الأعاصير اليمنية الثلاثة في العمق الإماراتي وتزامنها مع المتغيرات الإقليمية والدولية

طالب الحسني

 

 

لم يعد بوسعنا اليوم كمهتمين ومراقبين للحرب اليمنية الخليجية (السعودية الإماراتية) أن نكتب انطلاقا من البعد المحلي الإقليمي لهذه الحرب بعد أن باتت تتجه لتصبح فوق إقليمية وتتعلق بالاستجابة للمعادلة التي فرضتها اليمن بقيادة أنصار الله الحوثيين على الرياض وأبوظبي وأيضا على الداعمين الرئيسيين للتحالف الذي تقوده السعودية للعدوان على اليمن والمتمثل في الرباعي الأوروبي الأمريكي مضافا إليه كيان العدو الإسرائيلي .
الأعاصير الثلاثة التي أعلنتها القوات المسلحة اليمنية في العاصمة صنعاء واستهدفت العمقين السعودي والإماراتي اختارت أهدافا هي في الواقع أمريكية على غرار قاعدة الظفرة في أبوظبي التي يتواجد فيها آلاف الجنود الأمريكيين، ويقول البنتاغون لمرتين أنها أدت إلى اختباء الجنود في الملاجئ ، وتصاعدت فيما بعد لتستهدف التحرك الإسرائيلي، إذ أن تزامن استهداف أبوظبي ودبي مع وجود رئيس كيان العدو الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لا يأتي من فراغ، ويترك جدلا كبيرا دائرا في العمق الإسرائيلي، من منطلق أن ذلك تهديدا مستقبليا لا يخفي قادة الكيان منذ نتنياهو ووصولا إلى نفتالي بينت رئيس وزراء العدو الإسرائيلي الحالي .
صحيح أن الاستهداف للإمارات ببعده المحلي يهدف لدفعها لمغادرة التحالف الذي تقوده السعودية عبر فرض معادلة فرضت ولا تزال على السعودية قبلا، وتتعلق بأن دعم الرياض وأبوظبي ” لأطراف محلية يمنية ” سيعني استهداف هذه العواصم ضمن معركة ستدخل عامها الثامن في مارس المقبل ، ولكن هو ببعده الإقليمي والدولي يفرض على الولايات المتحدة الأمريكية إيقاف دعمها للتحالف السعودي الإماراتي في الحرب العدوانية على اليمن ، ومؤخرا يفرض قيودا كبيرة على نشاط العدو الإسرائيلي الذي يتجه نحو بناء تحالف “عربي” يقوده انطلاقا من اتفاق ” أبراهام “.
هذا الفكرة بدأت تنمو في النقاش الإسرائيلي لجهة إن كان الكيان يستطيع توظيف التطبيع مع دول الخليج والدخول معها في شراكة عسكرية وأمنية لاستهداف محور المقاومة الممتد من إيران مرورا بالمقاومات الفلسطينية واللبنانية والعراقية ووصولا إلى الدولة السورية وانتهاء باليمن الجديد ، يحمل هذا النقاش الأضرار والتداعيات التي قد تلحق بالكيان الإسرائيلي ، وهي تقاربه من زاويتين:
القدرة العسكرية التي يمتلكها المحور، وأنا هنا أصوب على اليمن اعتمادا على التطورات الأخيرة، واستهداف الإمارات والسعودية في نفس الوقت والتلويح باستهداف العدو الإسرائيلي واستهداف الدعم العسكري الأمريكي بعد ضرب قاعدة الظفرة في أبوظبي
الزاوية الثانية .. اتخاذ القرار دون تردد، مع انعدام قدرة العدو الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية على فرض أي صفقات مساومات أو تسويات مثلما جرى مع الأنظمة العربية بدءا بكامب ديفيد مرورا باتفاق أوسلو ووصولا إلى اتفاق وادي عربة وانتهاء باتفاق أبراهام الأكثر فداحة وخسارة لمشروع الصراع العربي الإسرائيلي .
في الحالتين، هناك قدرة متمثلة في الصواريخ الباليستية والمجنحة والطائرات المسيرة التي تتطور تباعا، وهناك قرار شجاع ينطلق من فكرة عقائدية إسلامية “ومسيحية” ومبدئية ووطنية وقومية ومدعومة بالتفاف شعبي كبير، يأتي من عطش اجتماعي جماعي طاغٍ لمواجهة العدو الإسرائيلي والخروج من حالة الانهزام المسيطرة.
هذه الحالة التي تركبت خلال السنوات العشر الماضية، هي حالة لم تكن موجودة منذ عقود، بل كانت موضوعة في خانة الطموح والأحلام، إذ لا يمكن المقارنة بين الضعف الإسرائيلي الأمريكي مع وفرة القوة والسلاح وحتى وفرة المطبعين أمام محور المقاومة بفصائله ومكوناته، ويمكن أخذ معركة سيف القدس الفلسطينية التي انتصرت فيها فصائل المقاومة الفلسطينية كنموذج فلسطيني يشبه إلى حد بعيد إخراج المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان وانتصارها في 2006 م، ويتشابه هذان الانتصاران بالانتصار اليمني على التحالف السعودي الأمريكي المدعوم أمريكيا .
يمكن نقل هذه الصورة بشكل متكامل على العجز الأمريكي في الشرق الأوسط في فرض ما تريده واشنطن من خريطة للمنطقة، ونحن الآن ربما بإجماع كبير من المحللين والمراقبين على عتبة انسحاب أمريكي من الشرق الأوسط، بما يحمل هذا الانسحاب من ترك ” الحلفاء ” أمام مصير مجهول ، يشبه تلك الصورة التي هزت العالم حين غادرت القوات الأمريكية من أفغانستان .
يتجسد هذا العجز في حماية الولايات المتحدة الأمريكية في حماية حلفائهم الخليجيين، من التغيير الكبير الذي يجري على قدم وساق ويرسم خارطة مختلفة في المنطقة ستكون السيادة فيها للقوى الرافضة للهيمنة الأمريكية، ولن نبالغ إذا قلنا إن ذلك سيجري سريعا وخلال هذا العقد من القرن الواحد والعشرين. الزلزال القادم أن تخسر الولايات المتحدة الأمريكية والغرب معركتهم مع روسيا في الصراع القائم والكبير بشأن أوكرانيا ، والمؤشرات الواضحة أن هذه الخسارة قادمة لا محالة واطلت برأسها في الإعلان المتكرر لحلف الناتو بعدم التدخل العسكري إذا قررت موسكو ” غزوا ” عسكريا لأوكرانيا ، والاكتفاء بفرض عقوبات على روسيا، بيد أن مسار العقوبات لم ينجح في تغيير النظام في ايران ولم ينجح في إضعافها عسكريا وسياسيا، أكثر من ذلك أنها – أي العقوبات – أنتجت إدارة اكثر عداوة للولايات المتحدة الأمريكية حين التف الشعب الإيراني حولها وانتخب برلمانا بأغلبية محافظة، ثم ما لبث أن انتخب الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي المرشح الأبرز لخلافة السيد علي خامنئي لقيادة الثورة الإيرانية .
نحن أمام متغيرات جذرية جوهرية في العالم لا تسير ببطء – كما يظن البعض – بل تسير بسرعة كبيرة مقارنة بالعقود الماضية .
بدأت من اليمن وسأختم به، فما يحصل لا يمكن اعتباره محلياً يمنياً ولا حتى إقليمياً بل هو جزء من متغيرات دولية .

قد يعجبك ايضا