حقيقة.. لا قِبل للمشروع السعودي المتهالك ، ولا لمن يقفون خلفه من نفوذ أمريكي منكمش وقوة صهيونية متآكلة بل ومترنحة بمواجهة هذا النشء اليمني المؤمن الجبار المكتسح لمراكز القوى التقليدية في المنطقة ، لا قبل لهم بذلك ، وتثبت الأحداث اليومية الجارية صحة ما نذهب إليه .
سيكتسح هؤلاء الفتية من الأنصار القوى التقليدية الهشة هذه سواء بالمراكز الصيفية أو بدونها ، ولكنهم سيفعلون ذلك مع هذه المراكز بوعي وبرقي وبالتزام بقضية سامية ، وهنا يكمن جوهر خطر هذه التوعية الإيمانية التي يقوم بها الأنصار بدأب وصبر وإيمان كل يوم وعلى أكثر من جبهة وفي كل نواحي الحياة والمجتمع .
المراكز الصيفية لأنصار الله هي ورش بناء العقل وفلاتر لتنقية الإيمان وتقويته ، وهي لبنات البناء المتينة التي تترسخ يوما بعد يوم في مدماك مشروعهم الإيماني النهضوي العظيم ، ليزداد متانة على متانة ورسوخاً على رسوخ .
هياكل الأنظمة الحالية كلها متآكلة وآيلة للسقوط ، بينما يعد الأنصار أنفسهم لوراثة هذه الهياكل الصدئة في السياسة والمجتمع وينقشون في العقول رؤيتهم المستقبلية لبناء الأمة ويرسمون خرائط طريقهم باقتدار وبتوفيق يحسدون عليه .
الشخوص دوماً ذاهبة وكذلك هي الأنظمة والمكونات والأحزاب وهذه هي سنة الحياة ، لكن الفكر والإيمان يبقى تراث دائم تنهل منه الأمة وتستقي منه عقيدتها وتستمد منه عزيمتها ، في حالة إيجابيته ، أو يكون سبباً لاستمرار سقوطها وهزيمتها وتحللها وهوانها وإذلالها، ما لم تنبذه وتنسفه في أسرع وقت ، عندما يكون في الحالة الأخرى المعاكسة ، وعلى الأقل إذا لم يبق هذا التراث على الدوام فأنه على الأقل يعيش أطول بكثير من عمر مورثيه .
وسأضرب فقط هنا مثالين قريبين زمنياً، بل ما زلنا نعيش في تبعاتهما ، مع فارق التشبيه ، وأكرر مع فارق التشبيه .
مثلاً : الحزب الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب ، انتهى فعلياً كحزب حاكم أوحد يقود المجتمع في يوم الـ 22 من مايو عام 1990 ، واليوم ونحن نقف فقط على بعد ثلاثة عقود من موته غير المأسوف عليه ، هل يستطيع أحد أن يخبرني الآن : أين ذهبت شخوصه ورموزه وأنصابه وتماثيله ..الخ ؟؟ كلها عفى عليها الزمن وماتت وشبعت موت ، ماتت وبعضها ما زالت تتنفس !! من يستطيع أن يدلني الآن على حائط خرب ما زال يحمل شعاراً من شعارات هذا الحزب الذي لم يتحول بعد إلى مكب نفايات ؟؟ ولكن أنظر إلى تراثه (الفكري) أو بالأصح ما تبقى من تأثيره ، فالصراع الطبقي العبثي الذي أسسه له هذا الحزب وأصّله في الحياة العامة في الجنوب ، ما زلنا نعاني إلى اليوم من تبعاته المدمرة ، وبالمناسبة وللمفارقة نجد أن عدو الحزب الأول ايدلوجياً وسياسياً (حزب الإصلاح) الحالي هو من التقط ما تبقى من جذوة هذا الصراع الطبقي المدمر وحاول وما يزال أن يؤسس عليه مشروعه الخاص .
المثل الثاني : نظام عفاش السابق ، وهو لم تمض على موته سوى بضع سنوات ، من منا ما زال يتذكره الآن ؟؟ رغم أنه وورثته ما زالوا يتصدون إلى اليوم لبعض الشأن العام ويعاونون مشروع الاحتلال ، وحتى هؤلاء فهم فقط يرفعون قميصه للوصول إلى مراكز في الحكم والسلطة ولمكايدة الطرف الآخر وليس إيماناً بإرثه . ولكن تأمل نتائج الفساد الذي أسس وأصّل له عفاش في المجتمع والدولة ، هل انتهى أم ما زالت تطحنا تأثيراته إلى يوم ؟؟ لقد عبث عفاش حتى بكيمياء الثقافة اليمنية نفسها ، وأسس مفاهيم مدمرة كأساس لحكم اليمن ، ومن أخطرها على الإطلاق أنه صاحب فلسفة أن كل شيء وأي شيء خاضع للمساومة والبيع في سبيل المصلحة الشخصية أو الحزبية لمنظومته الحاكمة . لقد ذهب عفاش في حال سبيله ولكن فساده ومفاهيمه ما زالت سائدة وستبقى إلى زمن أرجو أن لا يكون طويلاً وأن تستطيع المسيرة القرآنية أن تجب ما قبلها ، أنظر إلى ورثته اليوم كمؤسس فعلي ومعاصر لـ(علم) الارتزاق ماذا يفعلون وكيف يتعاطون مع العدوان على اليمن ؟؟ أنهم يفاخرون جهاراً نهاراً بارتزاقهم للخارج ويعتبرون ذلك وكما كان يفعل معلمهم ضرباً من ضروب الفهلوة والسياسة .
هذا طبعاً الكلام ينسحب على حالة الإرث السلبي ، والكلام نفسه يصح في حالة الإرث الإيجابي ، فما بالك عندما يكون هذا الإرث ليس مجرد إرث فكري او سلوكي ، وإنما هو دين وإيمان وتنقية عقيدة ومشروع وطني نهضوي تنموي شامل لكل الأمة ، كما يفعل انصار الله في مراكزهم الصيفية والتي تعتبر مصانع متقدمة لصناعة الرجال ، وكذلك عبر منابرهم ومساجدهم ومحاضراتهم وجبهاتهم ..الخ ، أنهم يؤسسون لبناء مشروعهم الشامل ، ويتفانون بدأب وصبر ويقين في هذا العمل البنيوي العظيم لبناء الشخصية الإيمانية اليمانية القوية والمؤمنة بقضايا الأمة ، ويرفعون راية الإسلام الحقيقي المحرك والفعال والصانع الجبار للنهضة والشموخ والتحرر والانعتاق ، وإعادة ضبط البوصلة على الوجهة الحقيقة للأمة ، التي لطالما نجح أعداؤها فترة طويلة في حرفها عن مسارها الصحيح وإشغالها وإلهائها وإنهاكها بمعارك هامشية عبثية ..
وهذا ببساطة ما يفسر صخب وضجيج وذعر السعودية ورعاتها وأدواتها المحلية من تجربة المراكز الصيفية الإيمانية التوعوية لأنصار الله .