رمضان يشهد إحياء سنة الاستسقاء بطقوسها الروحانية: شعائر الاستسقاء تعيد إلى النفوس الكثير من المعاني والدلالات الإيمانية
الثورة / يحيى الربيعي
أفرد التراث اليمني مساحة مهمة لأهازيج وابتهالات استسقاء دأب اليمنيون رجالا وشبابا وأطفالا وشيوخا على الابتهال بها على امتداد الطرقات والضواحي، حيث يتردد صدى كلمات عذبة في مزيج رائع من لحن شجي يتكامل في أطر وقوالب الطقوس المخصصة لعرف ديني يقص حكايات اللهفة والشوق والانتظار والحاجة إلى نزول الماء، وخاصة عند انحباس غيث السماء أو تأخره عن موسمه، لتبدو هذه حالة فريدة من نوعها في التراث اليمني.
إلى ذلك، أحيت منطقة بيت قطينة مديرية الطويلة محافظة المحويت عقب صلاة الجمعة عرف الاستسقاء على نهج الآباء والأجداد، حيث تنطلق قوافل جماعية من الرجال والأطفال إلى إحياء سُنّة الاستسقاء في مسيرة مهيبة تردد أهازيج من نبغ الهوية الإيمانية بنوايا صادقة وعزائم وتوبة نتضرع إلى الله سبحانه وتعالى بإحياء هذه الشعيرة وتتقرب إليه سبحانه وتعالى بقلوب صافية وبنوايا حسنة، لعل هذه القربات تكون فيها تزكية للنفوس ويلم الله بها شمل الأمة، ويتجه الناس إلى الزراعة والرعي.. إن الله كريم ما أكرم منه أحد “وإذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ” وهذه السنة وما يليها من تشمير للسواعد وحراثة الأرض هي الاستجابة الحقة التي لا بد أن الله قريب منها بكرمه وعطائه ومنّه.
المدير التنفيذي للوحدة التنفيذية لتمويل المشاريع والمبادرات الزراعية في محافظة المحويت محمد قطينة أوضح قائلا: “اليوم قام أبناء منطقة بيت قطينة مديرية الطويلة محافظة المحويت بإحياء سنة طواف الاستقساء على نهج القرآن القائل “فقلتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا”، وبالتزامن مع نهضة زراعية كبيرة في عموم محافظات اليمن، سائلا الله أن يمن بالغيث وإرواء الأرض، وغيث إحياء نفوسنا على ما مضى عليه آباؤنا وأجدادنا من النهج القرآني، مشيرا إلى ان منطقة بيت قطينة محافظة على إحياء هذه الشعيرة الدينية من زمن طويل، يخرج أبناؤها رجالا وشبابا وشيوخا وأطفالا يتقدمهم هدي من النذر لله يُذبَح ويُوزَّع لحمه على بيوت الفقراء والمساكين، ويهللون ويكبِّرون ويستسقون بأدعية وابتهالات وأهازيج، منها على سبيل المثال لا الحصر:
يا تواب تب علينا وارحمنا وانظر إلينا
يا إله العباد العبد واقف على الباب منتظر للجواب يا من إليه الشكية
يا من الجود جودك، يا محنحن رعودك جد علينا بفضلك واسقينا الغيث يا الله
يا إلهي بـ(طه) وبـ(زمزم) وماها واللي قد حماها، اسقنا الغيث يا الله
يا إلهي بـ(يس) فك عسر المساكين فك عسرك بيسرك، واسقنا الغيث يا الله
يا إلهي سألناك بالنبي خير خلقك تب علينا بفضلك، واسقنا الغيث يا الله
يا حنَّان يا منَّان جد علينا بالأمطار
جل جلالك يا مولانا واحنا عبيدك لا تنسانا
وماهي إلا لحظات حتى تبدأ تنزل قطرات من الغيث على المتوبين، استجابة لقول الله سبحانه وتعالى: ” فقلتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّار يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا…”، وأحيانا لا يستطيعون الرجوع إلى البيوت من غزارة الأمطار التي تنزل عليهم وهم في مسيرة الاستسقاء، يسيرون في الشعاب والضواحي والطرقات قبل وبعد أداء ركعتي الاستسقاء في ساحة مكشوفة.
وفي خطبة الاستسقاء أكد الخطيب عبدالله صالح محمد أن الاستسقاء عودة إلى الله، وتقرباً إليه من أجل أن ينزل الغيث، منوها بأن إمساك القطر عن العباد معروف على أيامنا أنه كان نتيجة امتناع الناس عن أداء فريضة الزكاة أو التلاعب فيما يجب على الواحد دفعه من زكاة الزروع والماشية والمكنوزات من الذهب والفضة.
وأشار إلى أن الناس استشعارا منهم لهذه العقوبة يعودون إلى رشدهم، ويخرجون بنذور تساق أمامهم من مواش تذبح وأموال نقدية وعينية توزع على الفقراء والمساكين، يخرجون للاستسقاء فيؤدون الصلاة في عرصة مساحة كبيرة، ثم يعاودون طوافهم من طريق آخر يتقدمهم الأطفال والنذر، ويمرون في الطواف بالشعاب والطرقات وهم يرددون الأهازيج والابتهالات والأدعية، يخرجون بقلوب تائبة مستغفرة، تطلب من الله غيث الرحمة في الأوطان، وغيث الغفران من كل ذنب عظيم، تراهم نادمين في قلوبهم نوايا صادقة لإصلاح ما بدر منهم من الأخطاء.
منوها بأن الله سبحانه وتعالى القائل: ” إِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ”، لا يمكن أن يرجع عبادا جاؤوا إلى بابه تائبين نادمين خائبين، حتى أننا في بعض الأحيان لا نتمكن من إكمال مراسم الاستسقاء لشدة ما ينزل علينا من الغيث.
وأشار إلى انكسار الحصار وقهر العدوان لن يكون بغير التوكل على الله في زراعة الأرض وإصلاح النفوس وذات البين بالتكافل والنظر إلى المساكين والفقراء بأداء ما فرضه الله عليهم من الزكاة، والله لا يضيع أجر المحسنين.