
وصل فؤاد المقرمي إلى مرحلة متقدمة من الإرهاق تشعر به من خلال ما يبديه من تذمر حول واقع وبيئة العمل التي ينتمي إليها وأخذت منه معظم وقته وجهده وهمه وهرمه .
يرجع سبب تذمر أستاذ الجغرافيا المثقل بأكثر من 25 حصة اسبوعية يقدمها لنحو 6 شعب لطلبة الثانوية في إحدى مدارس أمانة العاصمة – إلى صعوبة بيئة العمل والمناخ التعليمي السائد والذي لا ينعكس بأي شكل من الأشكال على المقابل الذي يحصلون عليه حيث لاتزال هناك فجوة كبيرة بين أجر العاملين في هذه المهنة والجهد الذي يقدمونه .
يقول أحمد العزاني مدير مدرسة حكومية سابق أن التعليم استثمار في البشر لصنع المستقبل وبالتالي يجب أن يكون هناك نوع من الإحساس بالمسئولية لدى الجميع .
ويشير إلى صعوبة مهنة التدريس لأنها ترتبط بمهمة إنسانية شاقة يعلق عليها آمال عريضة في صنع أجيال قادرة على البناء والنهوض والأهم استخدام التعليم كوسيلة أساسية لخلق مجتمع منتج .
ويؤكد أن هناك ممارسات غير عادلة تتم بحق المدرسين الذين يعملون في هذا الحقل المهني وخصوصاٍ في مدارس ومؤسسات التعليم الخاصة حيث من غير المعقول أن تدفع 10 آلاف ريال راتب شهري لمدرس وتريد منه أن يقدم مستوى تعليمي لائق ومميز .
انصاف
ويرى ان مهنة التدريس صعبة ومتعبة وتأخذ وقت وجهد المنتمين إليها والذين لا يجدون إنصافاٍ أو تأميناٍ لمستقبلهم وحياتهم أو أبسط الحقوق والمتعلقة بتقديس مهنتهم وإظهار الاحترام لمجهودهم من قبل الطلبة بشكل مباشر والجهات التي تتولى مسؤولياتهم .
ويدعو إلى ضرورة تحسين دخل المعلم والاهتمام به من خلال وضع برامج شاملة وحديثة لتأهيله وتدريبه ليكون في جاهزية تامة يستطيع من خلالها استيعاب كل المتغيرات والتطورات الحياتية والتعليمية والاجتماعية والتنموية بالإضافة إلى أهمية تحديد رواتب المعلمين في المدارس الخاصة .
ويتساءل العزاني : كيف تدفع عشرة الآف ريال للمدرس وتطالبه بشروط تعجيزية أي أن الاختلالات قائمة وموجودة وهذا هو وضعنا التعليمي كما يقول ولهذا فإن الجميع مطالب باستشعار مسئولياته تجاه التعليم لأنه رصيدنا ومستقبلنا.
رؤية
يقول الخبير الأكاديمي بجامعة صنعاء الدكتور علي الطارق إن المدرس هو أساس العملية التعليمية ثم المنهج فالإدارة ثم الطالب والبيئة والمجتمع .
لكن الوضع الحالي بحسب الدكتور علي مختلف فالمدرس لديه ما يقرب من 70 إلى 120 طالباٍ في الصف يعني سيكون لديك 120 ألف دفتر تأخذهم معك إلى المنزل لتصحيحهم بالتوازي مع انعدام الرضا الوظيفي والوضعية المعيشية الصعبة هذه الأمور كما يراها الدكتور علي ” يجب أن تأخذ في الحسبان لتقييم العملية التعليمية وتصحيح مسارها .
ولهذا يجب وضع استراتيجية وطنية للمعلم سواءٍ كان أستاذاٍ جامعياٍ أو معلماٍ في المدارس .
ويقول إن المشكلة لدينا تتمثل في انعدام الرؤية من حيث فلسفة المدرس وكيف يتم اختياره وتعامله مع الطالب والواقع الاجتماعي وكيفية إدارة الصف والعدالة في تقييم أداء الطلاب بالإضافة إلى البيئة التعليمية الطاردة مضيفاٍ أن الطالب بالكاد أول ما يضرب الجرس يطير طيران من المدرسة وكأنه كان في سجن في حين أن الطالب في بعض الدول مستعد للبقاء في المدرسة إلى المساء لأن البيئة جاذبة من مدرسة وإدارة ومناهج ومعلم .
أضرار
ويرى كثيرون أن الأعوام الخمسة الماضية أسوأ الأعوام للعمل كأستاذ بشكل عام أو جامعي بشكل خاص.
ويعتمد الأداء والتقدم وجميع الأمور المتعلقة بعملك في هذه المهنة على تقييم الزملاء لأدائك وكذا انعكاس ذلك على الصورة المجتمعية وما تفرزه من أجيال بشكل عام في هذه الناحية .
مؤكدين وجود مسؤوليات شاقة يرزح تحت وطأتها المدرس الجامعي والتي تشكل عائقاٍ أمامه وتضر بالمستوى التعليمي الأكاديمي الذي من المفترض أن يقدمه وإلى جانب الإرهاق المهني الشاق والمقابل المادي غير المجدي كما يراه الكثير منهم هناك أيضاٍ الصراع السياسي والحزبي الذي يشكل عامل إنهاك آخر يضاف للأعباء التي تقع على عاتق العاملين في هذه المهنة .
تقييم
تشمل عملية التقييم المهني في نظر خبراء لهذا النوع من الأعمال المهنية كتابة الأبحاث الأكاديمية وتقديم المحاضرات اليومية والحصول على النقد من بعض الزملاء وصدى الواقع التعليمي والأكاديمي الأمر الذي قد يبدو جيداٍ في بعض الأحيان لكنه في الواقع مربك ومتعب لأن المدرس في هذه الحالة لا ويعرف بالضبط من المسؤول عن تقييم ما يقدمه من أعمال وأبحاث ومحاضرات وما يقوم به من جهد رغم أن المستقبل المهني في الكثير من الأحيان يعتمد على ذلك.
ويرى خبراء في هذه الناحية أن على الكليات توفير التكاليف غير المباشرة للمنح للجامعات التي يعمل المدرسون معها كما أن الضغط الموجود على أعضاء هيئة التدريس للحصول على تمويل البحوث ليس مجرد دوافع ذاتية فالشكوى المشتركة بين أعضاء هيئة التدريس بحسب مختصين في هذا الشأن ” هو أنه في حال حصول أحدهم على منحة بحثية ما فإن الكلية ستضغط عليه من جديد للحصول على دعم إضافي لأنه مقابل كل مبلغ يحصل عليه الباحث في جامعة ما تحصل الكلية التي ترعى هذا البحث على أضعافه إن هذه المبالغ مهمة لتسديد التكاليف المتعلقة بدفع وبصيانة المنشآت والمرافق التي تسهل العملية البحثية لكن في بعض الأحيان تذهب هذه المبالغ إلى جيوب البعض من كبار الموظفين دون الاستفادة منها في انتداب أساتذة جدد أو توفير مصادر بحثية أفضل فمعظم الجامعات الطبية والبحثية لا توفر الدعم الكافي لأبحاث الهيئة التدريسية.