تعددت متطلبات التنمية ما بين بشرية وزراعية وحيوانية وصناعية وتجارية وغيرها من المجالات التي غاب الاهتمام بها في المجتمع اليمني لأكثر من ثلاثة عقود، ولأن المشروع القرآني قد جاء رحمة للناس فقد عاد الأمل لنهضة تنموية تعددت فروعها ومجالاتها التي يؤمل من خلالها نهضة الوطن والمواطن، فهي سر كرامة الإنسان الذي عانى ويلات الإذلال وهو ينتظر رغيف خبز من منظمات وِجدت لتنمية الفساد في البلدان التي ارتهنت حكوماتها للعمالة ولتنفيذ مخططات الدول الأجنبية.
أحيا المشروع القراني المجتمع اليمني وأعاد إليه حيويته ونشاطه، بل وأعاد لـ “الرعوي” أو المزارع مكانته وأهميته في المجتمع كأحد ركائز أي خطة تنموية، حيث كان قديما هو من يتحمل مسؤولية توفير الغذاء للشعب، وأيضا ما يمثله نشاطه من توفير دخل قومي حقيقي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، لذلك فقد تعمدت المنظمات الغربية وبتواطؤ الحكومات السابقة طمس مفهوم التنمية، وحجمت الزراعة وقللت حجم الإنتاج الزراعي، وكانت تلك خطوة مثلت مكمن الخطورة ومكنت العدو من السيطرة على الشعب والبلد.
هناك مجالات واسعة للتنمية والتي لا بد من التطرق إليها بشكل موجز لتبيين الخطورة التي تحرك من خلالها العدو مبكرا لتغييب حقيقة التنمية عن وعي المواطن اليمني حتى أصبح أخيرا ضحية للحصار، وكانت تلك النتيجة المحتومة لشعب “يأكل مما لا يزرع، ويلبس مما لا يصنع!”.
أولاً: التنمية البشرية
تحرك العدو منذ زمن بعيد لمحاربة أي تنمية بشرية حقيقية بحرب ناعمة وباردة، وذلك أولاً بتقديم مشاريع وبرامج تحث على تحديد النسل من خلال وسائل تهدف لتقليل العدد البشري خاصة في البلدان العربية، وقد تحملت المنظمات الغربية والمرتبطة بمشروع أكبر بتقديم وعي زائف للأسرة اليمنية وزرع ثقافة استعمارية غربية في أوساط المجتمع، تحت عناوين لطالما كانت تتعنون بمسميات “صحة المرأة” و “وتوفير الدخل” لليمنيين.
وكان ذلك في اتجاه استهداف (الكم)، وهناك الجانب الآخر وهو لا يقل خطورة وذلك باستهدافهم للمناهج التعليمية والتأثير على نوعية القوة البشرية المتعلمة والواعية، والتي تعتبر حجر الأساس لأي تنمية حقيقية في أي مجتمع، حيث حرصوا على أن تكون المناهج خالية من أي منتج معرفي حقيقي يعي طرق التنمية الصحيحة، وإنشاء أجيال تحمل ثقافة استهلاكية مضطردة لتضمن أن يظل اليمن سوقا استهلاكيا للمنتجات والخدمات الغربية.
ثانياً: التنمية الاقتصادية
كانت الخطوة التالية لعملية الاستهداف تتمثل في تغييب أهمية التنمية الزراعية، والتي هي عصب الاقتصاد المحلي لأي بلد من بلدان العالم، ولأن اليمن قد عرفت بخصوبة أراضيها منذ الأزل، عمل الأعداء على محاربة الزراعة والمنتجات اليمنية بإغراق السوق بمنتجات زراعية خارجية رخيصة الثمن، وذلك كان عاملاً مؤثراً على قدرة المزارع اليمني.
ومن ناحية أخطر فقد عمدوا إلى إدخال مبيدات ومواد سامة وضارة استطاعت التقليل من جودة المنتج اليمني، والتأثير على خصوبة التربة الصالحة للزراعة، في ظل تواطئ حكومي لتحقيق أهداف شخصية وتنفيذ أجندات خارجية هدفت إلى تجويع الشعب اليمني، بجانب الخطوات التي حاصرت المزارعين مثل تعدد أزمات المحروقات والآلات والمعدات الحديثة والمهندسين الزراعيين، وانتشار الأوبئة، وغيرها من الخطوات التي جعلت من المزارع اليمني يعزف عن الزراعة ويتحول لفرد مستهلك للمنتجات الخارجية، وجعلت من الأراضي والوديان اليمنية الخصبة ذات المساحات الواسعة أرضا قاحلة لا فائدة منها.
