لعبة السياسة لا وفاء ولا عهد

يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد

 

لعبة السياسة في عالم اليوم، لعبة بلا أخلاق لا وفاء ولا عهد، ولذلك فالذين يعزفون على خذلان التحالف لهم يؤكدون غباءهم المفرط ليس أكثر، فالسياسة لعبة خطرة ولا يحسن التعامل معها إلا لاعب بهلواني فطن، قادر على انتهاز الفرص من بين أنياب الوحوش في غابة الحيوانات المفترسة، لذلك، فالتبرير الذي نسمعه اليوم من الإخوان بدل على الغباء السياسي إذ أنهم يعلقون فشلهم على شماعة المؤامرة والخذلان، ومثل ذلك ليس صحيحا، فقد ثار الإخوان من أجل كسرة الخبز، وما وجدنا لهم خطابا واحدا طوال عقد ونيف من الزمن يتحدث عن الكرامة الفردية أو الكرامة الوطنية، وفرق شاسع بين الذين يثورون من أجل الجوع، وبين الذين يثورون من أجل الكرامة، فالثائر من أجل الجوع سيسكت، إذا وجد فمه كسرة خبز وهذا ما حدث، والثائر من أجل الكرامة لن يسكت حتى يجد كرامته، وهنا نقف قليلا نتأمل واقع اليمن .
فانصار الله ثاروا من أجل الكرامة الفردية والكرامة الوطنية ,وهذا مبدأ يمتد عميقا في التاريخ ومقولاته ما تزال تسيطر على الوعي الجمعي ,وهي بارزة اليوم في الخطاب السياسي، والإعلامي، والفني والأدبي، في المقابل من ثار من أجل كسرة الخبز فوجدها عند تحالف العدوان سكت، وكان خطابه واضحا، حيث كان ومازال يوكد أن التحالف جاء بأمر الله، ولا مشكلة إذا مات 24 مليونا وبقي مليونا واحدا يجد في واقعه كسرة الخبز .
ظل هاجس الفصيل الثائر في معمعة الربيع العربي هو رغيف الخبز، وجل المشروع كان ينحصر في فكرة تقاسم الثروة والسلطة ,وهذا ثابت بالنص في مشروع اللقاء المشترك وفي رؤيته السياسية، لذلك كان الوطن بالنسبة لهم فكرة تتركز في ثنائية الهيمنة والخضوع، الهيمنة بالمال بحيث يجدون الثراء اللازم حتى يشترون الذمم والضمائر، وخضوع الجماهير حتى تسير في ركب هيمنتهم ، وقد رأينا في فترة حكم المبادرة الخليجية الكثير من الظواهر التي يضطر المواطن فيها أن يبيع كرامته في مقابل القدرة على الاستمرار في الحياة، في حين كان انشغال حكومة «اللاأدريين» بالجمعيات والمؤسسات التي تتبع فصيلا سياسيا بعينه دون أن يلمس المواطن لها أثرا في واقعه .
استفاد الإخوان من مشروع التنمية البشرية، وهو المشروع الذي عمل الغرب عليه في اطار استراتيجية راند لعام 2007م بعد أن فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد من خلال نتائج حرب تموز 2006م في لبنان، حيث بدأت فكرة إنشاء إسلام معتدل، كي تمهد لفكرة الشرق الجديد، وكان اشتغال المنظمات والمؤسسات العالمية لا يكاد يحيد عن الإخوان، فبدأت الجمعيات والمنظمات بعد عام 2007م تنتشر يشكل ملفت للنظر، كما بدأت فكرة الدورات المكثفة في مجال التنمية البشرية ,وكانت تنحصر فكرتها في كيفية السيطرة على وعي الجماهير ,وقد نجح الإخوان في ذلك بامتياز ومازالوا حتى اللحظة يستفيدون من هذا المشروع في إدارة صراعهم مع الآخر .
ظن الاخوان أنهم بامتلاكهم مفاتيح السيطرة على وعي الجماهير قادرين على فرض نفوذهم على اليمن وعلى المنطقة، ولم يعتبر اخوان اليمن من فشل اخوان مصر وتونس ,بعد أن كتب الله التمكين، فتمادوا في غيهم فكهين ,حتى استيقظوا على مشروع اجتثاثهم هلعين مستنفرين، وصاحوا بملء أفواههم: « لقد تعرضنا لمؤامرة وخذلان « .
السياسة الدولية لم تفرش للإخوان طريق التمكين وردا ونرجسا، بل استخدمتهم كمطايا للوصول إلى أهدافها، وقد بلغتها، وتعامل الإخوان مع الواقع بغباء سياسي مفرط حتى استيقظوا اليوم على فكرة تطهير الأرض من أدرانهم .
لم يشفع لهم المجتمع الدولي في مصر، ولم تشفع خدماتهم الجليلة والكبيرة لهم في اليمن، ولم يقف المجتمع الدولي أمام قيس بن سعيد وهو يقوم بتطهير المؤسسات منهم في تونس، القضية لعبة سياسية سواء هنا أو هناك.
كل الصراخ الذي نجده اليوم لن يجدي نفعا، ما هو مرسوم سيتم، انتهى التحالف من شبوة وهو متجه حاليا إلى العبر والوديعة وحضرموت، وبعدها تتجه البوصلة إلى تعز والى مارب، وحينئذ يجد نفسه الإصلاح وقد خدم الشيطان دون أن يدرك أنه لم يكن سوى أداة بيد آلهة الشر العالمية، وسيندم ولات حين ندم .
لعبة السياسة في عالمنا المعاصر لا تحترم القيم والمبادئ والعهود ,ولا الاتفاقات ,ولكنها حالة براجماتية نفعية، ولذلك تضيع الفرص عند الذين لا يفقهون شيئا في لعبة السياسة اليوم، ولعل الإخوان أكثر الذين وقعوا في فخ اللعبة في مناخ الربيع العربي، فاستخدموا إلى درجة الوقوع في شراك الوهم ,ولم يتعظوا من تجارب غيرهم في المنطقة، فكانت قراءتهم للمقدمات أكثر خطئا من النتائج التي وصلوا اليها أو سوف يصلون اليها في قابل أيامهم .
ومن هنا تصبح القضية هي قضية كرامة وقد فرّط الإصلاح وأحزاب التحالف بها في سوالف الأيام، ولن يثق بهم أحد في قابلها، ومن يهن يسهل الهوان عليه- كما قال المتنبي .

قد يعجبك ايضا