من يتابع مسار الوضع في الإمارات منذ ما بعد عملية إعصار اليمن الأولى، مرورا بالثانية وحتى اليوم، يجد أن هناك تغييرا واضحا بدأ يشهده الوضع هناك بشكل عام، وبمعزل عن تصريحات مسؤوليها الذين ما زالوا يعيشون حالة إنكار، تشبه الحالة التي يعيشها المسؤولون السعوديون حول تداعيات حربهم على اليمن، والذين يحاولون التغاضي عن هذه التغيرات، ويتجاهلونها لأسباب تتعلق بمحاولة الحفاظ على مستوى الثقة الدولية، والتي كانت تحضن قطاعاتها المختلفة في الأعمال والسياحة وغيرها، والتي كانت مزدهرة بنسبة غير بسيطة سابقا، فإن الوضع بشكل عام في الإمارات نحو التراجع، وهو على الأقل، لم يعد متماسكا بالقدر الذي كان فيه قبل أن يتخذ اليمنيون قرارا حاسما، بإجبار ابو ظبي على الانسحاب نهائيا وبشكل واضح وجدي، من العدوان على اليمن.
في الواقع، هناك عدة أسباب ومعطيات تجعل قادة أبو ظبي يسارعون لاتخاذ هذا القرار الحيوي، والذي يمكننا أيضا القول انه اصبح قراراً وجودياً بالنسبة لهم، بالانسحاب من الحرب على اليمن، وهذه الأسباب، بالإضافة للنقطة الأساس المتعلقة بإثبات اليمنيين قدرة واضحة والتزاما كاملا بتدفيع الإمارات ثمن عدوانهم، يمكن تحديدها بالتالي:
أسباب متعلقة بالموقف الأمريكي:
قد يكون تصريح الخارجية الأمريكية، والتي حذرت مؤخرا رعاياها من التوجه إلى الإمارات، وطلبت في نفس الوقت من المقيمين منهم حاليا فيها، توخي الحذر واتخاذ كامل الاحتياطات ومتابعة التطورات، خير دليل على اعتراف قادة أبو ظبي بان هذا الوضع قد تغير، وبان واشنطن ترى بعينها الاستعلامية المخابراتية، أن التطورات في الإمارات تسير نحو التوتر وعدم الأمان أكثر واكثر، وانه عليهم التصرف بجدية واتخاذ القرار الأنسب لحفظ ما يمكن حفظه من ازدهار وأمان وثقة في بلادهم.
وهذا التصريح الأمريكي أيضا، يمكن وضعه في خانة أخرى اهم واكثر حساسية من تحذير الرعايا الأمريكيين، وهي أن واشنطن غير قادرة أو على الأرجح أنها لا تريد، اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الأجواء والمنشآت والمواقع الإماراتية الاستراتيجية من الصواريخ والمسيرات اليمنية، وذلك لعدة أسباب، أولها موضوع جرِّها إلى صفقات أسلحة دفاع جوي ومتمماتها، بالإضافة إلى أن واشنطن تجد في توسيع المواجهة بين اليمنيين وبين الإمارات، فرصة مناسبة لإبعاد أي تقارب محتمل بين أبو ظبي وبين طهران، حيث يجد الأميركيون أن إيران حتما ستقف مع المعتدى عليه في هذه الحرب.
