كرة القدم.. مزاجه الرائق 

ليس هناك ما هو أروع ولا أجمل من ذلك الزخم الجماهيري الذي يواكب فعاليات خليجي 20.. وليس هناك ما هو أعمق من دلالات «تلقائية» تعزز في النفوس أواصر التقارب والالتقاء والانتماء لوطن ذابت فيه «الخلافات» في فنجان الاتحاد قوة.
نعلم أن جمهورنا الوفي لا يحتاج إلى «دعوات» ولا إلى «تذاكر».. وأنه لا يفكر إلا في كيفية الوصول إلى الملاعب لتأمين الحضور مهما كانت ظروفه ومشاكله ومشاغله.
وجمهورنا الذي دأب يهتف للقومية العربية.. هو ذاته الذي تعلق بفاتنة الملايين وبات يبادلها الحب العفيف مهما كلفه عناء هذا الحب من «فلوس».
جمهورنا العظيم.. لا يحمل بطاقات ائتمانية.. ولم يسبق له أن لف بلاد العالم للوصول إلى قرية «الكلاسيكو».. لكنه رغم ذلك يزحف خلف الكرة.. يطاردها وتطارده.. وهو جاهز لأن يفرغ ما في جيبه لتدبير ثمن تذكرة دخول ملعب تتدحرج فيه الفاتنة فكيف سيكون الحال عندما ترسو سفن خليجية قادمة من سبع دول لتتنافس على لقب خليجي.. الدورة التي طالما تعلق بها هذا الجمهور الذي ملأ مدرجات الملاعب ضجيجاٍ وصخباٍ.
ليس مهماٍ عند جمهورنا من يفوز.. المهم عنده أن تتركز حواسه على الفاتنة.. يعطيها من طرف لسانه حلاوة وزغرودة مع كل مراوغة ذكية أو تمريرة تسحر الالبات أو هدف حتى إن كان نتاجاٍ لنيران صديقة.
في اليوم الأول لخليجي 20.. تألق جمهورنا.. كسب جولة المساندة بهتافاته الحضارية للجار قبل الدار.. وإذا كان منتخبنا قد سقط سقوطا مدويا في الجولة الأولى أمام المنتخب السعودي فإن جمهورنا بعقلانيته وروحه الرياضية.. عوض ذلك السقوط في دلالة أنه كان الحكاية الجميلة التي لاكتها ألسن التحليل في اليوم الأول .
حتى ومرارة الهزيمة في الافتتاح تركت في الحلوق مليون غصة.. إلا أن تلك المرارة لم تكن لتكبس حناجر الجماهير وهي تستعيد توازنها.. تبارك للأخضر السعودي وتهتف له وتحييه بزخات من الهتافات المدوية التي دفعت بقائد الأخضر لأن يتأثر ويسجل شهادته للتاريخ قائلا :
شكرا للجمهور اليمني الذي حيانا وهنأنا.
> ذات مرة قال المدرب البرازيلي الشهير ماريوزا حالو وقد كان يومها يدرب المنتخب السعودي: الجمهور اليمني يجعل الصخور تنطق.. أعطوني مثل هذا الجمهور – أعطكم بطولة .
> وإذا كانت هذه الشهادة في نظر بعض المشككين مجاملة خصوصا وأن المدربين الأجانب دأبوا على توزيع المجاملات بالمجان بحكم العادة التي قطعها علاوة.. فإن واقع خليجي 20 يؤكد بالصوت والصورة وشاهد الحال أن جمهورنا يستحق ما يقال فيه من اطراء ومديح خصوصا وقد قدم بالأدلة الساحقة والماحقة أنه فرس الرهان والوقود الذي يشعل جذوة الحماس في صدور اللاعبين .
> كان جمهورنا في كل مناسبة خارجية للمنتخب يسجل حضوره وتواجده.. يوزع أناشيده وشعاراته في بساطة السهل الممتنع.. يبدأ بإيقاع واحد وينتهي بنفس جودة البداية.. إن فاز المنتخب يطلق العنان لأفراحه التي تتواصل لأيام.. وإن خسر المنتخب يمم وجهه شطر الفائز يمنحه دفئا من قبلات حارة تخرج في صورة هتافات حضارية مكافأة لمن عزف على وتر الاجادة .
> تحضرني مقولة لمدرب عالمي قال في مؤتمر صحافي: لم نخسر من المنتخب اليمني لقد هزمنا الجمهور اليمني انه اللاعب رقم 12 بالطول والعرض والارتفاع.
> وبعد أن شاهدت الصور الحضارية الفائقة الجودة اجدني أعدل في تصورات المدرب .. وبعد إذنه فإن الجمهور اليمني هو اللاعب رقم واحد.. أما لماذا ! فلأنه جمهور تواق للكرة متعطش للغة مراقصة الشباك.. لا يبخس الفائز حقه وما لاقاه المنتخب السعودي من مواويل وأناشيد تهتف للأخضر الذي تفجر بركانه غضبا في مرمى منتخبنا دليل على نوايا جمهورنا الطيب.
> ولأن محيط خليجنا الهادر لا يعترف بالشين ولا يعانق سوى الزين.. فإن جمهورنا عكس هذه المعادلة على أرض الواقع.. وكرسها كدستور يعتنقه لإثبات حقيقة أن الضيف رب الدار .
> وأن تظفر عيناك صباحا على شباب زي الفل وأطفال في عمر الورود.. وكبار يعانقون ضريف العمر.. حواءات من مختلف الاعمار يرفعون أعلام الدول الخليجية السبع إلى جوار العلم اليمني في مشهد رائع يعزز مبدأ التوأمة مع الجيران.. فإن الصور التلقائية المصبوغة بالترحيب فيها من الود ما يمكن توزيعه على الجميع داخل الملعب وخارجه بكرم حاتمي يحسدون عليه .
> كل دورة في كأس الخليج نجوم يتألقون على البساط الأخضر ويعزفون أحلى السيمفونيات .. لكن الجمهور اليمني فرض نفسه نجما للدورة من اليوم الأول وفي حالة استمرار هذا االتصاعد في جميع المباريات فإن جمهورنا قريب جدا من الفوز بالألقاب الفردية والجماعية .
> جمهورنا فرحان ومستأنس بالبطولة.. وطبيعي جدا أن تتحول المقاهي الشعبية هذه الأيام لاستديوهات تحليلية.. تناقش كيف فاز هذا المنتخب ولماذا خسر ذاك المنتخب ¿ حوارات جماهيرية لا ترصدها الكاميرات الثابتة والمتحركة ولا تطيرها الفضائيات لكنها حوارات جماهيرية تنبض بالحركة التي تسبق البركة.. وستجدون وسط هذه المنتديات عقولاٍ مفتوحة على «الكورة» ربما بصورة تفوق من تأبطون ذراع الاستيديوهات التحليلية في الفضائيات ما ظهر منها وما بطن .
> وجمهورنا الذي لا يعتدل مزاجه إلا بمتابعة المباريات عن كثب كفيل بدغدغة موسوعة جينيس للأرقام القياسية اذا استمر بتدفقه نحو استادي خليجي 20 وأقولها دون مجاملة لو ان استاد 22 مايو بعدن يتسع لمائة الف مشاهد لامتلأت المدرجات يوم الافتتاح.. ولمن يقطب جبينه أقول: إن من لم يتمكنوا من دخول الملعب اكثر بصعفين من الذين دخلوا الملعب . اذا كان لديكم شك في ذلك تابعوا مباراة منتخبنا يوم الخميس باستاد الوحدة بأبين !.
 

قد يعجبك ايضا