جناية الإمارات بالتصعيد في شبوة.. كما “جَنَت على نفسها براقش”
بقلم / رئيس التحرير – عبد الرحمن الأهنومي
توقّفت معركة الساحل الغربي شرق مدينة الحديدة في نهاية العام 2019، وحصدت الإمارات ومرتزقتها وعملاؤها وقواتها المحتشدة هزائم نكراء وخسائر فادحة وغير مسبوقة.
لا تربط الإمارات باليمن أيّ حدود جغرافية، كما أنها لن تحقق من حربها واحتلالها وتمركزها في الجغرافيا اليمنية أي مصالح، سواء كانت تكتيكية أو استراتيجية، لكنها تحشر أنفها في الحرب العدوانية على اليمن انطلاقاً من حالة التطويع الأميركي الإسرائيلي التي تعيشها، وتحقيقاً لنزوات الأمراء في الدويلة الذين يشعرون بالدونية والنقص فيها، ويحاولون البحث عن إنجازات وتواريخ حافلة وحكايات وقصص وعظمة فيها. إنَّها تخوض حرب البحث عن الذات الضائعة بين ركام القصف ومعاناة الجوعى ورفات وأشلاء القتلى في اليمن.
في شباط/فبراير 2020، أعلنت الإمارات سحب قواتها من اليمن. أبرز الإعلام الإماراتي حينها عناوين متعددة لما أطلق عليه “الانسحاب الإماراتي من اليمن”. غرد مسؤولون إماراتيون، بينهم محمد بن زايد، حينها عن الأمر، وسرّبت الإمارات إلى صحف ووكالات دوليّة معلومات عن الانسحاب الذي قالت إنه جاء كتغيير في استراتيجية المعركة التي تخوضها في اليمن، وقال عبد الخالق عبد الله إن “الحرب في اليمن توقَّفت إماراتياً. بقي أن تتوقف رسمياً”.
أثار الإعلان الإماراتي اضطرابات وجدلاً إعلامياً حينها، ولكنه لم يكن الإعلان الأوّل للإمارات بالانسحاب، بل سبق ذلك إعلانات مماثلة، بعضها على شكل تسريبات، والأخرى على شكل تغريدات وتلميحات وأحاديث سياسية وإعلامية؛ ففي تموز/يوليو 2019 مثلاً، تحدّث الإماراتيون في تصريحات وتسريبات عن انسحابات، وأحياناً عن إعادة تموضع لقواتهم في اليمن.
دوافع الإمارات من إعلاناتها المتكررة عن الانسحاب من اليمن كانت نتيجة الخوف من تعرّضها لضربات صاروخية وجوية مسيّرة من اليمن بقدر لا تحتمله مثل السعودية بطبيعة الحال. وقد ترافقت إعلاناتها المتكررة مع تواصل سرّي عبر وسطاء خليجيين نقلوا رسائل إماراتية إلى القيادة في صنعاء، وتحديداً إلى السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي، تنطوي على التزامات بعدم المشاركة في الحرب على اليمن، وبالتزامات نهائية بالانسحاب منها. انعكس هذا الأمر في تحييد الإمارات طويلاً عن الضربات الصاروخية والجوية، مقابل تصعيدها، وبوتيرة أكبر، خلال العامين الماضيين.
ورغم أنَّ الإمارات نقضت تعهّداتها في محطات تصعيدية عدة، واستمرّت بالحرب على اليمن بوتائر متفاوتة، فإنَّها كانت توجّه في كلّ مرحلة رسائل بأنَّها ملتزمة بها، وتحاول تجاوز الضغوط الأميركية عليها فقط، وتقوم بتجديد تعهداتها، غير أنَّ الواقع العسكري الذي برز في شبوة خلال الأيام الماضية، وما سبقه من تحضيرات ميدانية ودعايات إعلامية إماراتية، أسقط عن الإمارات جداراً كان من الممكن أن تنجو به من مخاطر الضربات العسكرية اليمنية.
في 3 كانون الأول/ديسمبر، وفي ذروة الاشتباك المسلح مع عناصر الخيانة في صنعاء، التي قادها علي عبد الله صالح بدعم وتمويل إماراتي، وقبيل مقتل عفاش بليلة واحدة، ضربت القوة الصاروخيّة بصاروخ مجنّح معمل براكة الإماراتي، وكانت الضربة الأولى والرسالة الأولى أيضاً.
في العام نفسه، حذّر السيد عبد الملك الحوثي – في كلمته بمناسبة العيد الرابع لثورة 21 أيلول/سبتمبر – الإمارات من أنها ستُستهدف بالصواريخ والمسيّرات، وكشف أيضاً امتلاك اليمن طائرات مسيّرة. كان ذلك التحذير هو الأول من نوعه الذي يخصصه السيد القائد لها بالاسم. وقد حذّر الشركات الأجنبية العاملة في الإمارات من البقاء فيها، ودعاهم إلى النظر إليها بوصفها بلداً غير آمن للاستثمار.
