اتفاقيات الغاز.. عنوان انتهاك الحقوق السيادية لليمن

اليمن تخسر ما يربو على ٥٥ مليار دولار من موارد نفطيَّة القطاع (18)

 

 

إجمالي احتياطيات الغاز الرَّطب المتوفِّرة في قطاع (18) بلغ في 1996م حوالى 10.2 تريليون قدم مكعب
استُهدُف الحق السيادي لليمن بخداع مجلس النُّواب من خلال اختيار اسم شركة مارب للإيحاء بأنها شركة وطنية

م/ وليد الحدي*

عادةً ما تُكرِّس الدُّول اهتمامها لخلق مناخات جاذبة للاستثمار، وإغراء المُستثمرين للاستفادة من خبراتهم, لما سيُحقّقوه من عائد مادي على الاقتصاد الوطني تحت سقف السّيادة وبما لا يتعارض مع مصالح المواطن، بيْدَ أن ذلك الاستثمار عندما يضْحى عبئاً على البلد ناهباً لثرواته، مُنتهكاً لسيادته، فغيابه في هذه الحالة أقلُّ ضرراً من وجوده، وبقاء تلك الثّروة في باطن الأرض خيرٌ من استنزاف عائداتها لجُيوب اللّصوص القادمين إلينا من على مسافة آلاف الكيلو مترات إمعاناً وطمعاً في نهب ثرواتنا، حتى يُسخِّر الله مِن أبنائِنا مَن بَمقدورِه مُساعدتِنا على الانتفاع بما مَنَّ اللهُ علينا من ثروة .
نتائج كارثية
الواقع أثبَتَ بما لا يَدَع مجالاً للشَّك أن كثيراً من المُستثمرين الذين قَدِموا إلى البلد، وخاصّةً في المجال النفطي ليسوا سوى لُصوص لم يرتقوا بعد لمَصاف مُستثمرين يتوجَّب عليهم احترام القوانين التي جاءت بهم، فعندما يختلف من يتدثَّر برداء الاستثمار مع آخر على أحقيَّة الانتفاع بقطاع نفطي واعد طمعاً بما فيه من ثروة، مُتجاوزاً القوانين، ثم يغدو ذلك القطاع وسيلة للتهادي والتراضي ما بين الطرفين، ويقِف حينها من هو في موقع المسؤولية مَوقف المُتفرِّج إما بِدافع الجهل أو بِدافع المَصلحة، فاعلم أنّنا ابتُلينا بلُصوص وقحين، ومسؤولين فاسِدين وأغبياء لا يُدركون ما الذي يجري في بلدهم، حينها تكون النتائج كارثية ستؤدي إلى خسارة البلد ما يربو عن ٥٥ مليار دولار من موارد نفطيَّة لقطاع واحد فقط كما جرى في القطاع (18) الذي استُهدِفت فيه كمّيات كبيرة من احتياطيات الغاز الطبيعى والغاز البترولي المُسال، ورُسوم منشآت المنبع والتي تُعَد في مجموعها ملكاً حصرياً لليمن من قبل الشُّركاء (المُستثمرين) في مشروع الغاز، مُقابل إجمالي موارد متوقَّعة من مبيعات الغاز المُسال خلال عمر العقود قدرها فقط 5 مليارات و600 مليون دولار وفقاً لمُحرِّر الشّركة اليمنية للغاز الطبيعى المُسال المؤرَّخ 17 يونيو 2005م، وما أكَّدتهُ الموارد والخسائر الفعليَّة خلال الفترة من 2009م إلى 2014م، ويرجع السَّبب في ذلك إلى انفراد الشركاء (المُستثمرين) في مشروع الغاز ( شركة هنت الأمريكية مشغل القطاع 18 آنذاك حتى 14 نوفمبر 2005م ) وشركة توتال الفرنسية (مُشغل منشآت بلحاف) في إعداد نُصوص الاتفاقيّات كُرِّست مُعظمها لتحقيق المنافع القصوى، مع التَّرتيب لنقل ملكيَّة وتشغيل القطاع (18) لهم في مشروع الغاز بعد انتهاء اتفاقية مأرب للمُشاركة في إنتاج النفط في 14 نوفمبر 2005م .
الحَق الحصري
