قبل يومين سمعنا عن إقامة ما تسمى بطولة كرة قدم لمدارس الأمانة وهي عبارة عن نشاط إسقاط واجب وليس نشاطاً حقيقياً يرتكز على أسس سليمة، بل عشوائية، ما جعل الرياضة والأنشطة المدرسية تغيب تماماً بغياب عقول مسؤوليها الذين أصبحت إقامة هذه الأنشطة مفقودة تماماً ولم يعد هناك إدراك لأهمية الرياضة المدرسية التي تعتبر الرافد الحقيقي للأندية والمنتخبات الوطنية حيث أن المواهب الرياضية دائماً ما تكون بدايتها من المدرسة على اعتبار أنها الانطلاقة الأولى في اكتشاف اللاعبين الموهوبين من البراعم والشباب كما أن المدرسة ليست مكاناً فقط لتلقِّي المعارف والعلوم المختلفة فقط بل هي مكانٌ لبناء الأجيال وإكساب الطلَّاب بكافَّة مراحلهم العمريَّة والدراسيَّة المهارات الحياتيَّة اللازمة التي تمكّنهم من مجابهة تحدِّيات الحياة، وتخطِّي عقباتها في المستقبل ومنها الرياضة.
ولاشك أن الرياضة المدرسية هي خطوة صحيحة وتمثل أساساً من الأسس الهامة في تطوير الرياضة اليمنية على المستوى الداخلي والخارجي خاصة أن بلادنا غنية بالمواهب والمبدعين من اللاعبين ذوي الأعمار الصغيرة والذين سيكونون في المستقبل لاعبين كباراً وعمالقة ولكن في حقيقة الأمر غابت الرياضة المدرسية وربما انتهت وتحولت مدارسنا إلى أشبه ما تكون بالسجون للطلاب، فالطالب منذ دخوله إلى المدرسة حتى مغادرتها يظل قابعا في فصله مغلوبا على أمره يتلقى الأوامر من المعلم الذي لا يجد سوى طريقة التلقين وصب المعلومات في عقل الطالب كما يصب العمال الإسمنت والأحجار والماء في الخلاطات وصبها في الحديد لتكون تلك المادة الصلبة التي تتكون منها المباني وهكذا هم طلابنا نظل نحشو عقولهم حتى تتحجر.
وبالتأكيد أن مسؤولي التعليم – ليس من الآن ولكن منذ فترة لا بأس بها – أسهموا في هذا الغياب للأنشطة المدرسية وربما كان تغييبا مقصودا لأن نمط بناء مدارسنا تغير كثيرا وعلى حساب الملاعب والمراسم والمعامل التي تم مسحها من خارطة تفاصيل المباني المدرسية لتحل محلها غرف جامدة وكأنك تبني سجوناً وليست مدارس للعلم والمعرفة وجزء منها أماكن ومساحات لممارسة الأنشطة المدرسية التي بالتأكيد نعرف أنها تسهم في تنمية قدرات الطلاب ومهاراتهم وتعمل على صقل مواهبهم وإبداعاتهم كما تساعدهم على التحصيل العلمي بشكل أفضل، ويمكن من خلال جولة ميدانية في المدارس لأي شخص أن يتأكد من صحة كلامي هذا، فالرياضة المدرسية وحصص التربية البدنية تم تغييبها بشكل منظم عن المدارس وأصبحت المدارس تستعين بالأندية الرياضية للمشاركات الرياضية إذا فكرت وزارة التربية والتعليم في إقامة بطولة مدرسية بينما يفترض العكس ،أي أن الأندية الرياضية هي التي يجب أن تستعين بالمدارس في رفدها باللاعبين في مختلف الألعاب الرياضية لكنك في بلاد العجائب.
من هنا دعوة صادقة لوزارتي الشباب والرياضة، والتربية والتعليم والاتحادات وبقية الأندية الرياضية أن تولي الرياضة المدرسية أهمية خاصة وفق أسس علمية وتوفر لها الإمكانات اللازمة إلى جانب الاهتمام بمدرسي الأنشطة المدرسية وتأسيس ملاعب في مختلف المدارس من خلال استراتيجية وطنية للرياضة المدرسية وإدراجها ضمن الاستراتيجية الوطنية العامة للرياضة كي ننطلق بالرياضة في بلادنا إلى مستويات أفضل ويمكن الاستفادة من الدول والبلدان التي سبقتنا في هذا الجانب وليس عيباً أن نستفيد من الآخرين لكن العيب أن نبقى في أماكننا ((محلّك سر)) وليعلم الجميع أن الاهتمام بالرياضة يبدأ من المدرسة ونتمنى أن لا تظل الأنشطة المدرسية مجرد إسقاط واجب كما هو الآن.. وربما يكون للحديث بقية.