ من مكان جلوس البائع حتى الزاوية الجنوبية للمحل.. وكذلك شاهدوا على الأرض بالجهة اليسرى وعلى مسافة ثلاثة أمتار تقريباٍ من باب الدكان وجود أثر لبقعة دماء وبجوار هذه البقعة سلسلة حديد ومطرقتين حديد وكذا جونيتين (شوالتين) صغيرتين فيهما مواد بناء وأيضاٍ عثروا على صندوق هناك ظهرت عليه أثار قطرات دماء وعلى بعد حوالي مائة سنتيمتر من القطرات باتجاه الجدار الشرقي للدكان وجدوا أثار دماء أخرى على الأرض وبجوار التخشيبة .. ثم باستمرارهم وتعمقهم في المعاينة عثروا بالإضافة إلى ذلك على حذاء (صندل) من النوع الجلد وبحسب إفادة إخوان المجني عليه أن الحذاء تابع لأخيهم (القتيل).. فقام رجال المعاينة بتحريزه وتحريز ما أمكن العصور عليه إلى جانبه.. تم استكملوا إجراءات المعاينة والتصوير ورفع الآثار في الدكان وبعد ذلك غادروا المكان والمنقطة عائدين إلى العاصمة صنعاء بغرض الاتجاه لمعاينة جثة المجني عليه في المستشفى الجمهوري..
وهناك حين وصولهم للمستشفى ومباشرتهم لمعاينة الجثة وجدوها لشاب عمره لم يتعد الـ 17 عاماٍ وأسمه كمال أحمد صالح الشعباني (المطري) يلبس (كوت مقلم) وسترة (يلق) لون بيج وثوباٍ أبيض اللون وحزام عسيب مع الجنبية .. ثم عند قيامهم بالكشف أسفل الجثة وفحصهم لها بدقة تبين لهم وجود آثار حريق أسفل البطن في الحوض مع آثار حريق جزئي بأسفل العسيب وأسفل الثوب بالجانب الأيمن مقابل الركبة.. وكذلك تبين لهم بعد قيامهم بغسل آثار الدماء التي على الوجه وجود أثر لجرح قطعي بارز غائر بأعلى منتصف الرأس من الجهة اليمنى بطول 3سم وأثر لجرح قطعي آخر يبعد عن الجرح الأول بمقدار 7 سم وأبعاده 4 سم كما وجدوا أثراٍ ثالثاٍ لضربة خلف الأذن اليمنى مباشرة.. وإضافة للعثور على آثار أخرى اتضحت لهم بالجثة جعلتهم حينها يحسمون الرأي ويسلمون بما يقطع الشك باليقين بأن الحريق الذي نشب في المحل (مسرح الواقعة) ما هو إلا حريق مفتعل وأن الواقعة لم تكن سوى جريمة قتل من الدرجة الأولى وبفعل فاعل مجهول وأقرب للتخطيط المسبق والعمد.. وللجريمة أسبابها وخلفياتها وملابساتها والتي تتطلب منهمك جهوداٍ غير عادية بل ونوعية لكشف غموضها وللوصول لمعرفة الفاعل الخفي وضبطه.. وهذا ما بدأ يستشعره الضابط المسؤول عن القضية العقيد عبدالسلام الحالمي وزميله المساعد زكي ردمان وراحا يشدان العزم على خوضه ومواجهته.. بحيث انطلقا للمهمة الصعبة بروح الإصرار على الوصول للمجهول مهما تعاظمت العوائق وتشابكت الأسلاك الشائكة في طريقهما نحو الضالة المنشودة.. فيا ترى من هو الجاني الخفي ¿ وكيف ارتكبت الجريمة¿ ولماذا..¿ وما هو الدافع الحقيقي لها¿ وما كانت الملابسات والخفايا وراءها..¿ كل هذا وغيره عزيزنا القارئ الكريم ما ستقرأه وتعرفه تفصيلاٍ في الحلقة الثانية والأخيرة بعدد الأسبوع القادم إن شاء الله تعالى وإلى اللقاء..

قد يعجبك ايضا