مؤتمر الحوار يختتم أعماله بتسطير إنجاز إعجازي على درب التحول الحضاري المنشود


> وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية تطوي صفحة الماضي وتؤسس لبناء اليمن الجديد

> اليمنيون غلبوا المصالح العليا وانتصروا للوطن ووحدته ومستقبل أجياله

يوم أن وضعت الحرب أوزارها وسكتت أصوات البنادق بوصول طرفي النزاع إلى قناعة الاحتكام إلى منطق العقل والحكمة بعد أزمة العام 2011م وما تبعها من تداعيات خطيرة كادت أن تؤدي بالوطن إلى مزالق ومتاهات لن تحمد عقباها أبدا يومها كان الإنجاز اليماني المتفرد يسطر للعالم نموذجا رائعا بالاحتكام إلى التسوية السياسية المتمثلة في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة والتي كان من أبرز بنودها انعقاد مؤمر الحوار الوطني الشامل ليضطلع بمسؤوليات وطنية عظيمة تتمثل في معالجة كافة قضايا الوطن والخروج برؤى وتصورات عملية تؤسس لمستقبل جديد تحقق فيه العدالة والحرية والكرامة والعيش الكريم لجميع مواطني هذه البلاد التي تعرضت طوال عقود من الزمن لصراعات وتجاذبات من أجل الاستئثار بالثروة والسلطة من قبل مراكز قوى وجهات نفوذ بعينها على حساب السواد الأعظم من أبناء الشعب اليمني. كانت المهام عديدة ومعقدة تلك المطروحة على طاولة المتحاورين من ممثلي كافة فئات المجتمع وقواه الحية والفاعلة بالنظر إلى حجم التراكمات الزمنية والتركة الثقيلة لماضي الصراعات والأخطاء والتجاوزات العميقة غير أن التحدي الأكبر الذي كان على مؤتمر الحوار خوض غماره ذلك المتعلق بالقضية الجنوبية وإيجاد الحلول والمعالجات العملية والجذرية لتفاصيلها وبما يؤدي إلى الحفاظ على الوطن اليمني موحدا ومستقرا وآمنا ليتمكن من الانطلاق بثبات صوب المستقبل المنشود.
الانطلاقة والتحدي
> في الـ18 من شهر مارس من العام المنصرم انطلقت فعاليات الاستحقاق الوطني الأكبر في مسيرة التسوية السياسية التاريخية حيث التأم مؤتمر الحوار الوطني الشامل بقرار من رئيس الجمهورية ليدشن أولى فعالياته محملا بالكثير من القضايا الشائكة والآمال العريضة وسط مخاوف من إمكانية الفشل الذي لن يعني سوى الضياع وانزلاق الوطن إلى المتاهات السحيقة والمآلات غير المحمودة التي لا شك ستأتي بآثارها الكارثية على أبناء الشعب اليمني بأسره بعد الجلسة الافتتاحية المشهودة لفعاليات المؤتمر تحت رعاية الرئيس عبدربه منصور هادي توزع أعضاء المؤتمر الـ«565» عضوا إلى تسع فرق عمل ومكونات على رأسها فريق القضية الجنوبية وفريق قضية صعدة والعدالة الانتقالية وبناء الدولة والحكم الرشيد وبناء الجيش والأمن واستقلالية الهيئات والحقوق والحريات والتنمية المستدامة ليتولى كل فريق مهامه ومسؤولياته في مناقشة القضية المناطة به وإيجاد الحلول والمعالجات الناجعة التي من شأنها وضع مداميك اليمن الجديد.
وبالفعل باشر المتحاورون أعمالهم ومن ورائهم عيون الشعب الشاخصة المتطلعة إلى طي صفحة الماضي البائس والتأسيس لدولة مدنية حديثة قائمة على قيم ومفاهيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية وتجاوز معالجة أخطاء وممارسات الماضي الأليم وفقا لمبادئ وأنظمة الحكم الرشيد الذي يتحقق فيه التوزيع العادل للثروة والسلطة لجميع المواطنين دون إقصاء أو تهميش لأحد.
وبالرغم من وجود بعض الرهانات الخاسرة على فشل الحوار من قبل بعض القوى التي سعت جاهدة لتقويض وإفشال العملية السياسية فقد مضى الحوار بثبات وثقة يناقش ويضع الحلول الجذرية لمختلف القضايا الشائكة.
قضايا هامة
> القضايا المطروحة على طاولة الحوار جددت بوضوح مشكلات الوطن وتعقيداتها وكان لزاما على المتحاورين معالجتها قبل الولوج إلى مرحلة اليمن الجديد المنتظر.
وقد حدد البند 19 من آلية تنفيذ العملية الانتقالية بشأن موضوعات مؤتمر الحوار الوطني والتي تمت الإشارة إليها في البند 2 من المادة 3 من قرار رئيس الجمهورية رقم 30 لسنة 2012م بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني حدد مواضيع الحوار التي سيناقشها كل فريق ومكون واحتلت القضية الجنوبية صدارة تلك القضايا ومضت الحوارات والنقاشات فيها تباعا وعلى عدة مراحل بدءٍا من طرح الأحزاب السياسية ومكونات الحوار الأخرى رؤاها حول جذور القضية ثم محتواها وصولا إلى اقتراح الحلول والمعالجات اللازمة وبالفعل أنجز كل فريق عمل مسؤولياته تباعا في كافة القضايا المطروحة في المراحل التالية وظلت القضية الجنوبية العائق الأبرز أمام وصول المؤتمر إلى النجاح المنتظر وبصورة كاملة وغير منقوصة.