ذلك الخطاب التحذيري التصعيدي الأول من نوعه اقترن بالتعاظم الملحوظ آنذاك للدور الإماراتي في معركة الساحل الغربي، حيث كان يجري التحضير لمعركة الساحل حينها. وقد بدا دور النظام الإماراتي فيها كقائد مُنفِّذ ومموّل على حساب السعودية.
توقّفت معركة الساحل الغربي شرق مدينة الحديدة في نهاية العام 2019، وحصدت الإمارات ومرتزقتها وعملاؤها وقواتها المحتشدة هزائم نكراء وخسائر فادحة وغير مسبوقة في تاريخ الحرب بشكل عام، إذ جرى تدمير أكثر من 12 ألفاً من الدبابات والمدرعات والطواقم، علاوة على إعطاب آلاف السيارات، وقتل وجرح أكثر من 40 ألف مرتزق في تلك المعارك التي برزت فيها خسائر تحالف العدوان على نحو غير مسبوق.
لم تستدعِ الحصيلة الميدانية وحدها تحالف العدوان ومرتزقته إلى السويد لتوقيع اتفاق سلام، بل أيضاً الضّربات الجوية والصاروخية التي استهدفت الأراضي الإماراتية، ومنها ضربة جوية استهدفت مطار أبو ظبي الدولي، نفّذها سلاح الجو المسيّر في العام 2018 بطائرة مسيّرة، وعرض الإعلام الحربي مشاهدها في العام 2019، كان لتلك الضربات والتهديدات والخسائر والهزائم التي طالت الإمارات بشكل أساسي خلال معركة الساحل الغربي أثر حاسم في تطويقها وكبح مغامراتها في الحرب على اليمن، ودفعها إلى توجيه رسائل ووساطات حاولت من خلالها تجنّب مخاطر الضّربات الصاروخية والجوية. وقد نجحت في ذلك إلى ما قبل التصعيد الأخير الذي قادته على محافظة شبوة.
إلى ما قبل التصعيد الذي قادته الإمارات خلال الأيام الماضية على محافظة شبوة، كانت معركة الساحل الغربي هي ذروة الدور العسكري الإماراتي في الحرب الإجرامية التدميرية الاحتلالية على اليمن.
وعقب انتهاء المعارك العنيفة الَّتي شهدها الساحل الغربي وتوقّفها في نهاية 2019 باتفاق السويد، تعهّدت الإمارات بأنها ستنسحب من اليمن. جاء ذلك التعهّد بعد سلسلة ضربات استهدفتها بصواريخ ومسيّرات، وهي في الحقيقة كانت من قبيل الرسائل العسكرية التي قد تكون فهمتها حينها.
اليوم، تقود الإمارات عمليات تصعيد غير مسبوقة ضد محافظة شبوة، تستخدم فيها الطيران، وأكثر من 15 ألفاً من قطعان المرتزقة السلفيين، وأرتالاً عسكرية من المدرّعات والطواقم والدبابات والغطاء الجوي الكثيف. وقد عملت على تمويل هذه المعركة – التي لا تتجاوز 200 كم 2 – بمبلغ 500 مليون دولار، كما تقول المعلومات.
دور الإمارات في قيادة المعارك الدائرة في شبوة وتمويلها وتغطيتها بالطيران يشير إلى أنَّنا أمام فصل جديد مختلف تماماً عما سبق من الحرب مع الإمارات تحديداً؛ فصل قد نشهد فيه ضربات صاروخية وجوية تستهدف القواعد العسكرية والمنشآت الحيوية الإماراتية.
خلال الأيام الماضية، تعرضت محافظة شبوة لتصعيد عسكري غير مسبوق في تاريخ الحروب، إذ زجَّت الإمارات بكل عملائها ومرتزقتها وقطعانها الذين درّبتهم وسلّحتهم ليكونوا بيادقها في اليمن منذ العام 2015 في هذا التصعيد، كما استنفرت كلّ قواعدها الجوية لتوفير الغطاء الجوي.
وعلاوةً على مشاركة كلِّ تشكيلات سلاح الجو الإماراتي في المعركة، من طائرات “إف-16″ الأميركية، و”ميراج 2000” الفرنسية، فإنّ المعلومات تؤكّد أنَّ طائرات “إف-35” تشارك في القصف، ولم يعرف إذا ما كانت الإمارات تسلّمت صفقة طائرات من هذا النوع، لكن الاحتمالات تشير إلى مشاركة صهيونية في القصف، أو أميركية، والأرجح أنها صهيونية، فقد جاء التصعيد الإماراتي بعد بضعة أسابيع من زيارة أجراها رئيس وزراء العدو الصهيوني نفتالي بينيت إلى الإمارات؛ زيارة هي الأولى، لكنها ركّزت في مجملها على الأوضاع العسكرية والأمنية الاستراتيجية في المنطقة، في وقت تمضي الإمارات لتكون الوكيل والصديق والحليف الاستراتيجي، ليس للأميركيين فحسب، بل للصهاينة الذين باتوا يطلقون عليهم لقب “أولاد العم” أيضاً.