ثالثاً: التنمية الحيوانية
من الغريب أن نجد بلدا كاليمن والمشهور بمراعية الواسعة وثروته الحيوانية الضخمة في الماضي، وقد الأصبح اليوم يعاني من شحة الثروة الحيوانية وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وفي ظل ازدياد ما يتم استيراده من الخارج من لحوم مجمدة “ميته” عن طريق شركات يمتلكها أشخاص متنفذون في السلطة آنذاك، وبالتالي كانت نتيجة حتمية لما قامت به المنظمات من نفث سمومها على المجتمع الريفي بحرب ناعمة كانت نتيجتها ما نراه اليوم في الواقع.
فالهدف من الحرب الناعمة التي قامت بها المنظمات الغربية هو القضاء على الثروة الحيوانية حيث غُيبت أهميتها وطمس الاهتمام بها كأحد ركائز التنمية، والتي نهضت بها أمم ودول كانت في الحضيض، ولهذا كانت الحرب الناعمة هنا تتحرك بمبررات التمدن والتطور مستهدفة الأرياف، حتى نظر صاحب الريف إلى نفسه بأنه إنسان ناقص ولا بد له من التمدن وترك حياته المرتبطة بتربية المواشي، وكان هذا مما تحقق للعدو كنقطة مهمة في اليمن، وتم تغييب أهمية تربية المواشي والاستفادة منها كعمود اقتصادي للدولة ودخل مادي للمواطن، وجميعها خطط ممنهجة لاحتلال اليمن اقتصاديا.
رابعاً: التنمية الصناعية
لم يتوان النظام السابق عن تحقيق الأجندات الخارجية والتي كانت تملى عليه في الغرف المغلقة مستهدفة الشعب ومستقبله، فقد حورب المواطن المبدع الذي يحب البحث والاختراع والابتكار كي يسمو به وطنه بين الأوطان، ولو لأتينا إلى واقع اليمنيين فقد نتحدث عن واقع التجهيل المتعمد في ظل البطالة المصطنعة!! لذلك ووفق عملية استهداف ازدهار اليمن فقد قرر العدو تقييد اليد الصانعة والمبدعة، ومحو وجودها وقدم البديل منتجات خارجية متنوعة.
لم تكن للدولة آنذاك دراسات ومخططات تشمل التنمية الصناعية والاقتصادية، ولم تضع حتى سياسات خاصة بالبلد للحد من الاستيراد والدخول ضمن حلول الممكن للتصدير الخارجي، لذلك نجد اليمن على ما هو عليه اليوم يحاول النهوض من تحت خط الصفر محاولا التصنيع والابتكار في زمن كان يفترض فيه إن اليمنيين قد وصلوا فيه إلى مستويات ولو بسيطة في هذا المجال كما باقي الدول، لكنها حرب انتصر العدو فيها بجدارة مستغلا خنوع الشعب وعمالة النظام.
ـ الواقع وخلاصة النهضة التي تطلعت لها ثورة الـ21 سبتمبر
عانت البلد من مفهوم مغلوط للتنمية لعقود، وغيب المفهوم الصحيح المرتبط بالمشروع القرآني الذي رسمه الله تعالى لجميع خلقه كمنهج وسنة إلهية حصّن الله بها المسلمين من الوقوع في شراك وخطط العدو.
لذلك وعقب الثورة المجيدة لـ21 سبتمبر فقد تحددت مسارات ووجهة وطنية بحتة الغاية منها النهوض بالوطن والمواطن من آفة الاستهلاك والبطالة إلى الاكتفاء الذاتي لحفظ الكرامة ونيل الاستقلال.
وكانت البصمة الواضحة في مشروع النهوض بالتنمية الصحيحة هي لـ مؤسسة بنيان والتي التمس منها الشعب عملاً عظيماً في جوانب عدة في الزراعة والحث على الصناعة وفتح المعامل وإقامة الدورات التدريبية في مختلف المجالات، لتتحول بنيان مؤسسة للشعب ومن أجل الشعب، وهذا المشروع اليمني الخالص بحاجة لمزيد من الاهتمام الحكومي والشعبي لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تصب في مصلحة نهضة تنموية حقيقية لبناء اليمن الحديث، والله معنا.