أسباب متعلقة بالموقف السعودي:
لا يحتاج المسؤولون في الإمارات إلى الكثير لفهم حقيقة موقف السعودية من الاشتباك العالي المستوى أخيرا، بين اليمنيين وبين أبو ظبي، فالرياض في ما تعيشه من إخفاق في حربها على اليمن، تريد وبقوة أن تتشارك مع الإمارات حتى النهاية في مسار العدوان، وذلك لعدة أسباب:
أولا: من الناحية الميدانية والعسكرية:
كان واضحا أن الميدان داخل اليمن تاثر بنسبة معينة لصالح العدوان، بعد أن زجت الإمارات بوحدات من الوية العمالقة في معركة شبوة، حيث تجهيزات وعمليات هذه الوحدات، تديرها وترعاها أبو ظبي بشكل كامل، وحيث أن هذه الوحدات أيضا، كانت ولفترة تجاوزت السنتين تقريبا مرتاحة من المواجهات المباشرة، وتتدرب وتتجهز على الساحل الغربي، في المناطق الممتدة من جنوب الحديدة حتى ميناء المخا، الأمر الذي كانت تحتاجه السعودية بقوة، بسبب الانهيارات التي أصابت وحدات مرتزقتها خلال سلسلة من المعارك والمواجهات في محافظات الجوف ومأرب والبيضا، بالإضافة لما تتعرض له تلك الوحدات من ضغوط وخسائر على حدودها الجنوبية مع اليمن، فكانت الحركة الإماراتية عبر الوية العمالقة بمثابة صدمة إيجابية لمعركة السعودية ومرتزقتها، بعد أن انخفضت ضغوط الجيش واللجان اليمنية عن مارب، وبعد أن اضطر هؤلاء أيضا لفصل جهود كبيرة لمعركة مديريات شبوة.
ثانيا: من الناحية السياسية:
لا شك أن الرياض حاليا، وبسبب إخفاقاتها في الحرب على اليمن، تحتاج لأي جرعة دعم أو مساندة سياسية من أي جهة أتت، كي تواجه من خلالها الضغوط الدولية التي تتعرض لها، من ناحية مؤسسات الأمم المتحدة والتي أصبحت محرجة بنسبة كبيرة من جراء عجزها عن ضبط جرائم العدوان السعودي على اليمن، أو من ناحية بعض التحفظات أو الأصوات المعارضة لهذه الحرب، والتي تتنامى يوما بعد يوم داخل الولايات المتحدة أو بعض الدول الأوروبية، فتجد وقوف الإمارات إلى جانبها في العدوان حتى النهاية، ضرورة للاستفادة من علاقات أبو ظبي الدولية والإقليمية، فلا تكون وحيدة في جبهة العدوان، والتي أصبحت تترنح وتضعف يوما بعد يوم.
أسباب متعلقة بالتطورات الميدانية:
هناك الكثير من المعطيات الميدانية على الأرض، تفيد بان معركة العدوان في مديريات شبوة وعلى مناطق جنوب مارب بدأت تستنفد الزخم الذي انطلقت فيه بداية، بعد أن زجّت أبو ظبي بِألوية العمالقة. وصحيح أن المتحدث العسكري للجيش اليمني لا يتطرق إلى اية مواجهة قبل اكتمال مراحلها وانتهائها، ولكن حسب اغلب المعلومات، فإن وحدات تلك الألوية، والتي صحيح أنها تقدمت في بعض المناطق والمديريات بين عسيلان وبيحان وحريب وعين، ولكن يبدو أن مناورة محاصرتها قد اقتربت من نهايتها، حيث توشك وحدات الجيش واللجان اليمنية وانصار الله، على قطع خطوط إمدادها ومحاصرتها في تلك المديريات، بعد أن تنهي بالكامل السيطرة على وادي النحر، الذي يقطع التواصل على طريق عتق ـ عسيلان ـ حريب ـ الجوبة ـ مارب، الأمر الذي يحقق فيما لو اكتمل هذا الحصار، مناورة مشابهة لكمين كتاف ـ الجوف – نجران في عملية نصر من الله سابقا، والتي نتج عنها سقوط الالاف من مقاتلي العدوان السعودي بين قتيل ومصاب وأسير، والتي شكلت حينها معركة فاصلة في الوسط الشرقي من اليمن لمصلحة الجيش واللجان وانصار الله.
أمام كل هذه المعطيات، من الطبيعي والمنطقي أن تستنتج الأمارات أن متابعتها في العدوان على اليمن أصبحت انتحارا بكل ما للكلمة من معنى، فهل تقدم قبل فوات الأوان على إخراج نفسها من هذه الورطة القاتلة؟
ربما في الأيام القادمة نجد جوابا عن هذا السؤال.
* كاتب ومحلل عسكري لبناني