على كلِّ حال، قامت الإمارات باستدعاء كلِّ القوات الأساسيّة التي تعتمد عليها في اليمن إلى شبوة، ما عدا قوات المدعو طارق عفاش، وهي غير مؤثرة في ميدان المعارك، مثل السلفيين الذين يقودهم السلفي أبو زرعة المحرمي، وهي أيضاً مجموعة ألوية مشكّلة من مقاتلين سلفيين وهابيين من طلاب الشيخ يحيى الحجوري في دماج والشيخ عبد الرحمن العدني الذي كان يقيم في مركز الفيوش في محافظة لحج. وقد شاركت الإمارات ببعض هذه الألوية في معارك ليبيا إلى جانب خليفة حفتر، وزجَّت بها في معارك مستمرة منذ أسبوع في مديريتي عسيلان وبيحان في محافظة شبوة.
خصّصت الإمارات 500 مليون دولار لتمويل عمليات التصعيد في المديريات الثلاث، عسيلان وبيحان وعين، في محافظة شبوة، والتي حررتها القوات المسلحة في وقت سابق من العام الماضي، على هامش عملياتها باتجاه محافظة مأرب.
وفّرت الإمارات غطاءً جوياً غير مسبوق للمعارك التي تقودها في شبوة، مستخدمة طائرات هجومية بلا طيار من نوع “أم كيو 9″، وأخرى صينية من نوع “سي إتش فور”، وكذلك أسراب من طائرات “إف-16″، و”ميراج 2000″، و”إف-35”.
تنطلق الطلعات الجوية للطائرات الإماراتية التي تقصف اليمن – وتصعد من استهداف شبوة بواقع 130 غارة يومياً – من 5 قواعد عسكرية إماراتية، هي قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي، والقاعدة الجوية الموجودة في مطار البطين المخصّص لرجال الأعمال في أبو ظبي أيضاً، والقاعدة الوسطى الجوية في دبي، وقاعدة العمليات الخاصة في مطار دبي أيضاً، وقاعدة ساس النخيل الجوية في إمارة العين. وبحسب المعلومات، فإن معظم الطلعات الجوية تنفذ من قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي.
في خضمّ هذا التصعيد الإماراتي، وصل عدد القتلى خلال 6 أيام في معارك شبوة إلى أكثر من 600 قتيل و1500 جريح، بحسب إحصاءات موثقة، فيما تمكَّنت القوات المسلّحة من إخراج 3 ألوية من الخدمة بعد قتل قادتها وأفرادها وأسر المئات منهم.
وفي خضم التصعيد أيضاً، تبرز مؤشرات استهداف القواعد العسكرية الإماراتية والمطارات والمنشآت بالصواريخ التي باتت صنعاء تملكها بكميات هائلة ووفيرة، علاوةً على تطويرها في مدياتها وقوتها التدميرية، إضافةً إلى المسيّرات التي استطاع التصنيع العسكري أن ينجزها، من خلال سياق التصعيد الأخير، وأيضاً الرسائل التي وجّهتها صنعاء سياسياً وإعلامياً خلال الأيام الماضية.
كان يمكن أن تقضي الإمارات فترة هدوء أطول، لكنّها اليوم، وبحسب المعلومات معرَّضة للضربات الصاروخية والجوية التي ستطوي معها فترة الهدوء وتكسر الجرة، فالجناية التي ارتكبتها بالتصعيد في شبوة كبيرة جداً، وثمنها كبير. وفي المثل، يقال “جنت على أهلها أو على نفسها براقش” (براقش اسم كلبة، كما يقال، كانت تعيش مع قومها. وقد أغار قوم عليهم، فنبحت، فنبّهت إلى قومها، فقاموا، وذهبوا إلى جرف صخري ليختبئوا فيه، فبحث الغزاة عنهم، ولم يجدوهم، ولكن حين هموا بالانصراف، نبحت الكلبة براقش، فانتبه إليها المقاتلون، ووصلوا من خلالها إلى قومها فقتلوهم، وقتلوها أيضاً، فقيل: على نفسها جنت براقش).
ولن تطال الإمارات عنب اليمن جزاء ما تدّعيه من إنجازات حقّقتها في شبوة. ما ستجنيه هو الأشواك في شكل ضربات صاروخية وجوية بالمسيّرات جزاء أفعالها في العدوان على اليمن، بعد أن كانت فرصة نجاتها وفيرة؛ فبعد تصعيدها الأخير على محافظة شبوة باتت مؤشرات ضربها مؤكدة، ولا أعتقد أنّ القيادة في صنعاء ستلقي بالاً لأي رسائل أو اتصالات تصالحية تهدئ الموقف، فالإمارات استخدمت هذا التكتيك طويلاً، ولم تعد تُصدق، كما أنَّها لم تكن عند التزاماتها، ومن الله النصر والفرج والعون.
المصدر : الميادين