لقد كان لمولد النبي محمد “عليه وآله الصلاة والسلام ” في شهر ربيع الأول من عام الفيل أثر عظيم، ألقى بظلاله النورانية على تاريخ البشرية جمعاء، حيث كانت ولادته “صلوات الله وعلى آله” بمثابة التحول العجيب والباهر في شتى مناحي الحياة، باعتبار أنه “صلوات الله عليه وآله” هو المنقذ الوحيد لنهج الأنبياء والرسل “عليهم السلام” وما ورد في دساتيرهم الربانية، لمن حظي منهم بذلك الشرف في حمل دستور الله على أرضه ليبلغهم به، كالتوراة والانجيل اللذين عُمد في تحريفهما عن الكيفية التي وردت بهما، والتي حكى لنا القرآن الكريم الذي هو دستور هذه الأمة المحمدية، عن كيفية مجريات الأحداث للأمم السابقة مع الأنبياء والرسل “عليهم السلام”، فكانت أحداثاً مضنية وغير متمسكة بما أرسل به أنبياؤهم ورسلهم، فحدثت الأفاعيل من جرم في حق رسل الله وأنبيائه ومن تبعهم من قلة القوم، وبذا خرج مراد الله في أرضه وبين خلقه بخروج كل قوم عن ما كلفهم به عبر الأنبياء والرسل، فمنهم من أستحق العذاب، ومنهم من مكروا ومكر الله وهو خير الماكرين، ومنهم من استبدل بهم قوماً آخرين، إلا قوم يونس آمنوا برسالته فكشف الله عنهم الخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
لذا فمولد النور محمد “صلوات الله عليه وآله” كان حدثاً مفصلياً في حياة الناس، كونه قد أخرج البشرية من ذلك الظلام الذي لاحقهم أباً عن جد بظلم منهم لأنفسهم، حين لم يتبعوا نهج الله ورسله حق الاتباع، فكانت عندها حياتهم كظلام وعمى عليهم، لم يلبث أن أرداهم في العذاب المهين للدارين، الأمر الذي انتهى المطاف بمنهج الله ومراده في خلقه من البشر عند خاتم رسله وأنبيائه محمد رسول الله “صلوات الله عليه وآله” لخاتم أمة، وهو بحيث ينقشع ذلك الظلام الذي أودى بالأمم إلى الجحيم إلى نور من نور الله تمثل بشخصه “صلوات الله عليه وآله” وما أنزل عليه من دستور محفوظ منه سبحانه بالكتاب المبين القرآن الكريم، الذي هو هدى ونور.
إن المتأمل في واقع الأمة المحمدية اليوم، يجد أن هناك ظلاما مفتعلا يجثم على كيان هذه الأمة المعظمة بعظمة نبيها (ص)، رغم انبثاق نوراً الله على هذه الأمة بنور رسول الله في يوم مولده، والذي معناه أن لا ظلم ولا ظلمة ولا عتمة قد تصيب هذه الأمة بعد تاريخ مولده (ص)، كون ما ألقاه الله عليه نور من نور إلى نور يدوم مع كل يوم وليلة تمر على كل فرد حظي بشرف انتمائه لهذه الأمة، كيف ذلك ؟ عندما عم الظلام على الأمم السابقة بسبب المخالفة والتحريف لدستور الله، فالظلام ذنوب ومعاص تجثم على القلب والأفئدة، قال تعالى :” فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ” ، فالعمى عدم الرؤية، وعدم الرؤية احتجاب الرؤيا بسبب الظلام، فهي ظلمة، وبذا فحفظ الله لنبيه محمد “عليه وآله أفضل الصلاة والسلام” من ما قد يحاك عليه فيصاب بأي مكروه قد يعيق إتمام تبليغه لرسالته كي يتأسى به الناس من بعده، لقوله سبحانه :” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ” ، وكذا حفظ دستوره سبحانه المنزل على نبيه محمد كتاب الله وكلامه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لقوله سبحانه :” إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ” ، فبهذين الأمرين حفظ نور هذه الأمة إلى يوم القيامة – بحكم أنها آخر أمة الزمان ونبيها آخر نبي ورسول – وبحفظهما حفظ النور الذي هو النور المنبثق من هدي الله وهدايته الصادرة من هذين الأمرين، الذي لو رجعنا إلى نفس الأمرين في سابق الأمم والأقوام، لوجدنا أنه عم الظلام بهم حين قتلوا وأعاقوا وآذوا رسلهم، وكذا تحريف دساتيرهم الإلهية المنزلة مع رسلهم، وهنا عم ظلام تلك الأمم وحفظ نور الله لهذه الأمة المباركة، ولذا حين نقول إن هناك ظلاما مفتعلا على هذه الأمة المباركة فإننا نعزو ذلك إلى الأعمال والمؤامرات التي تحاك من أعداء هذه الأمة عبر تشويش وارباك للناس عن الالتزام بنهج الدين القويم، من خلال نشر ثقافة الانبطاح والذل بالعزوف عن الجهاد في سبيل الله والذود عن دين الله وحرماته وموالاة أوليائه والدعوة إلى دين الله، وكذا اغفالهم عن كتاب الله القرآن بالمسخ واللهو واللعب الذي لا يجدي نفعاً، كمداومة اللهث وراء لعاعة الدنيا من خلال تأزيم الأوضاع الاقتصادية داخل المجتمعات المسلمة وتعمد إفقار الأسر وجعلهم عرضة لخطر البطالة والتعويل على الغير لأن ” يد الفارغ من النار”، والانهماك مع النت والقضايا الاجتماعية التي تتكالب في واقع المجتمعات بفعل الغفلة عن ذكر الله وعدم الالتزام بنهجه سبحانه، وأولها نشر الرذيلة وإيجاد طرق سهلة وميسرة للوصول إليها من خلال المواقع الخليعة ومجموعات التواصل الاجتماعية المختلطة وغيرها كثير، والأمر الآخر من خلال تعمد التحريف والتزوير في سيرة وسنة رسول الله محمد (ص)، وذلك بالمغالطة والإضافة والحذف في مآثر النبوة في السير والسنن من أحاديث ومواقف وغيرها، والتي قد لا نطعن في ما ساقه ويسوقه إلينا علماء الدين والملة المشهود لهم بالورع والصدق والدقة والإصابة في الرأي والفتوى، وهو بقدر ما نرغب في مطابقة كتاب الله بسنة رسول الله بحيث يتفقا ولا يتناقضا كونهما وردا من نفس المورود، ولذا فاليتقوا الله علماء هذه الأمة في مستقبل دين وحياة هذه الأمة.
