كيف حاول الاحتلال البريطاني سلخ الجنوب عن هويته اليمنية ؟وكيف تعيد صنائعها في المنطقة المحاولة؟

بقلم/ عبدالملك العجري

 

تاریخیا الیمن شعب وإقلیم واحد وفي فترات متقطعة كان یحكمھ دولة او سلطة مركزیة واحدة كما حدث في جزء من عھد مملكة سبأ التي فرضت شكلا من الوحدة الاتحادیة بین الامارات والقبائل الیمنیة ،وكذلك المملكة الحمیریة التي وحدت الیمن- في فترة من فترات حكمھا -تحت سلطتھا المركزیة ,وبالمثل الدولة القاسمیة نھایة العصور الوسطي ,وفي معظم الفترات كانت تتقاسمھا وتتنازعها عدة دویلات وامارات قبلیة متزامنة ومتعاقبة في الشمال والجنوب ،وكانت خارطة الحدود السیاسیة لھذه الدویلات متحركة باستمرار ولا تقف عند خطوط ثابتة تقسم الیمن الى شمال وجنوب ،كما هو الحال في النصف الثاني من القرن العشرین عقیب ثورة أكتوبر ،بل كانت تقسمھ بخطوط متحركة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا .وفي التقسیم الإداري للسلطنة العثمانیة ،اخر سلطة مركزیة للعالم الإسلامي، كانت الیمن ولایة واحدة ,وفي حین كان الاتراك یسیطرون على شمال الیمن كانت بریطانیا الاستعماریة تحتل عدن وتفرض حمايتها على سلطنات ومشائخیات المحمیات الشرقیة والغربیة بالاتفاق مع سلاطینھا ضد السلطة العثمانیة في شمال الیمن .وبعد انسحاب الاتراك  وقیام المملكة المتوكلیة طالبت الأخیرة بوحدة الأراضي الیمنیة وسیادة الیمن على عدن والمناطق الواقعة تحت الحمایة البریطانیة ،وفي سبیل ذلك حرك الامام قواتھ نحو الضالع ولحج ،ودعم الانتفاضات القبلیة في المھرة وشبوة وعدد من المناطق الجنوبیة ,وبعد قیام الجامعة العربیة وانضمام الیمن كعضو مؤسس حصلت على تأیید الجامعة العربیة واعترافها بيمنية الاراضي الواقعة تحت الاحتلال البريطاني.

لمواجھة مطالب الدولة المتوكلیة بوحدة الأراضي الیمنیة ،عمدت بریطانیا لوسائل ضغط عسكریة وسیاسیة واقتصادیة ،فاستعانت بتفوقھا الجوي لوقف تقدم جیش الدولة المتوكلیة ،واضطرار الامام الى التراجع امام قصف الطائرات ،ومن جھة أخرى تسييس  التنوع المذهبي ومحاولة تحويل الهوية الاجتماعية المذهبية لهوية سياسية ،فبريطانيا ھي اول من اخترع حكایة شوافع وزیود ، وشجعت وجاھات اجتماعیة في الحجریة والبیضاء وتھامة وغیرھا للانفصال عن الدولة المتوكلیة الزیدیة (بموجب اتفاق دعان اعترفت الدولة العثمانیة بالأمام یحي اماما روحیا للزیدیة في شمال الشمال لكن بعد انسحاب الاتراك وقیام المملكة المتوكلیة اعلن الامام یحي نفسھ ملكا للیمن أي انھ كان یحكم الیمن بصفتھ ملكا للمملكة الیمنیة ولیس بصفتھ اماما زیدیا )واقامة كیانات شافعیة على غرار المحمیات الشرقیة والغربیة وتمكنت الدولة من احباطها والحفاظ على وحدة الشمال السياسية ،ومع تصاعد الروح القومیة في المنطقة العربیة ودعوات الوحدة القومیة والوطنیة سیما بعد ثورة یولیو عملت سلطات الاحتلال على اثارة مخاوف السلاطین من خطورة مطالب الوحدة الیمنیة على حقوقھم وامتیازاتھم ،واخترعت لھم ما سمي حینھ باتحاد الجنوبي العربي في محاولة لسلخ الجنوب من ھویتھ الیمنیة .نددت الحكومة المتوكلیة بھذه الخطوة واعتبرتھاخرقا لھدنة ١٩٣٤م ،ولتقویة موقفھا ضد السلطات الاستعماریة تحالفت  مع الجمھوریة المتحدة وحصلت على تأیید الجامعة العربیة والدولة العربیة ،ودول المعسكر الشرقي.

