قانونيون: يعزل الولي أو الوصي في حال إثبات أي انتهاك للمعاقة والمريضة نفسيا

تحقيق / أسماء حيدر البزاز –

عزل عن المجتمع وتقييد مع زرائب الحيوانات خوفا من عار المرض!!

العار المجتمعي والعنف مع المريضة يضاعف حجم المأساة!!

تحقيق / أسماء حيدر البزاز

لم يخترن المرض ولكن القدر اختاره لهن .. منهن من فجعت بفقدان حبيب وعزيز ومنهن من تعرضت لصدمة نفسية حادة ومنهن من وقفت الصراعات والحروب خلف آلامها ومأساتها فتنكر لهن الأقرباء وجار عليهن الزمن بحياة ما كانت تعرف إليهن سبيلا المريضات نفسيا في بلادنا رهينات العيب المجتمعي الذي يأبى الاعتراف بمرضهن أو قل بوجودهن منذ وهلة الإصابة بالمرض معاناة ومآس تتستر عليها أسرهن وكأنها تتستر على عار أو فضيحة!
المزيد عن هذه القضية في ثنايا وسطور هذا التحقيق

البداية قصة من جملة من قصص معاناة النساء وأسرهن .. كانت مع فاطمة حسن الهبري -22عاما- مريضة بالاكتئاب وانفصام الشخصية وضمور جزئي في الدماغ كما وصف أهلها عزفت بحياتها إلى الوحدة بعيدة عن زوجها وأبنائها الذين يحاولون جاهدين ألا يتركوها وشأنها حتى لا تزيد حالتها سوءا وهي كذلك تحاول أن تضحك وتسعد زوارها ببعض التصرفات والحركات وتشاركهم في الحديث والطعام والتنزه وما إن تعود حالتها المرضية ترهق وتتعب كثيرا لتخلد إلى عزلتها وتظل وحيدة بالساعات تبتكر قصصا ومواقف وتبكي وتضحك من خيال نسجته تتعارك مع أطفالها للحصول على ألعابهم والتي تجد هي الأخرى فيها متعة لا تضاهيها متعة .
وعند سؤالنا زوج فاطمة عن سبب عدم إيداعها في مصحة نفسية أو دور للرعاية النفسية حتى تتعافى أرجع السبب إلى ظروفه المادية الصعبة والحرج المجتمعي حول المرض النفسي وكأنها وصمة عار على جبين الأنثى لتعيش فاطمة بين أحضان مستقبل مجهول يحده الفقر ويطمسه العيب المجتمعي الذي يرى الموت حلا لمن استعلت الأمراض النفسية جسدها سخرية الناس!!
ويبدو أن حال فاطمة لا يختلف كثيرا عن الشابة المريضة حنان علوان والتي أخفتها أسرتها من الأنظار بحجة الحفاظ عليها من الضياع على حد قولهم وأي خوف يجعلهم يقيدونها بجانب زريبة الحيوان ويمارسون ضدها أبشع أنواع العنف لاعتقادهم أنها صارت فضيحة لهم ولا مخلص لها سوى الموت يسمع الناس صراخها وآلامها متسائلين من مصابها فيرد ذووها “هذي واحدة مجنونة لو نقتلها ما تحس” فتارة يصفونها بالجنون وتارة بالمس ومرات ينكرون للبعض أنها ابنتهم من بند أنها تتصرف تصرفات لا تليق بهم وحتى الطعام لا يقدم لها إلا حثالة ما أكلوا!!
