في أبين .. الدمار يتحدث عن نفسه !

عندما تخسر منزلك في حرب مجنونة لست طرفاٍ فيها.. اقرأ عليها السلام وغادر إلى وجهة أخرى أكثر أماناٍ في هذا الواقع المضطرب.. لسان حال كل من تعرض منزله للدمار الكلي أو الجزئي في محافظة أبين.
يقول الناس هناك: “الأفضل ألا تبني لك منزلاٍ لأن الزلزال البشري قد يأتيك يوماٍ ما”.
أبين التي تعرضت لأعنف المواجهات بعد حادثة المعجلة التي راح ضحيتها عشرات الأبرياء بين ما سمي بأنصار الشريعة والقوات الحكومية بعد أن تسربت إلى أيديهم الكثير من الأسلحة من معسكرات المنطقة العسكرية الجنوبية بحسب ما يتحدثون به هناك جعلتها قاعاٍ صفصفا من منتصف العام 2011م عندما كانت الاحتجاجات الشعبية في أوجها بمدن يمنية عدة.. أعلن أنصار الشريعة أبين إمارة إسلامية وراحوا يمارسون نشاطهم بكل هدوء.. الناس منشغلون بتغيير نظام الحكم والسلطة حينها منشغلة بكيفية النجاة من تلك العاصفة الشعبية من يومها وأبين تعيش لحظات الخوف جرعة.. جرعة.
في الأسبوع الماضي كان لا بد من الذهاب إلى مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين ثمانين كيلومتراٍ عن مدينة عدن.. كان تصوري قبل الوصول إلى هناك أن المدينة قد تغيرت بعد إنشاء صندوق إعادة إعمار المناطق المتضررة.. عام ونيف ونحن نقرأ تصريحات المسئولين عن هذا الصندوق.. أنهم عوضوا الكثيرين ممن تعرضت منازلهم للدمار.. الكثير من الجعجعة جعلت الناس أمام صورة قاتمة لمدينة لا تزال آثار الخراب والدمار على حالها.
الصورة بعد مرور ثلاث سنوات على المواجهات التي لا تزال تقتل المواطنين هناك حتى هذا الشهر هي ذاتها صورة اللحظات الأولى من انتهاء المواجهات “كأننا نعيش لحظة توقف المواجهات” يقول عوض السعدي مواطن من مدينة زنجبار في منطقة الكود: إن المحطات التي نصل إليها من منطقة العلم القريبة من عدن .. على طول الخط أرى المنازل متساوية مع الأرض.. لم أر أحداٍ في المكان ذاته يعمل في بناء منزل.. حركة بطيئة هناك.. لا بشر في ذلك الخراب من الطرف الجنوبي لمدينة زنجبار حيث كانت ضراوة المعركة.. البشر الذين يسيرون على قلتهم كأنهم أشباح في ظلمة حالكة.. حتى مآذن المساجد توقفت عن الأذان.. كل شيء في أطراف المدينة ووسطها متوقف.. حالة من الذعر لا تزال مسيطرة على أفئدة الناس.
السعدي يقف بسيارته (التاكسي) لساعات طويلة وأحياناٍ يظل ليوم كامل دون أن يجد راكباٍ واحداٍ مسافراٍ إلى عدن. الأمر عينه عندما يكون في عدن.. يضطر على الدوام للعودة إلى أبين فارغاٍ بسيارته.. على مدار الساعة وخط عدن أبين الذي يربط بين محافظات شرقية كـ(شبوة) فارغاٍ من السيارات ذهاباٍ وإياباٍ.
وسط مدينة زنجبار وسأترك الحديث للصورة مع الاحتفاظ بصورة الفيديو كتوثيق لواقع المدينة لا شيء يوحي بالحياة.. لا شيء يشعرك أنك لا زلت على قيد الحياة تتصرف بقدمين مشلولتين ويدين لا تقويان على الحركة.
في وسط المدينة ستجلس لساعات بانتظار باص يعيدك من حيث أتيت وعلى اليمين واليسار شاهد ما شئت من آثار الدمار الإسمنتي المبعثر على مد البصر .. بنهم كنت أصور فصرخ أحدهم: اذهب إلى أطراف المدينة هناك الدمار الحقيقي.. هذا لا شيء مقابل ما ستراه هناك.
المشكلة في هذه المدينة ليس ما تعرضت له من دمار أثناء المواجهات المشكلة الحقيقية اليوم هو بقاء الدمار دون فعل شيء يعيد للمدينة ضجيجها.. هو بقاء المدينة كاللحظة الأولى بعد انتهاء المواجهات.
تحدث الإعلام الرسمي والمنظمات العاملة في مجال إعادة الإعمار أن كل شيء على ما يرام- طبعا بحسب التقارير التي تصل إليهم- فيما الواقع يعيش لحظته الأولى للدمار.. مخالفات كثيرة بحسب مواطنين يقضون كل صباح أمام صندوق إعادة الإعمار في خور مكسر منتظرين فرج العاملين فيه غير أن هذا الفرج يأتي بمبالغ قليلة لا تعيد 20% من منازلهم التي دمرت بالكامل لا رقابة ذاتية للعاملين في الصندوق رغم تغيير قيادة أخرى في نهاية العام 2013م ولا فحص حقيقياٍ لوثائق مقدمي التظلمات.
عمل الصندوق الذي اجتمع القائمون عليه في الأسبوع الماضي بغرض حشد الدعم رافقه تذمر واسع من قبل المتضررين الذين لا يزالون في أماكن النزوح حتى لحظة كتابة هذا الاستطلاع.
فور خروج تنظيم القاعدة بعد انتصار القوات الحكومية تحدث الإعلام كعادته في تضخيم الأحداث أن 90% من النازحين قد عادوا إلى أبين بينما انكشف فيما بعد أن أغلب النازحين الذين خرجوا من مدارس عدن بداية العام 2013م اضطروا للاستئجار في مناطق خور مكسر والمنصورة رغم ضيق الحال الذي يعيشونه منذ تركهم مدنهم التي عاد إليها البعض وبقي البعض الآخر والجميع يعانون من آلام الحرب.
في المحصلة النهائية مدن أبين لا تزال تعيش حياة الدمار.. دمار المدينة ودمار الذات يصرخون فيتهمون بالمزايدة.. يئنون فيتهمون بالجنون.. ينتقدون فيطولهم القمع والحرمان من التعويض من العام 2011م حتى بداية العام 2014م وحياة أبين يسودها الموت.. الصمت الدائم السلطة المحلية ليس لها حضور هناك أقسام الشرطة معدومة فقط على مداخل المدينة تقف اللجان الشعبية التي لا تتورع في أغلب الأحيان من ممارسات خاطئة إذا ما تأخرت معاشاتهم كالتقطعات لسيارات حكومية في الأغلب.
اذهبوا إلى أبين لكي تعرفوا حجم الكارثة التي يعيشها الناس أو أقرأوا حقيقة ما يدور هناك.
في هذه الزيارة حرصت كثيرا على التوثيق بالصور الفوتوغرافية والفيديو حتى لا يأتي من يكذب ما نشر في هذه الزاوية..

قد يعجبك ايضا