ولأن (السّرق إخوة) كما يقول المثل الشعبي، وافَقت شركة توتال الفرنسية في عام 1996م لشركة هنت الأمريكية أن تكون شريكاً معها في مشروع الغاز مُستغلةً نص المواد (3.4) من اتفاقيَّة تطوير الغاز التي مَنحت توتال الحَق الحصري في التَّشهيد على الاحتياطيّات الغازية المُؤَكدة، وهنا قامت شركة هنت (المُتحكم في كل معلومات حقول ومنشآت القطاع 18) مع شركة توتال بالتَّشهيد على احتياطيات النفط والغاز والمكثِّفات والغاز البترولي المُسال المتبقية في قطاع (18) في 1 يناير 1996م من خلال شركة دجلر وماكنتون الأمريكية DM وتقديمها للحكومة في 6 نوفبمر 1996م، حيث بيَّنَ التّشهيد أن إجمالي احتياطيات الغاز الرَّطب المتوفِّرة في قطاع (18) في 1 يناير 1996م حوالى 10.2 تريليون قدم مكعب، منها 7.2 تريليون قدم مكعب لمشروع الغاز، و(1 تريليون قدم مكعب للاستهلاك المحلى)، وكميّة (2 تريليون قدم مكعب حصة منشآت المنبع في الوقود والمعالجة).
مُصادرة الحق السيادي
ومن خلال نتائج تشهيد DM الصادر في أغسطس 1996م، وبالتّزامن مع إنتهاء اتفاقيّة مارب للمُشاركة في إنتاج النفط في 14 نوفمبر 2005م، أكَّد الشُّركاء نضوب احتياطيات النِّفط والمُكثّفات المُؤكَّدة المتبقية في قطاع (18) والمحددة (341 مليون برميل)، للإدِّعاء أن القطاع (18) تحوَّلَ إلى قطاع مُنتج للغاز حسب زعمِهم، مع تقديم خُطَّتِهم لتصدير الغاز من يناير 2001م، وهنا رتّب الشُّركاء في مشروع الغاز لإنشاء شركة أُطلِقَ عليها “شركة مارب لخدمة المنبع MSC “ مكوَّنةً من (شركة هنت واكسون والشركة اليمنية للغاز) كشُركاء في مشروع الغاز، ليتم نقل ملكيّة وتشغيل منشآت القطاع (18) للشركة الجديدة، على أن تكون شركة هنت الأمريكية هي المُشغِّل عند انتهاء امتيازِها وانتهاء اتفاقيّة مارب للمُشاركة في إنتاج النفط في 14 نوفمبر 2005م، لِضمان بقاء الشّركاء في مشروع الغاز والتَّحكُّم بمُنشآت وحُقول المَنبع، ومُصادرة الحق السيادي لليمن في ملكيَّة حُقول وأُصول وتشغيل منشآت القطاع (18)، في الوقت الذي دفعت الحُكومة كافَّة تكاليف الأعمال التَّطويرية والمُنشآت لتُصبِح ملكاً خالصاً لليمن حتى لو نَضب النِّفط فعلاً بحسَب ادعاء الشُّركاء، وهذا التَّرتيب كان مخالفاً للاتفاقيات والأعراف المَعمول بها في صناعة النفط !
توصيات النواب
ولِشرعنة خُطّة الشُّركاء في مصادرة الحق السيادي لليمن في ملكية وتشغيل القطاع (18)، تم إعداد إتفاقيّة جديدة أُطلِق عليها “ إتفاقية منشآت وخدمات المنبع UFSA”، أحد أطرافها شركة مارب لخدمة المنبع، ورُتِّبت نصوص المواد (5،6،9) من الاتفاقية لِتَمنح شركة الغاز “شركة توتال” حق تفويض شركة مارب لخدمة المنبع “ بملكية وتشغيل منشآت القطاع (18) بعد انتهاء امتياز شركة هنت في 14 نوفمبر 2005م مُقابل رسوم منشآت منبع تدفعها شركة توتال للشركاء في شركة مارب بموجب نص المادة (9)، أي عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، وعلى النّقيض من ذلك صدرت توصيات مجلس النواب عند المصادقة على تعديل اتفاقية تطوير الغاز واتفاقية منشآت المنبع برقم (110) وتاريخ 11مارس 1997م بعدم منح أي زيادة في الاحتياطيات الغازية المخصصة للمشروع (132.5 مليون طن وتتطلَّب إمداد المشروع بكميّة قدرها 7.2 تريليون قدم مكعب من نقطة تسليم الغاز في منشآت المنبع شاملا 12 % لاستخدمات منشآت بلحاف) إلا بعد الرُّجوع لمجلس النواب، مع التأكيد على الحق الحصري للحكومة في ملكية وتشغيل منشآت القطاع (18) بعد انتهاء امتياز هنت في 14 نوفمبر 2005م، وليس للشُّركاء أي علاقة بذلك، مما يدُل على عدم إدراك مجلس النُّواب للترتيبات الخبيثة للشركاء في مشروع الغاز لاستهداف الحقوق السيادية لليمن من خلال اختيار اسم شركة مارب للإيحاء بأنها شركة وطنية.
