سليم الجعدبي *
بداية قبل أن أدخل في المقال أحب أن أنوه إلى موضوع مهم هو (( الرقابة الإلهية )) عندما يستشعر الفرد في المجتمع سواء كان مواطناً أو تاجراً أو صاحب مصنع أو صاحب مخبز أو تاجر جملة أو مقدم خدمة ….. إلخ أن هناك رقيباً عليه في عمله فإن ذلك ينعكس تماما على أدائه ويصل ذلك الأثر إلى قدر كبير من الإحساس بالمسؤولية لدى المجتمع وينعكس على معنويات أفراده .
عموما يشهد السوق المحلي ارتفاعاً محموماً وتنافساً بين كبار التجار والمستوردين على رفع الأسعار واضعين نصب أعينهم المثل اليمني (( على من حيرك يا ثعل قال على سبلتي )) ويصبون جم غضبهم وحنقهم على سعر البيع للمستهلك النهائي متحججين في ذلك بأن هناك ارتفاعاً عالمياً وهناك تخوفاً من ضعف إمدادات السلع التي ينتجونها أو يستوردونها متناسيين أن السوق اليمنية والصوامع والمخازن وبتصريح التجار أنفسهم مليئة بالسلع التي ينتجونها وأنها ستكفي لفترة لا تقل عن 3 أشهر كأقل تقدير ، بمعنى أن تلك السلع مازالت بالسعر السابق وهنا أؤكد ومن خلال اطلاعي على إحدى السفن التي من المتوقع وصولها إلى السوق المحلية والمحملة بإحدى السلع الأساسية أنه تم شراؤها وشحنها قبل حرب روسيا وأوكرانيا بشهر فبالتالي لا يوجد أي مبرر لرفع الأسعار وبالأخص في ظل استقرار سعر الصرف في مناطق سيطرة حكومة الإنقاذ ، كما تناسى الأخوة المصنعون وكبار المستوردين أن التغير العالمي يخضع للسياسة فربما نتيجة لموقف سياسي في الدول التي يدور في رحاها الحرب ربما يؤدي ذلك الموقف إلى تغير سريع في النتائج خاصة أن الآثار امتدت إلى كافة الأسواق الأوروبية، وبالتالي يجب علينا كمصنعين ومستوردين يمنيين أن نراعي الله في عملية التسعير وأن هذا الارتفاع غير المبرر سيؤدي إلى تضييق الخناق على المواطن الذي يكفيه ما يقوم به العدوان من تصرفات وحرب اقتصادية محمومة عليه وأن هذا الرفع سيؤدي أيضا إلى عزوف المواطنين عن شراء تلك السلع وأولا وأخيرا سيكون الخاسر هو التاجر أو المصنع الذي ستنتهي بضاعته في الأسواق ولا تجد من يشتريها.
عموما أذكِّر بأن التوجهات العامة للدولة حريصة على تشجيع المنتج اليمني وآخر تلك التشجيعات ما شهدناه من خطوة ملموسة أثلجت صدورنا في مؤتمر الحديدة الاستثماري الذي تم فيه توقيع عدد من المشاريع التي نأمل من الله سبحانه وتعالى أن يلمس الوطن والمواطن خيراتها وبالتالي كان ينبغي مقابلة الإحسان بالإحسان للوطن الذي يقدم كل التسهيلات والإعفاءات الجمركية والأراضي الممنوحة من الدولة في سبيل تحقيق الاكتفاء الذاتي وتشجيع الإنتاج المحلي ليحل محل المنتج الخارجي ويحد من المنتجات التي تعتمد اعتماداً شبه كلي على المواد الخام الخارجية والمنتجات التي تكون هي أول من يتأثر بارتفاع الأسعار، ولعل هذا ما لمسناه من ارتفاع أسعار كافة المنتجات المحلية وتغير أسعارها بنسبة تفوق أضعاف تغير سعر الصرف عما كان عليه قبل العدوان ومع ذلك فجميعنا صغاراً وكباراً حريصون على شراء أي منتج محلي والامتناع عن شراء أي منتج أجنبي مهما كانت الحاجة إليه طالما وبديله اليمني موجود وبالتالي يجب مقابلة الوفاء بالوفاء وأن يستشعر كبار التجار والمستوردين أن المواطن هو رأس مالهم الحقيقي وهو سبب نجاحهم أو فشلهم .
عموما أحب أن أوضح نقطة مهمة جدا هي أننا نتكلم عن منتجات محلية في السوق اليمنية يمتد عمرها إلى عقود وربما البعض منها يصل إلى 70 عاماً كما نشاهد في إعلاناتها فيفترض أن تكون تلك المنتجات قد وصلت وفقا للقواعد الاقتصادية إلى مراحل متقدمة في تحقيق الأرباح سواء على المستوى الشخصي لصاحب المنشأة أو على المستوى القومي لدخل البلد من خلال الضرائب والرسوم التي تدفع للدولة خاصة أن المنشأة أصبحت تحقق أرباحاً كونها غطت التكاليف الكبيرة التي تصاحب دائما فترة نمو المشروع وكذا يحس المواطن بفائدتها الاقتصادية من خلال الحصول على أسعار مخفضة كون المواطن يعتبر في هذه الحالة وكأنه أصبح شريكاً في أرباح هذه المنشأة كونها تنتج داخل وطنه ، إلا أن العكس تماما وعلى رأي المثل الشعبي “إرحبي يا جنازه فوق الأموات ” هو الذي حصل فالمنشآت القديمة جدا والقديمة والحديثة والحديثة جدا حالتها سيئة فسجلاتها المالية تعكس أوضاعا غير ممتازة وعندما تأتي لموقفها الضريبي تجده سيئاً للغاية بل إن هناك شركات تنتج سلعاً أساسية لا يخلو منها بيت في اليمن وبكميات كبيرة ظلت تحقق خسائر منذ بداية إنشائها إلى أقرب سنتين فبالتالي يجب أن يطرح سؤال مهم للغاية (( أين السبب الحقيقي؟ )) فلا دولة استفادت ولا مواطن استفاد ولا تاجر استفاد !
