إذا كانت المجتمعات الإنسانية في مشارق الأرض ومغاربها تحتفل بميلاد زعمائها وقادتها لاسيما أولئك الذين كان لهم أثر كبير في تغيير مسارها إلى ما فيه رقيها وسعادتها ، وإذا كان كذلك فكيف لا تحتفل الإنسانية اليوم بمن جاء لإنقاذها وانتشالها من أوحال الحيوانية والضياع، ورفعها إلى سماء العقلانية والأخلاق الروحانية إنه نبي الإنسانية ورسول السلام سيدنا محمد – عليه وآله الصلاة والسلام – الذي أرسله الله تعالى إلى الناس أجمعين وجعله رحمة لسائر العالمين ، قال الله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وقال : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ).. جاءهم بالقرآن الكريم ذلك الكتاب العظيم الذي فيه سعادتهم واسعادهم وفيه قوتهم ومجدهم وعزتهم إنْ هم ساروا على دربه ونهجه وعملوا بآياته واستضاءوا بأنوار هديه وتشريعاته.
إنه لمن الواجب على الناس كافة أن يحتفلوا ويبتهجوا ويفرحوا بمولد الهداية ورسول المحبة الذي أتى ليزيل الظلم والاضطهاد عن هذا الإنسان ويجعله عنصراً فعَّالاً في نشر العدل وإسعاد الآخرين ….
لم يأتِ رسول الإنسانية بالذبح كما يظن من لم يعرف حقيقة الإسلام ممن انخدعوا واغتروا بتلك الروايات المدسوسة والتي وضعها أعداء الإسلام القائلون بأن الإسلام ما انتشر إلا بالسيف والقوة وزعموا بأن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – قال :”جئتكم بالذبح “، كلامهم هذا ليس صحيحاً لأن من يتدبر القرآن الكريم ويستقرئ سيرة النبي العظيم – عليه وآله أفضل الصلاة وأتم التسليم – لسوف يعلم كذب قولهم وزيف ادعاءاتهم، فكل المعارك التي خاضها النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إنما كانت دفاعية ، وحتى معاركه صلى الله عليه وآله وسلم – أيضاً – مع اليهود وإخراجه لهم لم تكن إلا بعد أن نقضوا العهود والمواثيق وأظهروا العداوة والكيد والإيذاء للنبي وللمسلمين بل وهمَّ بعضهم باغتياله – عليه وآله الصلاة والسلام – مرتين وهم بجواره في ضواحي المدينة، فلم يكن له – صلوات الله عليه وآله -من بد حينها إلا القيام بإجلائهم عن المدينة تجنبا لشرهم ومكرهم ولم يأذن لمن استأذنه من أصحابه بإكراه أولادهم – المتهودين – على الإسلام ومنعهم من الخروج مع اليهود، ولهذا نزلت الآية الكريمة : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ )..
فالله تعالى في هذه الآية منع الإكراه في الدين وأن العمدة في دعوة الدين بيانه حتى يتبين الرشد من الغي وأن الناس مخيرون بعد ذلك في قبوله وتركه..
وما شرع القتال إلا لتأمين الدعوة والدفاع عن النفس والأرض والعرض ولكف شر الكفار عن المؤمنين..
لهذا كان الإسلام للعرب دين قوة لأنهم مادته وعليهم أخذه فهو دينهم لأن الله امتن عليهم بنبي منهم قال تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ).
لهذا يجب على أبناء هذه الأمة أن يصدروا للأجانب أخلاقهم وتعاليم دينهم حتى يقيموا عليهم الحجة ويبينوا لهم المحجة ، وعلى هذا نجد أن الإسلام الذي انتشر بالأخلاق والقيم مازال باقياً ومفعوله سارياً في دول شرق آسيا (أندونيسيا وماليزيا وباكستان وأفغانستان والهند ) بفضل اليمنيين الذين هاجروا إلى تلك البلدان فنشروا الإسلام بحسن تعاملهم ومعاملاتهم وبأفعالهم قبل أقوالهم ، بينما الإسلام الذي انتشر بالقوة في بلاد الأندلس (اسبانيا والبرتغال أو ما يسمى شبه الجزيرة الايبيرية ) لم يعد له وجود هناك بسبب أن تلك الفتوحات الإسلامية – حسب تسميتهم لها – وخاصة الأخيرة والتي وصلت إلى تلك المناطق في أوروبا إنما كانت فتوحات غزو واحتلال مع كل ما كان يرافق ذلك من نهب وقتل وسلب وسبي واسترقاق للسكان غير العرب ..إلى غيرها من الأعمال الجاهلية التي تتنافى مع تعاليم الإسلام وقيمه وسماحته..
إن العالم ككل لو عرف جوهر الإسلام وروحه السامية لاحتفل بمولد نبي الإسلام والإنسانية والسلام، غير أن أعداء الله وأعداء الإسلام ومن معهم من المنافقين قد صوروا الإسلام على أنه دين إرهاب لا دين محبة وسلام وذلك عبر أدوات تحمل عناوين إسلامية دينية، لكن مهما فعلوا فإنهم فاشلون ولن ينقلب كيدهم إلا عليهم..
(يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).