أدمنت حنان معاملتهم لها واستهوت سجنها الجديد وعزفت عن مجتمع حكم على مرضها ببداية النهاية وعلى حياتها بالإعدام فاسترضت بالدون خوفا لما هو أظلم منه!!
اختارهم المرض
ومن جهتها تحدثنا صفية عقلان عن أختها المريضة سبأ -17 عاما : كنا في البداية نظن بأن أختي مصابة بمس أو عين فأخذناها عن مختلف الشيوخ لإخراج السحر والعين استخدمنا مختلف الأعشاب الطبية والعلاج الطبيعي ولكن لا فائدة وحال عرضنا حالتها على الطبيب المختص تبين أن مرضها نفسي وبحاجة إلى جلسات نفسية ولهذا فنحن نمثل عاملا مساعدا في شفائها بإبعادها عن جو المشاكل والخلافات الأسرية وإدخال الفرح والسرور إلى قلبها حتى تتمكن من العودة إلى سابق عهدها وتمارس حياتها الطبيعية بأريحية تامة ولمدرستها التي انقطعت عنها منذ أكثر من ثلاث سنوات
مضيفة: وبالرغم من إيفائنا بكل متطلباتها واحتياجاتها لتخرج من قوقعة المرض وتعيش مثل البقية وما هي إلا ساعة بالكثير تضحك وتمرح مع صديقاتها ثم تتعب وتنام كالأطفال لساعات طويلة وتعود إلى غرفتها وعندما تصحو من نومها تبكي وتتألم على حالها متسائلة: لماذا اختارني هذا المرض¿ لماذا يهرب ويخاف الناس مني ومن تواجدي بينهم¿
وأوضحت صفية: إن غياب التوعية والتثقيف المجتمعي هو سبب تفاقم حالة المريضات وعزوفهن عن المجتمع فما أن يروا مصابة بمرض نفسي يطلقون عليها لقب مجنونة وحتى وإن تعالجت فما زالت الصفة تلازمها ويحذرون من تصرفاتها والجلوس معها .
العار والفضيحة!!
للأسف الشديد هناك ثقافات مجتمعية مغلوطة عند البعض بل إن صح التعبير ثقافات جائرة فمثلا أن تصاب الفتاة بأي نوع من الأمراض النفسية فهي في نظرهم مجنونة ومن العيب بل العار والفضيحة أن تظهر أمام الناس أو أن تمارس حياتها بشكل طبيعي فيحكمون عليها بالإعدام التام من الوجود والحقوق مما يفاقم حال المريضة ولو تدارك الأمر من البداية ما كانت النتائج وخيمة!!
أبو بشرى أحد أولئك الآباء الذين أعمت أبصارهم ثقافة الجهل ففي البداية أصيبت ابنته بمرض الوسواس القهري فصاروا يطلقون عليها في البيت لقب مجنونة وإذا قالت شي يقولون لا تستمعوا لها هي فاقدة العقل ولا تعي ما تقول ففرض عليها والدها عدم الخروج من المنزل وحبسها في غرفة بغية حمايتها والحفاظ عليها كما كان يدعي الحال الذي زاد سوءا وتطورت حالة بشرى المرضية وصارت فعلا تتخيل مواقف وتصرخ منها صراخا يسمعه كل جيرانها فلم يجد والدها حلا في نظره سوى ضربها وتقييدها فهو يراها مجنونة لا تحس ولا تشعر.

