هروب الكيانات المصطنعة من الممكن إلى المستحيل

عبد العزيز البغدادي

منذ وجد الكيان الصهيوني على أرض فلسطين وتأسست بعض الكيانات الخليجية كالسعودية والإمارات -المقتطعة من دول وكيانات تاريخية كاليمن والعراق والحجاز وعمان والبحرين- وهذه الكيانات تحاول تجاوز مرحلة وجودها إلى شرعنة هذا الوجود, ولأن حكامها يدركون عدم شرعيتهم فإن القلق والاضطراب الوجودي يحركهم نحو البحث عن إمكانية تحقيق الاندماج بين الحكام والشعوب لإيجاد شرعية ومشروعية يستمدون منها عوامل البقاء، لأن الاندماج في الكيانات الطبيعية ضروري وهذا هو الدافع الأساس للكيان الصهيوني في البحث عن تطبيع علاقاته مع المجتمع الذي يحكمه ثم مع محيطه الجغرافي إدراكا من هذا الكيان بأن الإنسان في الكيانات الطبيعية هو أساس الشرعية لأي دولة أو سلطة وهو إلى جانب الأرض الركنان الثابتان من أركان الدولة ( الشعب – الإقليم – السلطة ) والركن الثالث أي السلطة هو الركن المتحرك الخاضع أو القابل للتغيير بحسب الظروف الموضوعية لكل دولة ، هذه المعادلة تقوم عليها الدول الطبيعية في وجودها التاريخي أياً كان نظامها السياسي إمبراطورياً ملكياً أو جمهورياً أو سواهما ، والدول طبيعية النشأة أي التي نشأت بفعل عوامل داخلية تَكَرَّس وجودها الجغرافي والسياسي عبر آلاف السنين ولم توجد أو تنمُ فيه السلطة نمواً شاذا عن بقية الأركان، أما الدول غير الطبيعية فتعتمد في وجودها وترسيخها على عوامل خارجية لولاها ما كان هذا الوجود، فلولا بريطانيا مثلاً ما وجدت (إسرائيل ) مركز الصهيونية في الشرق ولا وجدت ما يسمى: (المملكة العربية السعودية ) و(الإمارات العربية المتحدة ) ووصف العربية في الكيانين يقوم على اعتبارات تاريخية سياسية مستمدة ممن وظفها في مواجهة العروبة والإسلام, ويكفي التأمل في خطوات انتقالهما بالتطبيع مع الكيان الصهيوني من السر إلى العلن بصورة تفصح عن وظيفة وتاريخ ميلاد تجمعهما مع الكيان الصهيوني(لا يتجاوز مئة عام)، ولذا فإن هذه الكيانات غير واثقة من قدرتها على انتزاع شرعية بقائها الطبيعي بالاندماج مع الشعوب التي تحكمها وعلى خلق علاقات طبيعية مع الجوار لينتهي قلقها الوجودي، ولهذا باتت تبالغ في الارتماء في أحضان بريطانيا وأمريكا اللتين أوجدتاها لتحمي بقاءها غير مدركة لمدى توحش هذه الدول في جريها وراء مصالحها لدرجة تفضيل كلابها البوليسية على عملائها ، وأقرب الأدلة المشهد التاريخي لأتباع أمريكا في مطار كابول والقاعدة العسكرية الأمريكية وهم يتناثرون كالذباب والحشرات البشرية من على جسم الطائرة الأمريكية أثناء إقلاعها لنقل رعاياها وكلابها البوليسية بعد أن قررت الرحيل من أفغانستان لمصلحة حركة طالبان، والأصح أن السعودية والإمارات تعامتا عن رؤية المشهد لعدم قدرتهما على التفكير في بديل لهذه المهانة التي ربما تصل إليهما قريباً, أما الكيان الصهيوني فعلاقته بأمريكا وبريطانيا ومعسكرهما مختلفة ببساطة لأنه كيان مموَّل بفتح الواو أما الإمارات والسعودية ودول خليجية أخرى فإنها مموِّلة بكسرها لأغلب إن لم يكن جميع المشاريع الامبريالية في المنطقة ! ، وهذه الكيانات تجري وراء المستحيل وهو الاعتماد على العامل الخارجي لعدم وجود رابط الشعبي يشعر بأنه شريك في صنع القرار مع فارق لصالح الكيان الصهيوني أيضاً لأن العصابات المجمعة في هذا الكيان يجمعها قاسم مشترك هو همُّ الاستيلاء على أرض فلسطين وتهجير أهلها وهدم بيوتهم وبناء المستوطنات ولديه حكومة تنتخبها هذه العصابات ، وهذه المشاركة مهما كانت شكلية تشكل أساسا يحاول الكيان الاعتماد عليه في محاولة شرعنة وجوده الخارج على كل القيم.
إن بقاء أي نظام يعتمد على توافر أركان الدولة بصورة طبيعية أي أن لا تكون دولة مسروق إقليمها على شعب آخر باستخدام القوة المسلحة لأن هذه الوسيلة في صنع الكيانات هي الأكثر فشلاً ويستحيل بقاؤها والمستحيل يتنوع بتنوع أسبابه الموضوعية ، فالكيان الصهيوني كما أشرنا يسعى لإلغاء وجود الشعب الفلسطيني، والكيانان السعودي والإماراتي يسعيان إلى إلغاء حق الشعوب التي يتحكم فيها بل ويلغي هوية شعوب المناطق التي سيطر عليها، نجد والحجاز والأراضي اليمنية المحتلة عام 1934 حيث يطلق على الدولة التي نهب أراضيها من دول عمرها آلاف السنين بالاستعانة ببريطانيا اسم الأسرة السعودية ، وقد أتيحت للسعودية والإمارات ولا زالت عدة فرص لإقامة علاقة طبيعية مع شعبيهما ومع دول الجوار الطبيعية التي أثبتت غير مرة حسن نواياها على رغبتها في علاقة جوار تقوم على الاحترام المتبادل وحماية المصالح المشتركة والوصول إلى معاهدة دفاع مشترك حقيقية ولكنها أثبتت عدم قدرتها على التفكير في مصالحها بعيداً عن هيمنة من صنعها ولذا فهي تتهرب من أي خطوات جادة في هذا الاتجاه.
ومن يديرها يدفعها لخلق حالة قلق وتوتر دائمين ليبقيها تحت سيطرة وهم ضرورة الحماية الخارجية، ومن يدفع ثمن هذا السلوك والأجواء هي شعوب هذه المنطقة والممكن الوحيد لعلاقة طبيعية هو العودة لبحث شروط الاستقرار من خلال إفساح المجال للشرعية المستمدة من الإنسان والأرض وهي القابلة للبقاء وليس من تحالف العلاقات المشبوهة بين الأنظمة، ولهذا ستظل الشعوب تكافح لتحقيق هذا الهدف فالسلطة الشرعية هي التي تصنعها الشعوب لتعبر عن أحلامها وتطلعاتها في العدالة والحرية والمساواة؛
منذ وجدت الكيانات المصنَّعة ومنطقتنا تعاني من استخدامها أداة إعاقة للتنمية بصورة خطرة لكن الاستعداد الذاتي واستسلام الشعوب هو الأخطر!!.
هناك في الأفق دوماً شمسٌ تتحفز للبزوغ
إنها شمس أفئدتنا التواقة للحرية والحياة.

قد يعجبك ايضا