الكثير من التداولات الإعلامية لاضطرابات أبين تتحدث عن القاعدة ودورها في ما حدث، والحقيقة وردت على لسان اليدومي واضحة البياض كفلق الصبح، وهي إما أن نكون شركاء في المشهد وإلا نهدم المعبد، وسياسة هدم المعبد سياسة قديمة للإخوان أصبحت مفضوحة ومستهلكة، ومن الغباء الاستمرار فيها، لأنها ضياع وتيه، قد تكون نجحت في الزمن القديم، لكنها لن تنجح اليوم، لسبب بسيط أن المؤلف والمخرج على علم كامل بتفاصيل اللعبة، وحبكة السيناريو للقصة السياسية ذات الأهداف والغايات، لذلك ففكرة القاعدة وعودة نشاطها في أبين لم تعد فكرة رائجة، قد تكون مفردة مستهلكة في الإعلام، لأن السيناريو يريد ذلك، لكنها في معمل الحقيقة في الدوائر الاستخبارية معروفة الغاية والهدف، وهو يتعامل معها بذكاء مفرط يقابله غباء مفرط من الإخوان .
منذ حدث التلاحم بين السلفية وحركة الإخوان، وتوحد الهدف في حرب أفغانستان، لم تكن الحركات الجهادية إلا آلة استخبارية بيد الرأسمالية العالمية تحركها كيفما شاءت في مسرح الأحداث، وقد تأسست تلك الحالة كضرورة، وظلت كذلك إلى يومنا هذا، وبقليل من التحليل لتلك العناصر, تجد أنها من صنع الإخوان، ومن مخرجات مؤسساتهم التعليمية، والتربوية، والتنظيمية، ومن صنع الخلايا السرية لهم، ولا تكاد تجد أحدا يعمل في الاغتيالات ، وفي التفجيرات من غير الإخوان، وفكرة القاعدة هي فكرة موازية تمتد لجذر دلالي واحد، لكن التداول الإعلامي يجعل بين الحالين فروق، وربما جاء الخطاب السياسي ملبيا لتلك الغاية .
لا يمكن للإخوان العيش في بيئة اجتماعية وثقافية مستقرة وآمنة، فقد ألفوا الاضطرابات، وحالة عدم الاستقرار منذ نشأتهم، لذلك تجد في كل نشاطهم ميلا إلى الاضطرابات، وإقلاق السكينة العامة، وفي المقابل تجدهم في خطبهم، وفي منابرهم، وفي إعلامهم، يدينون أفعالهم، لكنهم لا يعترفون قيامهم بها، فالقاعدة اسم مواز لهم، من خلاله يحملون الأجهزة الحاكمة بالفشل، ويرون في أنفسهم الجبل الذي يعصم المجتمع من الغرق، في حين يخرقون السفن، ويجمعون المال، ولا يرون من أحد يستحق الحياة على هذا الكوكب سواهم، فلا قيمة للإنسان في نظرهم إن لم يكن إخوانيا وعضوا عاملا في الجماعة .
ليس للإخوان من مشروع سياسي ناهض، فقرن من الزمان كان كافيا ليفصح عن دخائلهم وسرائر أنفسهم، ومستوى حركتهم وتفكيرهم في الحياة، وفي الموقف من المستوى الحضاري المعاصر، ومن حركة التفاعل مع المجتمع المحيط بهم، وقد تهيأت لهم فرص شتى في مختلف البلدان والأوطان، فلم نجد لهم من نموذج يمكننا احتسابه لهم، عبر قرن من الزمان، لكن كل النماذج يؤخذ عليهم منها ما يؤخذ، فحالة التنافر والتضاد بينهم وبين المجتمعات شديدة التباعد والنفور, ففي مصر لم يقدموا من منجز سوى التفاخر برغيف الخبز، وحركة التموين، وظل ذلك ديدنهم حتى تحرك الشعب والجيش المصري فأصبحوا في خبر كان الناقصة، وفي ليبيا راق لهم الحال من خلال حالة الانقسام فشبعوا، وجاع الشعب الليبي، وقد كان غنيا لا يسأل الناس الحافا، وفي تونس – وتونس نموذج متطور للحركة – لم يصمد الشعب التونسي كثيرا، حتى بدأ حركة إصلاحات كبرى، فقد أفسدوا في القوانين وفي الدستور، كما لم يفسده الشيطان في حياة البشر، وفي اليمن رأينا كيف تحولت الدولة إلى مؤسسات مجتمع مدني، وكيف تعطلت الوزارات والمؤسسات الحكومية ونشطت مؤسسات مدنية كانت تتبعهم، ولم يصب الخير أحدا من غير المنتمين لتيارهم، حتى المناصرين لهم لم يصلوا إلى مرتبة الاستحقاق للحياة، ولذلك لم يصلهم من خير ولا بر من قبلهم، فالخير والبر واستحقاق الحياة هي لكل عضو أقسم قسم البيعة، ووصل إلى مرتبة العضو العامل في الجماعة .
الموضوع لم يعد فكرة دينية، بل تجاوز ذلك إلى الفكرة النفعية، فقد تماهوا بشكل أو بآخر مع الفلسفة البراغماتية النفعية، وربما كانوا أكثر قربا من الميكافيلية، فالغاية عندهم كنهج تبرر الوسيلة، دون النظر إلى مشروعيتها الأخلاقية والعقدية من عدمها، وهذا أمر ثابت في منهجهم وفي سلوكهم، فالجمعية التي كانوا يفتحون أبوابها لأعمال الخير في الشوارع والحارات، كانت تظهر الخير وتبطن الشر، فقد دلت الوقائع والاستدلالات أنها لم تكن سوى خلايا للقيام بمهام مختلفة، منها مهام ترصد، ومنها مهام تجنيد واستقطاب، ومنها مهام تنفيذ عمليات انتحارية ..الخ، ثم تخرج الصحف التابعة لهم محرضة للرأي العام على الجهاز الأمني وعلى النظام، منددة بالانفلات الأمني، وهكذا كان ديدنهم قبل عقود من الزمان، وعلى ذات النهج والطريق سوف يستمرون .
لا يمكن للإخوان أن ينتصروا لأي قضية وطنية كبرى، فالوحدة بالنسبة لهم ليست قضية وطنية إلا بقدر مستوى نفعيتها لهم، ولذلك من الثابت بما لا يدع مجالا للشك أنهم حاربوها في تباشيرها الأولى مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، ثم كانوا أول من جرح في شرف الوحدة من خلال انتهازيتهم، ومن خلال فكرة الغنيمة التي حولت المحافظات الجنوبية إلى فيد وأنفال تقاسموها، وتحولت إلى مشاريع استثمارية في صنعاء، وفي المحافظات، وفي دول خارجية غير اليمن.
وما يحدث اليوم في أبين من تفجيرات واغتيالات، وما سوف يحدث في قابل الأيام لن يكون مستغربا، فهذا من البديهيات التي دأب عليها الإخوان، فهم جزء مفصلي من المشروع الذي يستهدف كرامة الأمة، ويستهدف ثرواتها ومقدراتها، وينتهك سيادة الأوطان، ولا أرى في حركة الإخوان إلا مشروعا قاتلا ومدمرا ومتعاونا مع الصهيونية، فهي في سبيل تحقيق النفع الذي ترجوه وتراه يلبي طموح الجماعة، لديها كامل الاستعداد للتعاون حتى مع الشيطان.
