كانت القصة لا تعدو أن تكون مجرد أسطورة يتداولها سكان أستراليا الأصليون، إلى أن أكد صحتها مصورو وموثقو الحياة البرية مؤخراً بالصورة، حيث ثبت أن هناك طيوراً كانت وما زالت موجودة ويسميها السكان (طيور النار) يحمّلها أهل الجزيرة القارة مسؤولية إضرام وتأجيج الحرائق في غابات وأحراش أستراليا، هذه الطيور هي أعجز وأضعف من أن تشعل عود ثقاب لوحدها، وإنما تنتظر أن ينشب حريق ما في مكان ما بفعل الجفاف أو احتكاك الأغصان اليابسة ببعضها أو عندما تقرر ذلك ببساطة الطبيعة الأم، وعندما ينشب الحريق تنتشي هذه الطيور الشريرة لأنها تعيش وتتغذى على الحشرات والكائنات الصغيرة التي تهرب من جحورها ومخابئها بمناطق الحرائق بفعل الحرارة فتنقض عليها هذه الطيور، فلا تكتفي هذه الطيور بهدية الصدفة بل تشارك في حفلة النيران وتوسع حلقتها لتشمل مناطق أكبر وأوسع، فتقوم بحمل أغصان الأشجار المشتعلة وتطير بها ثم تقوم برميها في مناطق جديدة لم يصل إليها الحريق وهكذا ..
نفس هذه اللعبة الشريرة تلعبها اليوم في جنوب اليمن طيور نار بشرية، فهي لا تهدأ ولا تكل أو تمل من إشعال الحرائق بين جنبات هذا الوطن المكتوي أصلاً في أتون هذا العدوان الهمجي في هذه البقعة من الجغرافيا اليمنية الجافة والمهيأة أصلاً للحرائق، كيف لا وهي تتغذى وتعيش وتدوم على ما تنتجه لها هذه الحرائق من غذاء ومن سيطرة، وكلما اكتمل أو اُخمد حريق أو تفحمت أرض حملت طيور نار العدوان الشريرة ضرام من هذا الحريق وألقته في منطقة أخرى لتتواصل الحرائق حتى تأتي على كل شيء، وسنتجاوز هنا عن المسميات فلا انتقالي أو إصلاح أو أي فصيل مرتزق آخر، فكل هؤلاء مجرد أدوات ووسائل بينما اللعبة هي نفسها اللعبة، فتتواصل الحرائق من سقطرى فعدن ولحج وأبين وشبوة والآن في تخوم حضرموت وعلى أبواب المهرة، وبينما ينشغل الناس بتفاصيل هذه الحرائق، تواصل طيور النار العدوانية حملة نهبها لنفط وغاز وكل مقدرات هذه المناطق، بل إنها قد بلغت درجة من السادية بحيث أنها لا تنهب أو تسرق أو تحرق لغرض البقاء كما تفعل قريناتها الأسترالية بل إنها تستمتع وتتلذذ بمشاهدة ألسنة نيران حرائقها وهي تحرق الأخضر واليابس وتحيل الأرض اليمنية في الجنوب وعلى كافة الأصعدة إلى ركام ورماد .
الصيادون المتمرسون الأباة هناك على تخوم هضبة اليمن العظيمة وفي سهول وأحراش تهامة وعلى مفاصل مفازة (صيهد) هم الوحيدون المتنبهون لما يجري، لم تعم أعينهم عن الرؤية كثافة الدخان الأسود الكثيف المتصاعد من سهول الجنوب المشتعلة بالحرائق العبثية المدمرة، ولم تستطع تلك الطيور الشريرة من ذر الرماد في أعينهم، يراقبون عن كثب ولا ينتظرون إلى أن تنجلي سحب الدخان تلك عن الأرض السوداء المحروقة، بل ويعدون عدة الصيد وينسجون الشباك ويهيئون ليوم فصل مع تلك الطيور الغازية، يفعلون ذلك في طقوس ملحمية مهيبة وبوعي منقطع النظير، وهم فقط وحدهم ودون غيرهم القادرون على كسر مناقير طيور النار الشريرة تلك وتثليم مخالبها ونتف ريشها .
وفي انتظار ذلك لا ضير من تكرار التحذير القديم الجديد نفسه وبكلمات موجزة نقول :
لا تشعل النيران في أراضي الغير يا غشيم وأنت أرضك كلها هشيم، وأنت تعلم قبل غيرك أن عود ثقاب واحد يحرق برميل زيت واحد كفيل بإحراق أرضك كلها وتحويلها إلى بركان رهيب حممه المنصهرة لن يبق ولن يذر، وأن قرار الإشعال بات فقط مرهوناً بإرادة الرجال !!