لم يُستهدف الإمام علي عليه السلام بضربة أشقى الأشقياء وهو بين يدي الله سبحانه وتعالى في محرابه المقدس في وقت الفجر وفي ليلة من ليالي القدر في شهر رمضان الكريم إلا والقاتل الغادر يعرف دلالات ذلك التوقيت وعظمة ذلك الرجل المستهدف بالنسبة للدين الإسلامي الوليد في تلك البيئة المليئة بأصناف الجهل وأنوع الغواية والعصبية القبلية..
لقد كان للتاريخ الإسلامي المتوارث عبر الأجيال النصيب الأكبر من غمط الحقيقة وما تعرض له الإمام علي عليه السلام من مظلومية واغتيال سياسي وهو بين أوساط الأمة الإسلامية فأصبحت مظلومية الإمام علي مظلوميتين وصار اغتياله اغتيالين أحدهما الفعل الإجرامي المباشر من يد القاتل وثانيهما معنوية حين حاول التاريخ تغييب حقيقة ما واجهه الإمام وما حدث له..
إن التاريخ لم يكتف بتغييب الحقيقة وتبديل الحدث بل عمد إلى نسج مجريات وهمية وصنع أحداثاً خيالية هدف بها إلى إبعاد الشبهات عن القتلة الحقيقيين هواة السلطة وبغاة الدين ومجرمي التاريخ وعلى رأسهم القاتل الحقيقي معاوية ابن أبي سفيان..
لقد مثل اغتيال الإمام علي في ليلة من ليالي شهر رمضان وبسيف محسوب على الإسلام ضربة قاصمة للدين وجرحاً نازفاً للإسلام لا يزال مستمراً إلى يومنا هذا، كون الإمام علي عليه السلام صمام أمان الدين وضمان استقامته من الانحراف الذي أصيبت به الأمة وظلت تعيشه وتتجرع تبعاته نتيجة لتلك الفاجعة الأليمة التي أتاحت للمتربصين المنافقين العبث بالدين وتغيير المفاهيم وحرف مسار الأمة التي لازالت تدفع ثمن ذلك من عزتها وكرامتها واستقلالها ومن دماء أبنائها المستباحة في كل أرض وعلى كل سفح ..
إن تغييب الإمام علي من ساحة الأمة المحمدية بما يمثل من قيم عليا ومبادئ مثلى ونموذج راق ما كان له أن يكون لولا الجهود التي بذلت والأموال التي بعثرت من خزائن الأمة لارتكاب تلك الجريمة التي أصابت الإسلام في منحره بإصرار فاحش وتبرير آثم واستغلال لغياب الوعي الذي حرص علي صناعته العابثون والمتسلطون سعيا منهم للوصول الي مبتغاهم وتحقيق أهدافهم والعبث بخير أمة أخرجت للناس وبدينها ومستقبل أجيالها ..
ورغم فداحة الحدث وعظيم المصيبة إلا أن الإمام علي لا يزال وسيبقي مدرسة الإسلام الأولى وعنوان الكمال الديني ومنهج المؤمنين وطريق المريدين وبهجة قلوب المخلصين رغم كيد الكائدين ومكر الماكرين، لأن مكر الله فوق مكرهم وكيده فوق كيدهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، والعاقبة للمتقين.