لجنة التوفيق
> وشهد الحوار الوطني منذ مارس الماضي العديد من المحطات الهامة والإجراءات المناسبة لبناء التوافق السياسي وتوحيد الرؤى والتصورات وبالتالي تجاوز الصعاب والتعقيدات والقضايا الشائكة التي كانت تعترض مسيرة الحوار بين الفينة والأخرى ومن أبرز تلك المحطات تشكيل لجنة التوفيق حيث صدر قرار رئيس الجمهورية مطلع يونيو بتشكيل لجنة التوفيق المكونة من رئاسة المؤتمر ورؤساء فرق العمل وعدد من الأعضاء المعينين من رئيس الجمهورية من أعضاء اللجنة الفنية بالتوافق وبما يضمن تمثل كافة المكونات بشكل متوازن وقد مثل الجنوب بـ«50%» من قوام اللجنة و«30%» للمرأة وحددت مهام لجنة التوفيق بالتوفيق بين أعضاء المجموعات في القضايا الخلافية وتقديم مقترحات لحلها والتشاور مع الأعضاء والمكونات في قضايا الاختلاف بهدف إيجاد حلول توافقية وكذا التنسيق بين مخرجات فرق العمل وتفسير النظام الداخلي للمؤتمر علاوة على متابعة تنفيذ قرارات المؤتمر بعد إنهاء أعماله فيما تتولى رئاسية الحوار إدارة الجلسات العامة وإعداد مشاريع وخطط وجداول أعمال الجلسات العامة وتمثيل المؤتمر لدى الجهات الداخلية والخارجية وتعريف الأعضاء بأدوارهم ومسؤولياتهم المختلفة في المؤتمر إلى جانب تطبيق القواعد والإجراءات المنظمة لسير أعمال المؤتمر والإشراف على تشكيل فرق العمل والجلسات المختلفة ومتابعة أداء فرق العمل والاشراف على عمل الأمانة العامة وتقييم أدائها.
ومن أبرز محطات مؤتمر الحوار الوطني كذلك النزول الميداني للجان المتخصصة في المؤتمر إلى مختلف المحافظات وهدفت عملية النزول الميداني التي دشنها الرئيس هادي في التاسع من مايو الماضي إلى التعرف على احتياجات المجتمع عن قرب والاستماع إلى الآراء والمقترحات من قبل النخب السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني ومختلف شرائح المجتمع. وبالفعل تمت عملية النزول الميداني إلى المحافظات وجرى الاطلاع على مختلف القضايا والمشكلات المجتمعية التي تم تبنيها ضمن قضايا المؤتمر في إطار الهدف العام للحوار المتمثل في إيجاد الحلول الجذرية للقضايا والمشكلات القائمة تمهيدا لصياغة منظومة الحكم الرشيد المرتكز على قيم ومفاهيم العدالة والحرية والمواطنة المتساوية في ظل دولة مدنية حديثة تواكب احتياجات ومتطلبات القرن الـ«21».
الإنجاز الإعجازي
> وبالرغم من أن معظم فرق العمل واللجان المصغرة قد أنجزت مهامها في الوقت المحدد فقد ظلت القضية الجنوبية من المواضيع الشائكة والحساسة على طريق التتويج النهائي للمؤتمر وإعلان نجاحه الكامل وبعد جهود مضنية قادها الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية رئيس مؤتمر الحوار الوطني تم في الـ25 من ديسمبر الماضي توقيع معظم مكونات الحوار على وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية قبل أن يتم في الـ8 من يناير الحالي استكمال توقيع بقية مكونات الحوار على الوثيقة ليمثل ذلك بحسب المحللين السياسيين والمتابعين للشأن اليمني إنجازا كبيراٍ على صعيد تنفيذ استحقاقات التسوية السياسية وإنجاح العملية الانتقالية وبالفعل توج هذا الإنجاز الإعجازي مؤتمر الحوار الذي بات قاب قوسين أو أدنى من إعلان انتهاء أعماله بالنجاح وبالتالي تدشين مرحلة جديدة في تاريخ الشعب اليمني الذي فتح صفحة جديدة ناصعة البياض وراح يسطر عليها تاريخ اليمن الجديد الخالي من السلبيات والمظالم بمختلف أشكالها.
واعتبر رئيس الجمهورية الذي كان له الدور الأكبر في بناء التوافق السياسي في الوطن توقيع وثيقة حلول وضمانات القضية الجنوبية بالإجماع انتصاراٍ للوطن وجميع أبناء الشعب اليمني وخطوة كبيرة على طريق خروجه من واقع الأزمات إلى بر الأمان والتنمية والازدهارموضحا بأن اليمنيين انتصروا جميعا للوطن وقضاياه ووحدته ومستقبل أجياله.
وأعلن الرئيس هادي عقب رعايته للتوقيع النهائي على وثيقة الجنوب تجاوز آخر وأهم العوائق التي كانت تقف حجر عثرة أمام استكمال مؤتمر الحوار الوطني وتتويجه بالنجاح التام وبالتالي ولوج الوطن اليمني إلى مرحلة البناء الفعلي للمستقبل المنشود والتأسيس للدولة المدنية المنتظرة وفقا لمخرجات الحوار الشامل الذي وضع أقوى مداميك لبناء صرح الوطن اليمني الجديد القائم على مفاهيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية دون تهميش أو إقصاء لأحد.

قد يعجبك ايضا