دويلة الإمارات.. أي دور وظيفي لها في المنطقة؟

د. محمد شمص*

 

 

في كانون الأول عام 1971م اجتمع حكام الإمارات وأعلنوا قيام الاتحاد، وانتخبوا زايد رئيساً عليهم وهو الذي عمل بدوره على بناء علاقات جيدة مع دول الخليج لا سيما المملكة السعودية رغم الاتفاقية “المجحفة” كما يسميها الإماراتيون التي تخلت فيها أبو ظبي عن جزء من المثلث الجنوبي سبخة مطي- خور العديد، وحقل شيبة الغازي الكبير والذي يعتبر اليوم من أهم الموارد لشركة آرامكو السعودية.
استمرت الخلافات وتفاقمت بين أبو ظبي والرياض في الغرف المغلقة وأحيانا كانت تخرج إلى العلن، وبقيت على هذه الحال إلى أن بدأت الحرب على اليمن بتحالف عربي تقوده السعودية ومعها الإمارات، هذه الدولة الصغيرة التي أطلقت العنان لطموحاتها ومطامعها في محاولة للعب دور إقليمي يخدم أولاً الولايات المتحدة و”إسرائيل”، فتورطت بعدد من الحروب في المنطقة، ودعمت المنظمات والجماعات الإرهابية في كل من سوريا ومصر وليبيا، لكن في الحرب على اليمن بدأ الصراع السعودي- الإماراتي ينحو منحى مختلفاً بسبب الخلافات على تقسيم مناطق النفوذ التي احتلوها في هذا البلد، ففيما دعمت السعودية قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، دعمت الإمارات المجلس الانتقالي ومدّته بالسلاح والمال، وهو الذي يسعى لإقامة حكم انفصالي في حضرموت والمهرة، ما أدى الى صدام ومواجهة مباشرة بين ميليشيات وأدوات السعودية والإمارات أي قوات هادي و”الانتقالي”.
القوات الإماراتية احتلت أيضا أجزاء من الجنوب اليمني وصولاً الى السواحل الغربية وجزر سومطرة وميون حتى باب المندب هذا المضيق الحيوي والحساس بهدف تأمين الملاحة البحرية لها ولحلفائها الأمريكيين والإسرائيليين، وكذلك لتأمين خط صادرات جديد لنفطها دون الحاجة للمرور عبر مضيق هرمز، والبقاء تحت رحمة الجمهورية الإسلامية، وأيضاً عدم الاعتماد بشكل أساسي على مرفأ “جبل علي” القريب من المياه والحدود الإيرانية.
هذه الطموحات الحالمة بل المطامع الإماراتية سواء في اليمن أو دول أخرى في المنطقة تحتاج إلى مزيد من الحماية والدعم الأمريكي، وهي تعلم أنه لا يرضي الأمريكيين إلا رضاء الإسرائيليين، فأمريكا تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط بعيون إسرائيلية، لهذا كانت أبو ظبي السباقة واللاهثة وراء التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، والسماح لعشرات آلاف السياح الإسرائيليين بالسفر اليها بالإضافة إلى التعاون الأمني وعلى غير صعيد، كل ذلك وهي غير عابئة بموقف الشعب الإماراتي والشعوب العربية الرافضة لإسرائيل، وتناست قضية فلسطين وشعبها المظلوم والمضطهد.
لكن هذا المشروع الحالم لحكام الإمارات بدأ يتعثر ويتهاوى تدريجياً على وقع الصواريخ والمسيّرات اليمنية التي تقصف العمق الإماراتي بسبب تورط هذه الدولة الإمارات بجرائم اليمن وقتل الأطفال والنساء والشيوخ، واستهداف المناطق السكنية والمأهولة فضلا عن احتلالها لأراض يمنية، ويقف هؤلاء اليوم مذهولين أمام جرأة وشجاعة الجيش واللجان الشعبية اليمنية، فلا خطوط حمراء لديهم، وقد تجرأوا على فعل ما لم يجرؤ عليه أحد في هذا العالم باستهداف مقر إقامة رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ أثناء زيارته إلى الإمارات، وذلك بهدف إيصال رسالة واضحة لهذا الكيان بأنه شريك بجرائم اليمن، وعليه سوف يتحمل المسؤولية ويحاسب عليها، كما أن اليمن اصبح جزءاً من المعادلة الإقليمية التي اطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأكد السيد عبدالملك الحوثي قائد انصار الله بأنه جزء منها، وهي تقضي بأن الاعتداء على الأقصى يعني حرباً إقليمية. الرسالة أيضا حملت معاني ودلالات فهمها الأمريكي وقرأها الإسرائيلي بدقة، وهي أن القدرات الصاروخية اليمنية تطورت وتعاظمت وهي تصنع المعادلات، ولم يعد بإمكان أحد تجاهل إرادة اليمنيين، فقد أصبحوا لاعبين إقليميين وليس مجرد جيش ولجان يدافع عن أرضه في مواجهة تحالف دولي يشارك فيه الأمريكيون والبريطانيون والإسرائيليون والسعوديون والإماراتيون وغيرهم.
لقد شعر حكام الإمارات بحجم الورطة التي ورطوا أنفسهم فيها، أو ربما ورطهم فيها الأمريكي، وبات حاكم الإمارات محمد بن راشد خائباً عاجزاً يتوسل التهدئة والوساطات من دول إقليمية وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية، وهو الذي اطلق برامج حكومية ومشاريع كبيرة لمئوية الدولة لكنه يقف في دهشة وحيرة كيف يكمل أعمال معرض اكسبو الدولي وصواريخ اليمن تتساقط على العاصمة أبو ظبي والعصب الاقتصادي لهذه الدولة دبي، والطائرات المسيرة اليمنية تصول وتجول في أجواء الإمارات التي لم تعد كما كانت، وأضحت دويلة غير آمنة كما أكد الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني العميد يحيى سريع.
ثمة أسئلة ومخاوف يثيرها الرأي العام في الإمارات والمنطقة ومنها: هل ادرك بن راشد بعد توسطه لدى الإيرانيين أن قرار اليمنيين بأيديهم وان لا خطوط حمراء لديهم في صد العدوان وضرب الإمارات في عمقها الحيوي لتعود إلى عصر الرمال كما كانت؟ هل انتهى حلم حكام الإمارات الدويلة بدور إقليمي واعد على يد اليمنيين؟
هل أخفقت أبو ظبي بالقيام بالدور الوظيفي الذي رسمه لها الأمريكيون والإسرائيليون من بوابة التطبيع؟
هل فشلت بما طلب منها (بريطانيا) فيما يخص تقسيم اليمن والمنطقة، والمشاركة في المشروع الأمريكي الإسرائيلي لمواجهة محور المقاومة؟
المستقبل القريب سيكشف لنا أن هذه الدويلة الطامحة ليست فقط غير آمنة بل هي وهم في وهم، ومجرد أداة عند الأمريكيين سيتخلون عنها ويرمون حكامها ويستبدلونهم كما فعلوا مع حلفائهم في أفغانستان .. وغيرها.
*كاتب وباحث سياسي من لبنان

قد يعجبك ايضا