عندما نأتي إلى البحث والتدقيق في قوله سبحانه :” لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ ” فإننا نجد أن عبارة :” لمن كان يرجو” تدل على أنها عبارة ترغيب وتحفيز ومسارعة لمن يرغب بالجزاء العظيم من رب عظيم فعليه بربط كلمة وردت في الأية مرتين وهي “كان” وما قبلهما، ف”لقد كان” “ولمن كان ” فسيكون عند حسن الجزاء من صنيع “ما كان” بالتأسي، ولذا فوجع الأمة هو في من كان وكيف كان ؟ أي أن كلمة “كان” هي مرتكز أمر الإنسان، كون معناها ما كان مني ومنك ومنه ومنها ومنا ومنه ومن جميع أفراد هذه الأمة، بحيث تعني ما كان منك، أي ماذا عملت ؟ كيف كنت في عملك بنفس الكيفية من التأسي بسيد الخلق محمد أم أنك كنت ترغب بغير ذلك ؟ وهكذا، وبذا فعمل كل ابن آدم مقترنٌ بمدى التأسي والاقتداء برسول الله وآله الأطهار وجميع أوليائه الذين أقتفوا آثارهم ، التي كانت منهم وصدرت عنهم امتثالاً لأوامر الله وتأسياً برسول الله (ص)، فتخيلوا معي لو رغب ورهب كل فرد نفسه في كل ما “كان” منه وعنه بمبدأ الأسوة الحسنة رسول الله، فهل تجرأت فرنسا اليوم بالتدخلات التي تحيكها في بعض الأقطار العربية عبر نشر الرذيلة والترويج لها في تونس كي تقلل من الممانعة من نظام تونس لسياسة التدخلات الفرنسية والعمالة لها، وكذا انتهاك أجواء الجزائر ودعوة الماكر ماكرون نظام الجزائر بإعادة صياغة تاريخ بلدهم بحيث يتماشى مع تأييد الاستعمار الفرنسي، وكذا اقحام أنفسهم في شؤون لبنان وكأنها متنزه يخصهم وحديقة تحلو لهم ولن يتخلوا عنها، رغم استمرار الأزمة في البلد وفرنسا تتمظهر وتمظهرها لم يفد في شيء، وكلها تدخلات تدل على مدى ما كان ويكون للحال الذي أصبح عليه العرب أمام أعدائهم، وكأنهم مهزلة الأمم، وهكذا أصبحوا، مع أنهم من أعظم أمة لأعظم نبي !!!.
بل وهذا من دولة فرنسا فقط، التي أقصيت من صفقة الغواصات النووية لأستراليا من حلفائها في الناتو أمريكا وبريطانيا، فعدلت وجهتها بالهروب من نكستها وخيبتها في كيفية التعامل مع حلفائها المتآمرين عليها، وراحت تشبع رغبتها التسلطية باستعراضها على من ؟ العرب !!!، هذا وهل تجرأت أمريكا وحلفاؤها البريطانيون واليهود الصهاينة أن يتلاعبوا ويشنوا حربا عالمية على بلد الإيمان والحكمة لو كان عملاؤهم من سعود ونهيان ومرتزقة يمنيين وجنجويد وغيرهم كانوا جميعهم يتحلون بمبدأ الأسوة والتأسي برسول الله وما كان ويكون ناحية من ينتمون إلى أمة محمد من أبناء يمن الإيمان والحكمة، ولكن للأسف ما يحصل هو العكس بل وأخبث من أعداء الملة المحمدية أنفسهم، وذلك حين أبتعدت الأمة عن التأسي برسولها، صارت أضحوكة ومسرح العالم للعب بالسلاح والنار وتجريبه عليهم، بل وتطبيق جرم السياسة ومكرها وخبثها في أرض الإسلام والعروبة، حتى مضت سبعة أعوام على عدوان بربري من التحالف “السعوامريكي” على اليمن وشعبه والتآمر عليه ومصالحه ومكتسباته بلا أي حياء من الله ورسوله والناس من أمته !!! ولا من يقلهم ” استحوا وابتعدوا”، قال تعالى :” قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” وقال عز من قائل :” وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ”.
،،ولله عاقبة الأمور،،.