لم يلتزم الشُّركاء بتصدير الغاز من عام 2001م، ومارسوا سياسية استنزاف مَهول من خلال حفر عشرات الآبار الأفُقية، ومع ذلك لم ينضُب النفط بل ظلَّ القطاع يُنتج عند 100 ألف برميل يومياً بعد إنتاج إجمالي كميات النفط والمُكثفات المحددة للنُّضوب كلياً، ما دَفع بشركة هنت طلب تمديد الامتياز لها إلى نوفمبر 2010م، وتم إرجاء تصدير الغاز إلى يناير 2009م، وزَعْم نُضوب النفط والمكثفات كلياً في 2010م لكي تستمر خطة نقل ملكية القطاع 18 إلى الشركاء، إلا أنَّ مجلس النواب رَفضَ التَّمديد وصَدر قرار الحكومة (111) لسنة 2005م في 4 أبريل 2005م مُكلفاً وزارة النفط بالتَّرتيب لإنهاء اتفاقية مارب في موعدها 14 نوفمبر 2005م وتسليم القطاع (18) لمُشغل جديد، وبصُدور قرار للحكومة (ومشروع الغاز لايزال عدم) يُلغي تماماً اتفاقية منشآت وخدمات المنبع لانتقال ملكية وتشغيل منشآت القطاع (18) حصرياً للحكومة مُمَثلةً بشركة صافر، وغياب شركة مأرب عن مهام هذه الاتفاقية والمهام المُناطة بها في الاتفاقيات الأخرى التي لم تُعرَض على مجلس النواب مثل اتفاقية إمداد الغاز FDA التي قيَّدت نص المادة (5.1) منها حصة الاستهلاك المحلى (1 تريليون قدم مكعب ) بما يتناقض مع المادة 2.1 من اتفاقية تطوير الغاز الخاصة بتخصيص احتياطيات غازية للاستهلاك المحلي ( لمشاريع كهرباء مارب ) تصل إلى 3 تريليون قدم مكعب، وفي عام 2008م صدر حُكم المحكمة التجارية الدولية لتأييد قرار مجلس النواب وحق اليمن في ملكية وتشغيل القطاع (18) من 15 نوفمبر 2005م.
تدهور الإنتاج
الخبراء النفطيون أكدوا من خلال تقارير ودراسات أن خطة الشركاء في مشروع الغاز لنقل ملكية وتشغيل مُنشآت القطاع (18) إليهم كان الهَدف منها هو الاستيلاء على كميات كبيرة من الغاز الطبيعى المُسال والغاز البترولي المُسال وتوظيف مُنشآت المنبع (وخصوصاً ضواغط الغاز) مجاناً خدمةً لمشروع بلحاف وعلى حساب تَدهور إنتاج النفط بشكل سريع نظراً لخُطتهم بوقْف حقن الغاز في مكامِن النّفط بنسبة 50 % من يناير 2009م وتوقيف حقن الغاز كُلياً في 2010م، وبمرجعية تقارير الخبراء نوجِز أضرار الخطة الكارثية للشُّركاء على الموارد السيادية لليمن من قطاع (18) كما يلي :
١- وفقاً لبيانات الإنتاج الفعلية من يناير 96م إلى ديسمبر 2020م ودراسات الاحتياطيات الحديثة، فقد ثَبُت تعمُّد الشركاء إخفاء كمية (544 مليون برميل من احتياطيات النفط والمكثفات) من تقييم أغسطس 96م وادعاء نضوب النفط والمكثفات في 2005م كمُبرِّر لاستيلاء الشُّركاء على ملكية وتشغيل القطاع (18) بعد انتهاء امتياز هنت في نوفمبر 2005م، منها (387 مليون برميل أنقذتها شركة صافر كاحتياطيات منتجة ومتبقية)، ولازال قطاع (18) حتى يوليو 2022م يُنتج النفط بمعدلات تصل إلى 35 ألف برميل يومياً في غياب التَّطوير والصيانة لظُروف الحرب، ما يُثبِت كَذب وتزوير الشُّركاء .
