الصبر والحكمة والبعد الوطني الواعي والخبرة الإدارية أبرز ما ميز هادي



الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور فارس السقِاف المعروف دائماٍ بطرحه العلمي المنطلق من رؤية الباحث والكاتب المعرفي كان له حضوره في هذا اليوم المعزز لمسار الديمقراطية اليمنية.. وكعادته قدِم السقاف توصيفاٍ أكثر دقة وحيادية لما جرى في اليمن خلال عامين من تحولات سياسية عكست قدرا كبيرا من التفاؤل بمستقبل واعد لليمن رغم قتامة أفق السلام الذي كان قد أحكم حلقات الصراع أمام المسار السياسي اليمني بعد ثورة الشباب السلمية في العام 2011م..
الدكتور السقاف – مستشار رئيس الجمهورية رئيس المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والبحث العلمي لم يغفل في – حوارُ صحفي خاص لـ «الثورة» – التطرق إلى تفاصيل جلية وواضحة تعكس مفارقات تلك التحولات على الصعيد الميداني أمنياٍ وسياسياٍ واقتصادياٍ.. موضحاٍ أن جهود القيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية تكللت بالنجاح الكبير وحظيت بالقبول الواسع على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.. متطرقاٍ إلى الخطوات التي اتخذها هادي حيال المعضلات اليمنية وقرارته الشجاعة التي كان آخرها التوزيع الإداري الجديد للخارطة اليمنية على ستة أقاليم وما يتعلق بها من قضايا وتساؤلات تحيط بالحاضر والمستقبل وغيرها…. إلى تفاصيل الحوار

● واليمنيون يعيشون الذكرى الديمقراطية ليوم 21 فبراير 2012م الذي شهد الانتخابات الرئاسية المبكرة.. بداية دكتور فارس ماذا يعني هذا اليوم للديمقراطية اليمنية ولليمنيين .. ¿
– هذا اليوم يعني للديمقراطية نقطة تحول في مسار العملية السياسية من الصراع والأزمة إلى الوفاق الوطني وتحكيم الشعب في انتخاب رئيس جديد للبلاد بعد أن صارت الأمور تقترب من عاصفة الحرب الأهلية.. كما أنه يعني لليمنيين الشيء الكبير والمخرج الأقرب من قمقم الاحتباس السياسي والخوف الأمني إلى فضاء استعادة الثقة بالحكمة اليمنية والتداول السلمي للسلطة في لحظات حرجة وبيئة سياسية كانت تنبئ بصراع مستحكم بين قوى السياسة والشعب اليمني الذي يْعد البلد الثاني في العالم من حيث امتلاك المجتمع للسلاح بل وانتشاره وهو ما زاد هذا اليوم الديمقراطي أكثر تميزاٍ حيث وضع الجميع السلاح واتجهوا إلى الصندوق.
جوهر الإقبال
● برأيكم إلى ما يعود هذا الاقبال السياسي والجماهيري ¿
– كما ذكرت لك أن هذا الاقبال يعني لليمنيين استعادة الأمل بجدوى السير إلى الأمام بدلا من استدعاء الماضي والتقوقع حوله وبالتالي الاقتتال واستنزاف مقدرات البلد والمجتمع.. وهذا ما يجرنا إلى الاجابة وعلى سؤالك حول جوهر وسبب الإقبال حينها فسياسياٍ صارت القوى السياسية في حالة متسقة من الإرادة الوطنية المؤكدة على ضرورة تحكيم العقل والحوار بدلاٍ من الحرب الذي سيجر الويل على الجميع ويطيح بسفينة اليمن كله إلى الغرق بين أمواج الاحتراب الأهلي خصوصاٍ حين وصلت حالة الصراع إلى توازن القوة بين كل القوى المتنازعة أما دلالة الاقبال على الصعيد الجماهيري فمرجعه في استشعار الجماهير اليمنية الثائرة والمسالمة- سواء في الساحات أو في الميادين أو في الأعمال المدنية من كل القوى السياسية- لضرورة خطف تلك اللحظة التاريخية من ركام الإحباط السياسي والخروج إلى الاقتراع وأنه لا مجال للتراجع أو التمترس خلف أي موقف قد يزيد الصراع تعقيداٍ بل الأنسب الخروج لانتخاب الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي رئيساٍ للجمهورية اليمنية والمنوط به اخراج اليمن إلى بر السلام عبر تنفيذ تسوية سياسية هي الأهم والأشمل في تاريخ اليمن السياسي..
