زمن الانتصارات
يكتبها اليوم / عبدالرحمن مراد
حقق أشبال اليمن نصرا كسر شوكة الغطرسة السعودية، وخرجت الجماهير اليمنية في كل مدن وشوارع اليمن ابتهاجا بالنصر الكروي الذي تحقق على مملكة الشر، ويبدو أن مشاعر أهل اليمن المكبوتة تفجرت في التعبير عن الحدث، فالذين كانوا على الولاء، والذين يواجهون عدوان السعودية جمعتهم مشاعر الانتصار، وفي ذلك ما فيه من الدلالة القطعية التي تقول بواحدية الهدف وواحدية المصير، وتقول ببداية مرحلة الانتصار وانحسار مراحل الهزائم .
ثمة علاقة بين البأس الشديد الذي وصف الله به أهل اليمن وفق الكثير من المفسرين وبين ما حدث من نصر كروي، فالحالة التراتبية تبدأ من القدم ثم تتدرج إلى الساعد واليد، وتتدرج لتصل إلى العقل، فقد كانت البداية من حركة الأقدام، وتحقق بأسها واعترف الكل بانتصارها، ويلي ذلك حركة الكف والساعد وقد قرأنا تباشير انتصارها في الكثير من العمليات العسكرية، وفي امتلاك روح المبادرة والتحول من موقع المدافع إلى موقع المهاجم، وفي ذلك ما يدل على التحول في مسار معركتنا مع مملكة الشر ومن شايعها، وقريبا يعترف العالم بهزيمة مملكة الشر وانتصار بأس أهل اليمن، وفي ذلك بيان وعظة لكل الغزاة الذين يفكرون بغزو اليمن ولم يصدقوا التاريخ فالعبرة تجددت اليوم وأصبحت رأي العين .
معركتنا بدأت وهم من اختار زمن البداية وقد تستمر ما شاء الله لها أن تستمر، لكن في آخر المطاف نحن في اليمن من سوف يقرر متى وكيف تنتهي ؟ وهنا تحضر الحكمة التي امتاز بها أهل اليمن عن سواهم، فالطفل اليافع الذي قادته مشاعره الوطنية إلى أن يركز راية اليمن في وسط الملعب لم يكن يدرك جوهر الرمزية التي كانت مقادير الله تريدها أن تتحقق في قابل الأيام، والزمن في خارطة جزيرة العرب، لا أرى مملكة الشر ستكون ذات شأن فقد بدأ قرنها بالانحسار، وبدأت عراها تنحل وغدا سنصحو على تراجيديا النهاية الحزينة لدراما مملكة الشر ومعها تتوارى كل الشرور والمآسي التي أصابت الأمة منذ بدأ نجمها بالصعود مطلع القرن الماضي من الزمان، وهي اليوم بعدوانها على اليمن تعلن – من خلال ما اقترفته آلتها الحربية وقنابلها المدمرة – الهزيمة وتسليم الراية لليمن كي يقود العالم الإسلامي ويستعيد مجده التاريخي والحضاري الذي حاربته عليه مملكة الشر منذ نشأتها إلى زمن الجرائم التي تقترفها في اليمن عبر آلتها الحربية وعبر مرتزقتها .
يقرأ الكثير من أرباب السياسة واقع اليمن اليوم، ويرى أن قدرة اليمن على الصمود أمام أكبر تحالف دولي يحدث في التاريخ جعلت منها قوة عسكرية، وبالتالي سيجعل منها قوة سياسية وثقافية ذات أثر عميق في بنية المجتمعات العربية والإسلامية، في حين سوف تشهد مملكة الشر انحسارا وتفككا وتشظيا، فقد تتحول إلى دويلات موزعة على أسس طائفية وعرقية وثقافية، وقد برزت مؤشرات ذلك في واقعها الثقافي والسياسي والاجتماعي، ولعل النظام السعودي من الغباء بالمكان الذي لا يدرك حجم المؤامرات التي يحيكها له من يظهرون صداقته وحمايته , فالغباء قد يقودهم إلى منحدرات النهاية من حيث لا يدركون، ونحن نعلم أن السعودية تنقاد ولا تقود، فظروف نشأتها ترتبط بمصالح المستعمر البريطاني ولا يمكنها أن تحيد عن ذلك قيد أنملة، وإن حادت تجد العصا الغليظة مسلطة على رأسها .
كل أهل اليمن اليوم يتحدثون عن بداية جديدة ومرحلة جديدة في حياتهم وهم يدركون أن مبدأ سيادتهم على أرضهم يعني حريتهم وكرامتهم وهم من أشد الأمم حرصا على السيادة والكرامة والعزة، فالموت عندهم يهون مقابل عدم الخضوع والاستسلام لهيمنة الدخيل ، تجد ذلك أصيلا في ثقافتهم وفي أعرافهم وفي أسلافهم وفي أمثالهم السائرة.. ولعل اللحظة الراهنة التي يعيشونها اليوم تقول لكل مكابر إن عصر الهزائم قد ولى .
لا شك أن ثمة مرحلة قد بدأت في حياة الأمة لا تشبه ما قد كان ولكنها سوف تصنع ما سوف يكون في قابل الأيام، قد يرى الكثير في العدوان ضررا بالغا لكن وفق المنطق وطبيعة الأشياء ليس كل العدوان شر مطلق فقد يصنع بأسا ويعيد ترتيب الأشياء وفق مشيئة إلهية جديدة، وهذا ما يمكن قراءته كمؤشرات في حركة التفاعل اليومي مع مفردات العدوان وتداعياته وآثاره وردود الفعل حوله سواء النفسية أو الثقافية أو الاجتماعية، فالعدوان صنع وعيا جديدا، وحدد مسارا مستقبليا لليمن ما كان أن يكون دون هذا الصهر الحقيقي الذي حدث، فالمهمات المستقبلية الكبرى تحتاج إعدادا يتسق وطبيعتها، ويبدو أن مهمة اليمن المستقبلية ستكون بحجم الإعداد وبحجم حركة التحول الذي حدث خلال ما سلف من سنين العدوان .
لا أرى أن اليمن ستواجه خسرانا في قابل أعوامها وأيامها فقد تحركت عجلة الانتصارات وأدبر من فألها شؤم الهزائم التي كانت تلازمها في العقود التي مضى زمنها، هي اليوم في بزوغ يبهر كل من وقف أما حقائقه ومعطياته في الواقع، لقد تجاوزت مرحلة الهزائم بالحفاة الذين أهانوا فخر الصناعات العسكرية الأمريكية ورفعوا راية اليمن عاليا، وأحرقوا أجسادهم كي يعلو شأنها ووهبوا الدماء كي يضيء اسمها وجه الزمن .