جمعة رجب هو اليوم الذي سجل فيه اليمنيون أنصع صور الانصهار والتلاحم تحت راية الإسلام الحنيف حين اجتمعت قبائلهم في جامع الجند الشهير في الحادثة الشهيرة في العام السابع ودنت جباههم جميعاً لكلمة التوحيد وتركوا جانباً خلافاتهم وتصدوا بحزم لعوامل التشرذم والشتات التي كانت سبباً لوقوع بلادهم فريسة للاحتلال الحبشي ومن بعده الفارسي..
هذه الذكرى ولا شك ظلت في قلوب اليمنيين عيداً خالداً يحتفلون فيه بنعمة الإسلام ويستعيدون قيم التوحيد والتلاحم والتآخي وهي القيم الأصيلة في دين الله ولعلهم في هذه المناسبة يستلهمون من جديد هذه القيم خصوصاً وهم يواجهون أقسى امتحان في تاريخهم وأصبح يحاصرهم حثالة العالم وارذل مخلوقات الأرض أصحاب الضمائر الميتة قتلة الأطفال خدام أمريكا ونعال إسرائيل..
في الاستطلاع التالي التقينا بعدد من العلماء والخطباء لمعرفة انطباعاتهم حول المناسبة ورسالتهم إلى أبناء شعبهم.. فإلى التفاصيل:
الثورة / أمين العبيدي
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .
فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات وتعرض لهذه النفحات ومن هذه النفحات شهر رجب وما بعده من شهور فنحن في بداية موسم الطاعات فكما أن لكل إنسان في الدنيا موسما تجاريا يغنم ويربح فيه حسب مهنته ووظيفته ونشاطه التجاري؛ فكذلك ينبغي على كل إنسان يريد أن يربح في تجارته مع الله أن يتحرى موسم الحسنات والطاعات والبركات والنفحات لهذا حثنا صلى الله عليه وآله وسلم على اغتنام هذه النفحات حيث قال:” اطلبوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة ربكم، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، فاسألوا الله أن يستر عوراتكم ويُؤمِّن روعاتكم” وقال أيضاً صلى الله عليه وعلى آله :” إن لربكم في أيام الدهر نفحات ، فتعرضوا لها ، لعل أحدكم أن تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها أبدا هكذا استهل الأستاذ شمسان عطية حديثه حيث أكد بقوله:
شهر رجب -كما نعلم جميعاً شهر مبارك دخل فيه اليمنيون الإسلام وتوحدوا على كلمة التوحيد فعن مظاهر الاحتفال بجمعة رجب عند اليمنيين وخصوصاً في تعز وجامعها الشهير جامع الجند الذي احتضن برمزيته جلال هذه المناسبة يقول: في كل سنة يرقب أبناء اليمن المناسبة بفارغ صبرهم ومنتهى انتظارهم وكأنهم على موعد مع ضيف عزيز طال فراقه وغائب كريم أزف إشراقه يعدّون الوقت ساعات وأياماً حتى يؤذن جمادى الثانية بالارتحال، تراهم يتجهون من كل حدب وصوب من المدن والبوادي والجبال والسهول القريبة والبعيدة لاستقبال أول جمعة من رجب عيدهم العائد وأملهم السائد الذي عودهم السرور والبهجة وتحفّهم الألفة والمحبة حيث تبدأ مراسيم الحفل وطلائع البشائر بلوائح التمهيد من يوم الجمعة المشهود فيتواصل مجيئهم جماعات وفرادى ولكثرة الجمع اتخذ موسماً للبيع والتجارة فتكتظ المنطقة بالباعة الذين يعرضون مختلف أنواع البضائع كالتحف والهدايا والحلوى والفواكه وغيرها فما تكاد تصل إلى الجامع إلا بمشقة من زحمة الجمع وكثرة المترددين وفي ليالي الموسم يتم فيها إنشاد المدائح والقصائد التي تريح البال وتهز المشاعر وتهذب الروح وتقوي السلوك والتي تصدح بألحان التراث القديم، خصوصاً تراث محافظتي تعز وإب، وبالإجمال هو موسم علمي وأدبي واقتصادي وتاريخي واجتماعي يجسد روح الفكر الواعي والعقل الناضج لدى الشخصية اليمنية منذ زمن بعيد ومعرفته المتوارثة في حياكة التاريخ ونسجه حللاً ترتديها الأجيال بأبهى صورة وأنبل عادة وأصدق تقليد حينما تتذكر يوماً من أعظم أيام تاريخها التي انتصرت فيه وحددت مصيرها وتوحد شأنها وتختار طريقها يوم تسلمت راية السلام واستلمت وسام المحبة والأمان والعزة والكرامة.