هادي وذروة الصراع
● ما الذي ميِز الرئيس عبد ربه منصور هادي في ذروة الصراع السياسي حتى حظي بهذا التوافق السياسي والاجماع الشعبي … ¿
– كان الوضع صعبا جداٍ على الصعيد السياسي خصوصاٍ والحروب التي نشبت داخل العاصمة وخارجها واستحالت إلى حرائق متوالية وكان الرئيس هادي- الذي كان حينها نائباٍ للرئيس- لا يتوقف باذلاٍ كل الجهود والمساعي السياسية لمحاولة لملمة كل تلك القوى لمحاولة التهدئة وإيقاف نزيف الدم اليمني ولم تكن أي من القوى السياسية تجهل مصداقية ووطنية هادي لما لمست منه من صبر وحكمة وهدوء وحنكة في مفاوضته ومساعيه لكن الأمور كانت تذهب رغم كل الجهود إلى هاوية التأزيم واليمن تقترب من أتون حرب أهلية لا محالة فاستطاع عبدربه منصور هادي بتلك الصفات والمزايا أن يمثل شوكة الميزان أمام كل القوى وحتى أمام المجتمع الدولي ولم يقبل أحد في تلك المرحلة بتحمل المسؤولية إدراكاٍ من الجميع أن الوضع صار صعبا جداٍ وحين قبل الرئيس هادي تحمل المسؤولية لقي اعدة شعبية واسعة تجلت بكل ثقلها في إقبال الناخبين في يوم 21 فبراير 2012م وتعززت بدعم اقليمي ودولي تجلى في تفاعل الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي ودعمهم السخي لليمن سياسيا من خلال المبادرة الخليجية ولائحتها المزمنة واقتصاديا من خلال المنح والمساعدات الإنسانية المنقذة في أوج الأزمة وكذلك المجتمع الدولي ومجلس الأمن وما عزز وواصل دعم الخليج والمجتمع الدولي هي النجاحات غير المتوقعة التي حققها الرئيس عبد ربه منصور هادي في ظروف عصيبة..
استعادة الأمن
● ما قراءتكم لما تحقق.. على صعيد التسوية السياسية.. ¿
– من يقرأ بعين الانصاف وكان متتبعاٍ لما عاشته اليمن خلال العام 2011م من لمس حجم العراقيل التي كانت توقف عجلة التسوية السياسية بين حينة وأخرى سيجد أن الواقع يعبر بذاته عن نقلةُ كبيرة لم يكن أحد يتوقعها يمنياٍ ودولياٍ فمنذ البداية ركز الرئيس عبد ربه منصور هادي على استعادة الأمن والاستقرار داخل العاصمة صنعاء من خلال اللجنة العسكرية التي رأينا ما أبلته من بلاء حسن في إذابة خطوط التماس ورفع المتارس في أنحاء كثيرة من العاصمة ومن ثم هيكلة الجيش وما شهدته هذه الخطوة من تحديات تغلِب عليها هادي في نهاية المطاف بالصبر والاصرار بعد ذلك بدأ التهيئة الدقيقة والشاملة لمؤتمر الحوار الوطني الشامل بتشكيل لجنة التواصل وبعدها اللجنة الفنية التحضيرية للمؤتمر وما رافقها من قرارات واجراءات رسمت خارطة الحلول للمعضلات كالنقاط الــ(20) والــ(11) التي تصب في حل القضية الجنوبية ومن ثم الحوار الوطني الذي مرت بمجرياته باتساق وتراتبية بفعل دقة وشمول تلك التهيئة ليكون جوهر نجاح الحوار هو التوافق الوطني الواسع والشامل..