٢- طبقاً لدراسات جفني كلاين البريطانية الصادرة في يناير 2013م ودراسات شركة كلايد آند كوا الصادرة في 2008م تبيَّن فقْد مكامن القطاع 18 القدرة على إنتاج 157 مليون برميل من احتياطيات النفط والمكثفات لتبقى مشلولةً في مكامنها لاحراك لها بسبب خُطط الشركاء في مشروع الغاز منها (98 مليون برميل فُقِدَت بسبب تسريع هنت للإنتاج في الفترة من 2002 إلى 2005م، والباقى نتيجة للتصدير من يناير 2009م وإنقاص حقن الغاز، أي أنَّ قيمة النفط المفقود إلى الأبد يصل إلى11 مليار دولار (بسعر 70 دولاراً للبرميل).
٣- خُطة الشركاء لتصدير الغاز من يناير 2009م الموثقة بتقرير DM الصادر في 21 يونيو 2005م وكذلك شهادة DM المؤرخة في 26 مايو 2005م استهدفت تصدير9.1 تريليون قدم مكعب، بزياده قدرها 2 تريليون قدم مكعب عن المُخصَّص للمشروع بالاتفاقيات وخارج الكميَّات المُشهَّد على وفرتها من قبلهم، ولم يسبق الإعلان عن وفرتها للحكومة بقيمة إجمالية قدرها 24 مليار دولار (بسعر 11.6 دولار للمليون وحدة حرارية)، وتعمُّد إخفاؤها في مكامنها هروباً من استحقاق الاستهلاك المحلّي، وقد أثبتت دراسات هيئة النفط وشركة صافر في 2013م وفرة تلك الاحتياطيات الغازية في مكامن القطاع (18)، وهذه الاحتياطيات يتوجَّب على الحكومة حمايتها وتخصيصها للاستهلاك المحلى لمشاريع كهرباء مارب الغازية 2 – 3.
٤- استهداف الشركاء كمية 125 مليون برميل من احتياطيات الغاز البترولى المُسال (الغاز المنزلي المملوك حصرياً لليمن ويساوي 10.5 مليون طن – سعر الطن 850 دولاراً) طبقاً لتقرير تشهيد دجلر وماكنتون الصادر في 17 أغسطس 2005م بعد موافقة الحكومة على عقود بيع الغاز في 16 أغسطس 2005م، بمُبرِّر تثبيت الوحدات الحرارية للعُقود وبشكل غير مُعلن للحكومة عند مُراجعة الجدوى الإقتصادية والموافقة على عقود البيع بقيمة إجمالية قدرُها (10 مليار دولار)، مع ثُبوت تعمُّد الشُّركاء إخفاء كميَّة (169 مليون برميل) من احتياطيّات الغاز البترولي المُسال من تقييم أغسطس 96م، وقد كَشفَ النِّقاب عنها الإنتاج الفعلي ودراسات شركة صافر، وهذه كانت مُستهدفة في حال مرَّرَ الشُّركاء مُخطَّط الاستيلاء على منشآت المنبع .
٥- كمية الغاز الطبيعى المُستخدم مجاناً في بلحاف 12 % من كمية (7.2 تريليون قدم مكعب) (تساوي 800 تريليون وحدة حرارية) بقيمة 9 مليار و 280 مليون دولار .
٦- تَعمُّد شركة توتال تسليم رسوم منشآت المنبع (قطاع 18) المَملوك والمُشغَّل حصرياً للحكومة من خلال شركة صافر للشركاء في شركة مارب لخدمة المنبع، حيث بلغت في الفترة من 2009 إلى 2013م حوالي 161 مليون دولار طِبقاً لتقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة 1631 وتاريخ 1 يونيو 2014م لتصِل إلى 900 مليون دولار عند نهاية العقود، وهي حُقوق حصرية لشركة صافر.
وبغض النَّظر عن فوراق أسعار بيع الغاز الفعلية مع التعاقدية وعِلَلْ مُعادلة مُحاصصة الأرباح بين الحكومة والشركاء وما سَيتَرتَّب عليها من خسائر أخرى لليمن، فإن إجمالي خسائر اليمن خلال عمر العقود من الموارد السيادية للقطاع (18) خارج مخصّصات المشروع تصل إلى حوالي 55 مليار دولار، لكن بفضل وجود شركة صافر كمُشغِّل للقطاع (18) من 15 نوفمبر 2005م تم المحافظة على استمرارية إنتاج النفط والغاز المنزلي للسّوق المحلية.
المراجع والوثائق المؤيدة محفوظة لدى الصحيفة
*رئيس الجمعية اليمنية لحماية وتشجيع الإنتاج المحلي

قد يعجبك ايضا