هجر اللغة العربية

عبدالوهاب سنين

اللغة العربية من اللغات الرائجة، وقد لهث المستشرقون في تعلمها والغوص في منابع نثرها وشعرها، ولكن مما يؤسف له أن هؤلاء العجم حاول فصيل منهم النيل من التراث العربي ببث تمييعها في المدارس والجامعات العربية من خلال البعثات الاستشراقية في مصر وغيرها، أيضاً استطاعوا استقطاب رفاعة الطهطاوي في فرنسا، وكان الطهطاوي من ضمن البعثة الطلابية المصرية إلى فرنسا، وهناك أُفرغ رفاعة من ثقافته العربية، وأوكلوا له مهمة انشاء مدارس الألسن في مصر بعد أن تشرب في فرنسا نقيع الاستشراق، والغرض من ذلك هو وائد اللغة العربية واعوجاج اللسان العربي في المدارس والجامعات العربية.
ومما يؤسف له تنصل العديد من الكُتَّاب والشعراء عن اللغة العربية، وليت شعري كيف سيكون نِتاجهم بلغةٍ باهتة مكسرة لا لون فيها ولاحياة، ولا شك أن الأحرف الهجائية في متناول الجميع، ولكن حين يُقدم على الكتابةِ من ليس له باع في اللغة ستجد في كتاباته الركة والضعف، والتنافر بين كلماته التي رصها كما تُرص الأحجار الصماء، وكم حاول دعاة العامية تمييع هذه الثروة الباذخة بدعوى الحداثة، وقد ظهرت الدعوى إلى العامية في سنة 1880م على يد الألماني ولهم سبيتا مدير الكتب المصرية في العصر الغابر، ووليم ولكوكس سنة 1893م، واسكندر المعلوف سنة 1902م، وأحمد لطفي السيد سنة 1913م، والأب مارون غصن سنة 1925م، وأنيس فريحة سنة 1955م.
وهذه الدعوة مفادها قطع علائق العربيّ وتغريبه عن تراثه الثر كان نثراً أو شعراً.
ومثال ذلك مقال للدكتور العربي علي الوردي، في كتابه (( اسطورة الأدب الرفيع)) قال في المقالة الحادية عشرة تحت عنوان ( حقيقة الشعر الجاهلي) : (( كنت في صباي أسمع الأدباء يتحدثون عن الشيء المشهور جداً فيقولون عنه أنه أشهر( من قفا نبك) وكنت أعجب وأسأل من يكون هذا الـ(قفا نبك) ياترى؟ ثم تبين لي أخيراً أنه مطلع قصيدة لا مرئ القيس :
قفا نبكِ من ذِكْرَى حبيب ومنزلِ
بسقط اللوى بين الدَّخول فحوملِ
فأصحابنا لا يضربون المثل بعمل مجيد من أعمال العلماء أوالمخترعين أو المصلحين إنما هم يضربون بدلاً عن ذلك بقصيدةٍ شوهاء نظمها بدويٌ مستهتر في قديم الزمان … ولا أزال أتذكر كيف كان المدرسون في المدارس الثانوية يفرضون علينا قصائد من الشعر الجاهلي، ويريدون من أن نفهمها وأن نعجب بها في الوقت ذاته، وأظن أولادي يعانون اليوم من هذا البلاء مثل ما عانيت منه بالأمس، وليت شعري متى يرتفع هذا البلاء عن عباد الله)).
هكذا تحدث الدكتور الوردي بهذه العُنجُهية التي تنم على جفاءٍ وبعدٍ شديدين عن التراث العربي السامق ، ولكن كما قيل (( المتكلم في غير فنه يأتي بالعجائب)).
وهذه الأيام نرى في الساحة عدداً من الإصدارات الأدبية، ولكنها ظهرت متلفعة بالضعف تنادي على أصحابها بعدم الاطلاع، وليس فيها سوى جمال الطباعة والأوراق المصقولة.
والواجب على كل كاتب وشاعر حَمل يراعه بين سبابته وإبهامه أن يجعل الفصحى دِثاره ومسرحاً ينهل من حياضه، من أجل نِتاجاً أكمل مكللاً بجمال العبارة وألق الكلمة، وإن كان لي من قولٍ أخير فأقولُ : دامت العربية وساماً يتقلد به الكُتَّاب والشعراء، وبدون العربية نجد العُجمة التي أسبلت ظلها الثقيل على الكثير من الكِتَاباتِ المنشورة ، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.

قد يعجبك ايضا