● مقاطعاٍ- إلى أي مدى اطمأن اليمنيون بهذه الخطوات والنجاحات.. ¿
– هذه النجاحات لم تطمئن اليمنيين فحسب بل طمأنت المجتمع الدولي بأسره أقول هذا وأنا على إدراك ومعرفة أن معظم السفارات والبعثات الدبلوماسية كانت عازمة على الانتقال إلى جيبوتي لكن ما إن شهدت حضور الرئيس هادي وحنكته في انفاذ خطوات مسار التسوية اطمأنت وتراجعت حاشدةٍ دعم المجتمع الدولي لخطوات وجهود الرئيس هادي الذي عمل بهدوء وشجاعة رغم كل التحديات ولا يزال يعمل بنفس العزيمة وهو ما تجلى في قراره الأخير المنطلق من أهم مخرجات الحوار الوطني والمتمثل في إعادة التوزيع الإداري لليمن على ستة أقاليم كل اقليم يجمع محافظات أو ولايات….
● ما هي أبرز مميزات الأقلمة من الناحية الديمغرافية والاقتصادية والسياسية.. ¿
– من يفهم معطيات الصراع السياسي اليمني يدرك أن خيار التوزيع الإداري الأقاليمي هو الخيار الأنسب والأكثر ملائمة لخلق العدالة التنموية والانصاف المجتمعي ووصول الدولة عبر سلطات الاقاليم إلى كل أطراف اليمن المترامية فعلى صعيد الواقع الديمغرافي يدرك الجميع أن التجمعات السكانية في اليمن تتميز بخصوصية القرى المتناثرة في الجبال والأودية والهضاب وهي متباعدة عن بعضها وعن مركز الدولة الإداري والخدمي فالطالب يأتي من أعالي جبال ريمة أو وصاب إلى صنعاء ليعامل رقم الجلوس أو الشهادة وكذلك المواطن يأتي من سْقِطرى مثلاٍ ليتابع معاملته في صنعاء أليس هذا عذابا يعيشه كل مواطن ¿! فمركز الإقليم الاداري سيوفر للمواطن الحكومة والبرلمان والكنترول ومصلحة الأحوال المدنية وغيرها.. وعلى الصعيد الاقتصادي تعتبر الأقاليم فرصة لأن تصل التنمية إلى كل مناطق اليمن النائية والمشتتة أما على الصعيد السياسي سيتمتع كل مواطن بحقه في القرب من مركز اتخاذ القرار وفي الانتخاب لمن سيحكم العملية الادارية والتنموية داخل الاقليم وسيتحمل كل أبناء إقليم مسؤولية الأمن والتنمية وستبقى الدولة السيادية حاكمة لرؤوس الاقاليم التي تمتلك كل الصلاحيات الادارية كما أن حقوق المواطن اليمني في العمل والتجارة والاستثمار والسكن محفوظة ومتاحة أينما حط به الرحال في هذه الأقاليم..