وقوبلت جھود بریطانیا لبث الروح في ھذا المولود الاستعماري المشبوه اتحاد الجنوبي العربي برفض عربي ویمني واسع في الشمال والجنوب .

وفي الستینات من القرن المنصرم صدر

الإعلان العالمي لتصفیة الاستعمار وحق الشعوب في تقریر مصیرھا ،والقرارات الأممیة التي طالبت بریطانیا بتصفیة ارثھا الاستعماري للجنوب واحترام حق الشعب في تقریر مصیره بنفسھ , وجاءت ثورة ٢٦ سبتمبر لتسقط من أیدیھم ذریعة الورقة المذھبیة التي كان یتذرع بھا عملاء الاستعمار, كل ھذه العوامل -إضافة للوجود المصري في شمال الیمن واستعداد مصر

لدعمھما- هيأت لقیام ثورة ١٤ أكتوبر التي انھت مشروع اتحاد الجنوب العربي ومعھ أحلام الاحتلال وعملائھ من السلاطین بسلخ الجنوب عن ھویتھ اليمنية وتشكیل نظام تابع في عدن .

اما بالنسبة لقضية الوحدة اليمنية التي كانت مطلبا للشعب في الشمال والجنوب، وهدفا للثورتين سبتمبر واكتوبر ،فان لتطورات على الصعیدین الإقلیمي والیمني اعادتها الى مربعات متأخرة على خلاف تعھدات قیادات الثورتین ،وعلى خلاف ما كان متوقعا ان قیام الثورة في الجنوب سیوحد الثورتین في ثورة واحدة ویمن واحد ،فعقیب الاستقلال في ١٩٦٧ اعلنت الجبھة القومیة عن ولادة جمھوریة الیمن الدیمقراطیة الشعبیة واصبح لدینا یمنین وبمعنى اصح شعب یمني واحد ودولتان یمنیتان .

إقلیمیا فنتیجة للارھاق المصري من الوجود في الشمال والتحرشات الإسرائیلیة ومحاولة مصر توحید الموقف العربي خلف مصر ضد أي مواجھة محتملة مع إسرائیل كان لھا انعكاسات سلبیة على الیمن وعلى علاقة مصر والنظام في الشمال بالجبهة القومية ،وفي مفارقة تاریخیة اعلن الرئیس الیمني عبدالله السلال في مؤتمر القمة العربیة ١٩٦٣عن حق الجنوب في تقریر مصیرة وھي المرة الأولى التي یتخلي فیھا حاكم یمني عن المطالبة بوحدة الأراضي الیمنیة

اما یمنیا فعلى راس ھذه العوامل الافتراق الأیدیولوجي لنظام الثورتین فسيطرة الاخوان على ثورة سبتمبر والیسار على ثورة أكتوبر ادخل مسارھما في مفترق طرق ،ولتوضيح الصورة اكثر فان الاخوان كانت اعینھم على الیمن منذ الأربعینات ،وزعیم الاخوان حسن البنا أشار الى ان الیمن بلد بكر أیدیولوجیا وبعید نسبیا عن المناخ القومي والعروبي المسیطر على المنطقة خصوصا مصر والشام والعراق ویمثل ساحة مناسبة لنشاط الاخوان ومن اجل ذلك بعث الورتلاني ،وارادوا ان یكون الیمن ساحة لتقدیم نموذجھم في الحكم وفقا لنظام الحاكمیة وبعد ثورة سبتمبر نجح تحالف الاخوان مع القوى التقلیدیة وبدعم من السعودیة في تشكیل ھویة نظام ثورة سبتمبر خصوصا عقیب انقلاب ١٩٦٧م ,

في المقابل رات حركة القومین العرب ان الجنوب بعد سیطرة الجبھة القومیة على السلطة قد یكون الساحة المناسبة لبناء نموذجھم ونموذج الیسار الثوري في الحكم ولتكون منطلقا لتعميم ونشر النموذج القومي التقدمي في المنطقة بمساعدة حركة القوميين العرب.

وفي كل الأحوال فشل كلاھما في بناء نموذجھما كما خیل لھما لأسباب لسنا بصددھا غیر ان میراثھما في بناء الدولة وبناء مجتمع حدیث كان مختلفا وان نسبیا وسنحاول لاحقا المقارنة بین التجربتین في سیاق مقاربة ازمة الدولة الیمنیة الحدیثة .

 

قد يعجبك ايضا