أخبرتنا بذلك جارتها هدى عبدالجبار وأضافت: ولهذا فهم يخرجون جميعهم للتنزه والزيارات وأما بشرى فيتركونها مغلقا عليها في غرفتها لا ملابس لها لا زيارات لا حقوق نسأل الله لها العافية!!
كالحيوانات
وفي هذه الزاوية توضح هدى هيثم -المدير التنفيذي بمؤسسة خذ بيدي التنموية: بأن أكبر المشاكل وأشدها تأثيرا لدى المريضة هو الرفض من قبل الأهل وعدم تقبلها داخل الأسرة لدرجة أنهم يربطونها ويقيدونها كالحيوان ظنا منهم بأن هذا الحل أمثل حتى لا تخرج وتتكشف أمام الناس أو حتى لا يريدون أحدا أن يعلم أن في بيتهم فتاة مريضة نفسيا أو معاقة ذهنيا.
مبينة: إن ذلك ما تم ملاحظته عند صرف المؤسسة للكفالات المحددة لأهالي المريضات ليأتي الأهل وبصحبتهم ابنتهم المريضة أو المعاقة ذهنيا يجرونها خلفهم بالسلاسل والقيود حتى لا تهرب فقررنا بعد ذلك تسليم الكفالات من دون أخذ المعاقات والمريضات نفسيا تجنبا لتكرار هذا المنظر المؤلم.
وتابعت بالقول: إن الصعوبات تبدو كبيرة خاصة لعدم وجود مراكز خاصة لبرامج تدريبية وتطويرية للحد من معاناتهن.
الأمراض النفسية
اختصاصي أمراض نفسية واجتماعية الدكتور عبده المحسن الشميري –المستشفى الاستشاري اليمني- يوضح أسباب الأمراض النفسية المنتشرة بكثرة في الآونة الأخيرة مرجعا في الغالب أساسها نتيجة عوارض بيئة أو نفسية أو اجتماعية أو حتى جينات متوارثة ولكن للأسف الشديد لازالت الوصمة المجتمعية تلعب دورها في اليمن بأن من يقف أمام بوابة العيادات النفسية هو شخص مجنون أو معتوه وأن زيارته للطبيب النفسي المختص يفقده مركزه ومكانته بين الناس وهذا تماما ما لعبه الإعلام بتصويره الخاطئ والمقلل لمكانة الطبيب النفسي الوضع الذي فاقم الحال الصحي سوءا وتدهورا في اليمن.
وقال الشميري: إن النساء من أكثر الفئات إصابة بمختلف الأمراض النفسية والأكثر ارتدادا للعيادات النفسية واستشارتها خاصة بين المرحلة العمرية 18 – 27 سنة وذلك للضغوطات الحياتية في الأسرة والعمل وصعوبة تحملهن للعوارض التأثيرية المحيطة وطبيعتهن الحساسة التي لم تقوِ على تحمل ما أنتجته الصراعات السياسية والأوضاع الأمنية غير المستقرة على الساحة اليمنية يليهن في ذلك العاطلون عن العمل ومتناولي القات بكثرة.
وأشار الشميري في حديثه إلى أن أكثر الأمراض انتشارا بين أوساط النساء الاكتئاب بنسبة 60 % يليه الوسواس القهري بنسبة 15 – 16 % ثم مرض الانفصام بنسبة 5 %.
عزل الوصي
من جهته يقول القانوني الدكتور عبدالملك الشرعبي–جامعة صنعاء: إذا ارتبط المرض النفسي بالإعاقة الذهنية فإن الوصاية على المعوقات ذهنياٍ هي أن يعهد الولي الشرعي للمعاقة ذهنياٍ أن يعهد به إلى غيره بأن يقوم بأمر المعوق ذهنياٍ ويشترط في الوصي على المعاقة ذهنياٍ البلوغ والعقل والإسلام والأمانة وحْسن التصرف وتنتهي الوصاية بموت الوصي أو عزله أو استعفائه .
موضحا: إنه يتم عزل الولي أو الوصي في هذه الحالة إذا انتفى أي شرط من شروط الولي أو الوصي ولم يبين القانون كيفية رفع دعوى عزل الوصي أو الولي والشخص الذي يرفعها وتدخل النيابة العامة جوازي في تلك الدعوى طبقاٍ لقانون المرافعات اليمني و من المفيد للغاية الرجوع إلى القانون المصري في مسائل عزل الولي أو الوصي لما يضمن حماية هذه الشريحة المستضعفة .
وفي الأخير
إن المحنة والمرض ومشوار الصبر يكمن في الرضا بما كتبه الله ورسمته الأقدار فنحن لا نختار لأنفسنا طريقنا سوى الطريق المخير وهؤلاء هن شريحة لا بأس بها قد جار عليهن المجتمع بإعراضه وظلمه وللأهل الله الله في فلذات أكبادكم وللمجتمع لا بد من التوعية الفعالة والبرامج النفسية الهادفة ومراعاة الظروف المادية لكل أسرة في العلاج تجنبا لتفاقم الحالات وتدهورها وهذا ما نطرحه أيضا على الجهات المعنية والمسئولة.

قد يعجبك ايضا