الأقاليم .. إدارياٍ
● لكن دكتور هناك من يتخوِف من الأقاليم مشيراٍ إلى النزعات الاستقلالية لدى بعض المناطق اليمنية.. ماذا تقول لمن يقيس المسألة من هذا المنظار.. ¿
– هذا ليس صحيحاٍ.. فالأقاليم ستفتح الباب على متوالية من ضبط إيقاع العمل الإداري والتنموي وليس السيادي وجاهلَ وليس مستوعباٍ لحاجة اليمن الادارية والتنموية بل لم يقرأ الواقع جيداٍ من يبدي تخوْفه من أن الأقاليم جاءت من منظور تغذية النزعات الاستقلالية.. فالأقاليم لا تتعلق بالجانب السياسي والسيادي بل تتعلق بالجانب الإداري فقط بجانب تفعيل الموارد واستغلاله لتنمية الإقليم وولاياته فالإقليم يحكم رؤوس الولايات والدولة الاتحادية بمركزها السيادي صنعاء تحكم رؤوس الستة الأقاليم بمثال أقرب وأكثر دقة كان النظام السابق يتحدث عن حكم محلي واسع الصلاحيات ولو حصل هذا كان سيقطع شوطاٍ كبيراٍ في ترسيخ العدالة التنموية وبالتالي سيجذر الوحدة في نفوس الناس لكن هذا لم يتحقق وكانت مجرد شعارات بل اجترحت المركزية المفرطة الحاكمة من صنعاء أخطاءٍ ومظالم تنموية ومجتمعية فظلت المناطق محرومة تنموياٍ فظهرت النزعات الاستقلالية التي ستذوب وتختفي مجرد ما تمارس سلطات الأقاليم صلاحياتها بقدر كبير من المسؤولية والانصاف… فوزير الداخلية الذي كان يحكم أمن 22 محافظة يمنية سيسهل عليه حكم ستة وزراء داخلية مسؤولين عن امن الأقاليم في حكوماتهم المصغرة..
● تنموياٍ ومعيشياٍ.. ما هي المشاكل التنموية التي ستحلها الأقاليم..¿
– تنموياٍ سيحصل أبناء الإقليم على الوظائف خصوصاٍ والشرطة المحلية ستكون من أبناء الأقاليم والوظائف الإدارية في مرافق الحكومات المصغرة وغيرها وسيشهد مركز الإقليم حركة تجارية وسياسية وتفاعلية وكذلك مراكز الولاية أو المحافظة.. وستعتمد العملية على التنافسية الخلاقة بين الأقاليم كما هو الحاصل في كثير من الدول الفيدرالية حتى في جيبوتي التي يصل سكانها 90 مليونا وموازنتها أقل بكثير من موازنة اليمن لكنها تعمد إلى العمل التنافسي مرشدةٍ بذلك الموارد وفق الحاجة وكما هو الحاصل في الإمارات مع فارق النمط السلطاني عن طبيعة النظام الجمهوري والثقافة اليمنية..
الصـراع على المركز
● ايجاد بْنية تحتية لمركز كل إقليم… أليس هذا تحدياٍ كبيراٍ ¿ وما هو ردكم على من يقول أن الأقلمة ستنقل صراع القوى النافذة من المركز إلى الأقاليم.. ¿
– قد يكون هذا تحدياٍ على الصعيد التمويلي لكن هذا الجانب يحل حين ترشد الموارد وتخصص الموازنات لكل إقليم كما أن كل اقليم سيتحمل مسؤوليته إلى جانب الدولة المركزية التي تحكم الاقاليم على إيجاد الأساسات الأولى لهذه البنية التحتية والإدارية وتأتي عملية التطوير المستمر لاحقة لهذه المرحلة التأسيسية.. أما من يقول أن صراع قوى النفوذ على المركز ستنقل الصراع للأقاليم فهؤلاء هم أصحاب النفوذ انفسهم يشيعون هذه المخاوف ربما لانهم متضررون من التوزيع الإداري العادل ولا يفسر المسألة بهذا المعنى إلا اثنان إما جاهل معرفياٍ بالمعنى الدقيق للأقاليم أو حامل مشروع سياسي يهدف إلى مصلحة ضيقة كبقاء نفوذه في المركز..
أخيراٍ
● كلمة أخيرة..¿
– أخيراٍ .. أهنئ اليمنيين بهذه النجاحات وهذه المناسبة الوطنية على اليمنيين أن يدركوا أن اليمن بخير وأن الرئيس عبد ربه منصور هادي متمسك بإصرار انجاح المشروع الوطني الذي يصون الوحدة اليمنية ويحافظ على يمن اتحادي آمن ومستقر تحت مظلة وحدة وطنية أكثر رسوخاٍ واستقراراٍ وعلى الجميع أن يعمل بنية صادقة لترجمة مخرجات الحوار الوطني إلى واقع ملموس..

قد يعجبك ايضا