ويتمنى السميعي في هذه المناسبة أن تصحو قلوب المرتزقة ويصطفوا مع كل شرفاء الشعب للدفاع عن الوطن وسيادته واستقلاله وأن يكون الولاء للوطن وقداسة المصلحة العامة وجمع الكلمة ووحدة الصف وتنفيذ وصية الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حينما أوصى معاذ وأبو موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن كما في الصحيحين بقوله (يسرا ولا تعسرا بشرا ولا تنفرا تطاوعا ولا تختلفا) لأنها وصية جمعت كل قضايانا وشؤون حياتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والدعوية والسلوكية فحري بنا كشعب يمني أن نلتزم الوصية باليد والسماحة والرفق واللين والتجاوز ونبذ الفرقة والخلاف والنزاع والشقاق في ما بيننا..
أما العلامة محمد غالب الوشلي فنتحدث عن هذه المناسبة قائلاً:
يجب المسارعة إلى كثرة الحسنات والبعد عن السيئات، وذلك لتضاعف الحسنات والسيئات بسبب شرف الزمان والمكان، فكل سيئة يقترفها العبد تكتب سيئة من غير مضاعفة لكنها تعظم أي تكبر بسبب شرف الزمان أو المكان أو الفاعل ولكن كما نلاحض أن دول العدوان لا يراعون أي حرمة من حرمات الله ولكن هي رسالة للعالم وللإنسانية أن هذا الدين دين سلم وسلام وأمن وأمان، فهلا فقهت البشرية وانتبه عقلاء العالم إلى هذا الدين العظيم.
وأضاف: إن ارتكاب المجازر و المعاصي والذنوب وانتهاك الحرمات في هذه الأشهر ظلم للنفس لذلك قال تعالى: { فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } أي: في هذه الأشهر المحرمة لأنه أأكد وأبلغ في الإثم من غيرها..
وعن كيفية الاحتفال في صنعاء وجامعها الكبير يقول الوشلي إنه في احتفال اليمنيين بهذا اليوم “يجتمع العلماء والشيوخ والساسة والوجهاء وعموم الناس في محفل كبير يحيون ذكرى دخول الإسلام لليمن والتي كانت في أول جمعة من رجب، فلها مكانة سامية وعظيمة يترقبها اليمنيون كل عام ويتم الاستعداد لها من يوم الثلاثاء حتى يوم الجمعة الذي يكون اليوم الأكبر في المناسبة”،” وتتخذ في هذا اليوم معظم عادات وتقاليد ومراسم الأعياد الإسلامية من زيارات الأرحام والصلة والبر ولبس أحسن الثياب ولعب الأطفال”.. ويضيف: كما تُقدَّم في بيوت اليمنيين الحلويات والكعك للزائرين ويفوح البخور من المنازل، وتتزين شوارع اليمن وحواريها بالمشاعل والقناديل.. ويزيد: الاحتفاليات الكبرى تُنظم في صنعاء والجند في تعز سواء من خلال التحاق المصلين بالجوامع أو عقد حلقات المدائح النبوية، ورش ماء الورد على المشاركين وشراء الحلوى وتوزيعها على الأطفال، الاحتفالات نفسها، تشهدها مناطق يمنية أخرى كـإب وصعدة وعمران وحضرموت حيث تذبح الذبائح وتوزع على الأرحام والفقراء.