وهنا سأجيب على هذا السؤال وأتوقع أن تكون الإجابة صادمة للكثيرين وهي على النحو التالي :-
عندما يتم البدء من أي مشروع استثماري وبالأخص الكبير منها لا يعطى موضوع (( هيكل التمويل )) أي أهمية فنقع في مستنقع لا يمكن الخروج منه وهذا المستنقع يتمثل في أن معظم هياكل التمويل لمعظم المشاريع تعتمد على التمويل عبر القروض سواء من البنوك المحلية أو عبر البنوك الأجنبية وهو الموضوع الأكثر خطورة ، وهنا تجدر إلى أن فوائد تلك القروض تكون عالية بالإضافة إلى نقطة كاااااااارثية هي فوارق أسعار الصرف فغالبا تم أخذ هذه القروض بالعملة الأجنبية (( الدولار )) في بداية عمر تلك المشاريع التي كان فيها سعر الصرف منخفضاً جدا ونتيجة لارتفاع أسعار الصرف أضعافا مضاعفة تتحمل تلك المشاريع مبالغ كبيرة جدا تفوق مع الفوائد رأس المال بأضعاف مضاعفة وهذه المبالغ تعالج محاسبيا تحت بند (( فوارق الأسعار )) وتقيد كخسائر في قائمة دخل المشروع ، وهذا نتيجة حتمية لـ للحرب مع الله ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا” صدق الله العظيم .
كما أن هناك نقطة مهمة جدا تتعلق بالأمن القومي الغذائي للبلد وهي عندما نجد أن البنك الدولي هو السبب الرئيسي وراء انهيار القطاع الصناعي وارتفاع الأسعار وتدمير الاقتصاد القومي من خلال معلومة قد ربما تكون مفاجئة للجميع مفادها أن البنك الدولي حريص على تقديم تلك القروض للقطاع الصناعي في اليمن وآخرها حسب ما أعلن في شهر أغسطس من العام 2021 تقديمه قرضاً لأهم الصناعات الأساسية في اليمن بمبلغ 75 مليون دولار وبالتالي تخيلوا معي حجم الكارثة التي يواجهها القطاع الصناعي وكبار المصنعين الذين يعتبرون ضحية ووفقا للمثل الشعبي (( شاقي بشقاه )) .
وهنا يجب اتخاذ حلول عاجلة تتمثل في التالي :-
إيقاف أي مشاريع استثمارية تعتمد على القروض والربا في (( هيكل التمويل )) .
معالجة كافة المنشآت والمصانع من خلال مناقشة وضعها المالي ومعرفة حجم القروض ، ويمكن تسديد تلك القروض عن طريق تحويل القروض إلى مساهمات يساهم فيها أبناء الشعب اليمني الذين دعموا المنتجات منذ بدايتها ولا يوجد لديهم أي مانع يحول دون أن ينقذوا أصحاب تلك المنشآت من هيمنة البنك الدولي الذي أصبح اليوم المتحكم بالسعر والسياسة الغذائية وبالتالي كما قال المثل (( زيتنا في دقيقنا)) .
تشجيع شركات المساهمة (( الشعب مساهم)) وبالأخص تشجيع الصناعات الغذائية والقطاع الزراعي .
إطلاق حملة زراعية كبيرة خاصة أننا في بداية موسم الأمطار وبالتالي سنواجه لا قدر الله أي اختناقات أو أزمة اقتصادية ربما يقدم عليها العالم إذا استمرت الحرب الروسية الأوكرانية ولنا في قصة يوسف عليه السلام خير مثال لكن بشرط توفر الشخصية التي وردت في القران (( اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)) والتي تتجسد في شخصية كل مسؤول ومواطن وتاجر ومستهلك يمني .
وفي الأخير أحب أن أؤكد أنه يجب أن نتكاتف جميعا مواطنين وقطاعاً خاصاً ودولة وننهض ببلدنا ونستمر في صمودنا الأسطوري ونثق بأن الوطن لن ينسى كل من وقف إلى جانبه في فترة المحنة التي نحن على مشارف نهايتها بإذن الله وبفضله ومنه علينا بالقيادة الربانية والقيادة السياسية وجيشنا ولجاننا ((حصن الوطن )) ما يستوجب منا الوقوف إلى جانبهم في عملية إعصار اليمن وأن أي إجراء خاطئ سيكون أثره كارثياً كما لا ننسى دماء الشهداء التي قدموها لننعم بالحياة الفارهة وأن لديهم أسراً تستدعي منا جميعا مراعاة احتياجاتهم وتوفيرها .
الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى والفرج للأسرى ووفقنا الله جميعا لما يحب ويرضى.
* خبير مالي واقتصادي