ظاهرة تحتاج إلى التأمل.. تاجر يتخلى عن طفله

عرض/ وائل شرحة –

● سرق مجوهرات أمه, وانتشل المال من خزينة والده, وكل ما بحوزة أسرته من مقتنيات ذات قيمة سرقها, بعد ذلك توجه بعزم نحو محتويات المنزل, سرقها وباعها بنصف قيمتها الحقيقية من أناس كان بإمكانهم أن يوقفوا هذا الطفل الذي يسعى إلى تدمير أسرته, التي لم يترك ما بحوزتها حتى أنابيب الغاز.
لا يتجاوز عمره (10) سنوات, إلا أن عقله وطرق وأساليب الجرائم التي يرتكبها وتبث الرعب فينا وتبشر بسوء الجيل القادم, الذي ومنذ نشأته الأول يسعى للتعمق بالانحراف والتسلح بالجرم بدلا عن العلم.
هذا الحدث لم تتوقف يداه وتفكيره الإجرامي عند الاعتداء على ممتلكات أسرته, فقد اتجه نحو منزل الجيران ” منهم من كانوا يشترون منه أدوات المنزل المسروقة” وذلك بعد أن يتعهدوا بعدم الإفصاح لأهله” وأي جار يحب أن يكون ابن جاره مجرما”.. نفذ عددا من عمليات السلب على جيرانه التي أضحت تهدد بقتله إذا لم تقم بتربيته”
أوضاع أسرته الاقتصادية والمادية لم تكن سيئة, فوالده يعد من أكبر تجار البلد وله سمعة مرموقة وعالية في سماء التجارة, فهو أحد مستوردي البضائع والمواد الغذائية من الخارج.. كذلك مكانة أهله الاجتماعية, كانت ـ ولا تزال ـ جيدة, فكل أبناء الأسرة صالحين في تصرفاتهم وسلوكياتهم وأخلاقهم مع أولياء أمورهم والآخرين ممن حولهم.. إلا أن هذا الفرد من الأسرة قد انطبق عليه المثل القائل “في كل بيت مطهر”.
كان صاحب التاسعة يترك صفوف المدرسة ويذهب برفقة أصدقائه السيئين, دون أن يعلم والده, أين يذهب, أو يستقطع من وقته التجاري لزيارة المدرسة التي يضن بأن أبنه يتعلم فيها, ويسأل عن مستواه التعليمي, كانت الأرباح تفصل بينه وبين أولاده… إلا أن أولاده الآخرون صاحبهم الحظ بصحبة أصدقاء صالحين ومستقيمين.
حاولت الأسرة أن تعيد تأهيل الحدث وتحسن سلوكه وتصرفاته, حاولت إعادته إلى طريق الصواب.. لكن الوقت قد انتهى ولم يسمح بحدوث ما يريده أهله بسهولة.. فقد أصبح الطفل عربيدا وهو بعمر صغير, ولم يعد بإمكان أحد السيطرة عليه.. كل ما عليهم هو تقبل أفعاله بصدور واسعة وبقلوب رحبة ورياضية لأن تصرفاته ليست إلا نتاج إهمال الأسرة للطفل, وعدم تنشئته وإصلاحه منذ صغره.
فشلت كل محاولات الأسرة في إعادة إصلاح سلوكيات وتصرفات أبنهم, ولم يعد أمامهم لإلحاقه قبل أن يضيع من بين أيديهم للأبد, سوى دار رعاية الأحداث باعتباره الدار المختص بإعادة تأهيل وإصلاح الأحداث المنحرفين والذين تكون “أعمارهم” مابين (14-7 ) سنة
توجه الأب إلى محكمة الأحداث, وطلب من رئيسة المحكمة إذنا قضائيا لإيداع ابنه في دار الأحداث, بعد أن عجز هو وأفراد الأسرة عن السيطرة على أفعاله الخارجة عن أساليب وأعمال أسرته وجيرانه والمجتمع أيضا.. كان الإيداع بمثابة اعتراف الأسرة للمجتمع عن عجزهم بالقيام بواجبهم الملقى على عاتقهم.. كما أن لجوء الأسرة لدار الأحداث ليس إلا دليلا واضحا على خطورة ما يقوم به الحدث تجاه أهله والآخرين.
وبعد مرور عام من بقاء الطفل بدار الأحداث, عادت الشفقة الى قلوب الأسرة, وطلبت من المحكمة الإفراج عنه.. آملة بأن عملية التأهيل قد اكتملت وأن ولدهم أصبح حدثا يفيد أسرته ومجتمعة, وأنه أصبح خاليا مما كان يحمله ويمارسه قبل دخوله الدار.. وهذا ما حدث بالفعل فلم تعد تلك السلوكيات موجودة في حياته.
هذا الحدث لم يكن محروما من شيء, فكل ما كان يريده توفره له الأسرة من احتياجاته ومتطلباته.. كانت الأجواء النفسية والأسرية والمادية وغيرها متوفرة له بأن يكون طفلا صالحا.. لم يطلب يوما شيئا ما, إلا ووجده بين يديه.. إلا أنه انخرط في طريق الانحراف والضياع, وأبى الرجوع إلى طريق الاستقامة والتعليم, الطريق التي يمر بها المحظوظون من أخوانه وأقرانه, الطريق التي يتسلح فيها المرء بالتعليم.
هنا الأسرة من دفعت بالحدث إلى الانحراف وذلك بعد المتابعة والإشراف عليه ومعاقبته عند ارتكاب الخطأ وتشجيعه وتكريمه عند تحقيق عمل جيد.. تسببت الأسرة بانحرافه وتحمل نتائج أفعاله وتصرفاته, وكذا إيداعه بدار الأحداث.

قد يعجبك ايضا