وعن أهمية الاحتفال بهذه المناسبة والمكانة التي يمثلها جامع الجند في تاريخ الإسلام يقول الأستاذ لطف عبدالله: الاجتماع الشعبي الجماهيري الإسلامي لدى اليمنيين الأوفياء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله الطيبين الطاهرين وللدين والإسلام يزهو به مسجد الجند وكل بقاع اليمن المحرر من العملاء وعلينا العلم أن الاحتفال بجمعة رجب ليس مسألة صدرت بقرار من أحد لا من دولة ولا من نظام ولا من أحد في هذا الوجود، فالحضور يعبّر عن حب شعبي للإسلام وللدين والنبي محمد صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، ثم إنه ليس واجباً ولم يُلزمُ به مسلم وليس صلاة ولا عبادة ولا لما يتكلم به مرضى النفوس لإفساد العلاقة بين المسلمين وخصوصا ذكرى جمعة رجب فهي عبارة عن حب الإنسان اليمني لليوم الذي دخل فيه أجداده الإسلام وعرفوا طريق الحق وتفتحت أبصارهم بنور إلهي وكانوا قادة الفتوحات ودعاة الإسلام وانصار الرسول فكيف لا نحتفل بهذا اليوم الخالد العظيم.
معاذ بن جبل
الدكتور محمد احمد المرتضى أستاذ علوم القرآن يقول: إن جمعة رجب هي الجمعة التاريخية في قلوب اليمنيين وكل من عرف معناها وعاش في محياها كيف لا وهو يوم دخول اليمنيين في الإسلام الذي عرفوا فيه الحق.. ودعا المرتضى كل وسائل الإعلام ومراكز العلم والجمعيات والمؤسسات والخطباء والمفكرين والمرشدين إلى التعريف بمكانة هذه الجمعة في قلوب اليمنيين أهل المدد وأن نحييها بالزيارات الأخوية والكلمات الإيمانية وفي المساجد بالدروس والمحاضرات والإذاعات المدرسية والزيارات الأسرية وبين الناس بتصفية القلوب.
وأضاف: لا بد أن يعرف الكبير والصغير أن اليمن وأهل اليمن رحبوا بالإسلام وآمنوا بالقرآن وأكرموا الرسول الإنسان الذي دعا إلى جمع الشمل وتوحيد الكلمة.
وأشار قائلاً: إننا نريد اليوم أمثال معاذ بن جبل حيث جمع الناس ووحدهم فمن يحمل هذا اللقب ويجمع ولا يفرق، من يدعو إلى الحبّ والأخوّة والصفاء والنقاء أين من يعيش لوطنه ويضحي لأجل ذلك ويبذل الغالي والرخيص ولكم في السيد القائد عبد الملك الحوثي أكبر دليل وأوضح برهان
وقال في ختام حديثه: على الإعلاميين أن يستغلوا أي مناسبة تبني المودة وتغرز روابط الأخوة مثل هذه المناسبة ويعملوا على تذكير الناس بدروسها العظيمة وما تحمله من دلالات وقيم أعظم جمعة في تاريخ الوطن.
الشيخ نادر الجماعي إمام وخطيب جامع القادسية تحدث عن هذه المناسبة قائلاً:
في هذه الجمعة جاء إلى اليمن الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه حاملاً النور والهداية وأشار إلى أنه لأول مرة اجتمع اليمن على رأي وطريق ودين واحد عندها تأسس مسجد الجند الذي ربى أهل هذا البلد على الوحدة لا على التشرذم والتفكك والتفرق وقال “جاء رسول الله بأبي هو وأمي حاملاً كل مقومات الأخلاق والأخوة والتعاون والبذل والعطاء أتى يحمل القمر ليبدد الظلام الدامس كيف لا وهو من أخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام أتى مطبقا لوصايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كان فيها من أكبر الدروس وأعظم العبر إنه مذهب الوسطية والتدرج في تطبيق أركان الإسلام على واقع الناس العملي وأصبح أفراد الشعب أخوة رغم قراهم المتباعدة عن الظلم المتقارب بالقلوب الصافية التي تعرف المعروف وتنكر المنكر”، هكذا هو الإسلام إذا وجد قلوباً طاهرة ونفوساً خصبة.
وأكد الشيخ الجماعي أن هذه الجمعة أعظم جمعة في تاريخ اليمنيين فقد أصبحوا لا يعرفون إلا الإسلام ولا ينتسبون إلا إليه وأكرِم به من نسب، نسب كان عليه من الشمس نور ومن فلق الصباح عمود وكأن لسان حالهم يقول (أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم) ومن كان الإسلام سبيله فإن النصر حليفه.