المعلم البديل: بين المدرسة ووزارة التربية!

 

نفضت البلدان المنكوبة بالحروب الركام وخرجت من تحت الأنقاض تبحث عن المعلم، لا تراهن في محاولات إنقاذ مستقبل أبنائها إلا على التعليم، حجر الزاوية في كل بلد استطاع أن يصبح دولة ذات سيادة يتمتع أبناؤه بالرفاهية وبأعلى مراكز مؤشرات التعليم، بحثت عن المعلم البديل إلى أن تجد المعلم المعتمد في كشوفات وزارة التربية والتعليم، ومنحته كل ما تمتلكه من إمكانات، فكان مدرس الإغاثة أو الطوارئ أو تحت الطلب هو المنقذ شبه الرسمي.
الثورة/تقرير/ سارة الصعفاني

وباعتماد وزارات التعليم آلية تضمن أن يكون المعلم البديل أو العرضي مؤهلاً حد منافسته المعلم الغائب، أصبح المعلم البديل مُعترَفاً به، لا ليغطي العجز في عدد المعلمين ما بعد تداعيات الحرب فقط، وإنما تثميناً لجهوده واحتياجاً له بعد توسع التعليم وتغيِّب بعض المعلمين لمرض أو سفر اضطراري أو إجازة ، واستعداداً لمواجهة أي ظروف قهرية مستقبلية، وقبل ذلك للتأكد من كونه معلماً كفؤاً، ومتفرغاً تحت الطلب.
هذه الآلية ألغت المعالجة الآنية لكل مدرسة على حدة في إيجاد المعلم البديل خارج نطاق إدارة وزارة التربية والتعليم، لتصبح العملية مركزية، مرتكزة على شروط تنافسية لا تخلو من المؤهل العلمي واجتياز امتحان الكفاءة والأفضلية بمقياس الخبرة المهنية وتعدد القدرات النوعية.
وتأتي هذه الآلية لتمنح الفرصة لمعلمين مؤهلين متقاعدين ذوي خبرة أو معلمين قرروا العودة للتدريس، فضلاً عن تخرج الآلاف سنوياً من أفضل الجامعات، في المقابل يرغب معلمون آخرون في التخلص من الأعباء التدريسية لفترة زمنية أو الانصراف لمهنة أخرى.
ومن هنا أصبح المعلم البديل شبه ظاهرة عالمية، ولكل دولة نظامها التعليمي مع التفاوت في آلية تنظيم مهمة إيجاده، في الدول النامية يأتي المعلم بـ((الشخص)) البديل له كشرط لقبول المدير مغادرته المدرسة في حين تشترط دول تحوز مراكز متقدمة في مؤشرات التعليم أن يخضع ” المعلم تحت التجربة ” المتقدم لفرصة أن يكون المعلم البديل لمنافسة اختبار تقييم الكفاءة مع الآلاف من المعلمين والخبراء في مجالات تخصصاتهم الدقيقة.

وتبرز الحاجة في اليمن لمحاكاة التجربة بعد أن أصبح وجود المعلم البديل في مدارسنا شبه اعتياديٍ في ظل الظروف الاقتصادية في زمن الحرب والعدوان.
وتتفاقم مشكلة المعلم البديل في المدارس الأهلية حيث الأجور المتدنية ولا درجة وظيفية والحاجة لأي مبلغ مالي تدفع المعلم إلى الصبر، وبذات آلية تغيير اسم المدرسة سنوياً في إحدى المدارس بأمانة العاصمة يتغير المعلم على امتداد فصلي السنة الدراسيين، فما الذي يحدث على امتداد الوطن في زمن الصراعات السياسية وتجزئة المدارس ؟.
لقد بدأت مشكلة عشوائية المعلم البديل منذ بدأت المدرسة لكن غياب المعلم المعتمد كان حالة استثنائية لم يكن يصل إلى فصل دراسي عادة حتى لمعلمة تطلب إجازة أمومة، وكان البديل معلماً من داخل المدرسة له التخصص العلمي ذاته أو تتكفل المنطقة التعليمية بتوفير معلم معتمد من مدرسة مجاورة، أي لم تكن الإدارة المدرسية تتخذ قراراً بإحضار شخص لا علاقة له بالتعليم حين كان للتوجيه دوره الرقابي على المدارس والمناطق التعليمية ، على الأقل في العاصمة وقلب المدن الرئيسية.
بينما أصبحت بعض إدارات المدارس الحكومية والأهلية اليوم توفر معلماً بديلاً في غضون أيام دونما رجوع لوزارة التربية والتعليم ودونما شرط أو سؤال عن مؤهل وخبرة ورصيد معرفي وقدرات تدريسية وخاصة في المواد الأدبية والصفوف التعليمية الابتدائية.
وتعد قضية المعلم البديل ذات أولوية تعليمية؛ فالمنظومة التعليمية تستند في وجودها إلى المعلم، إذ يمكن الاستغناء عن الكتاب المدرسي والإدارة المدرسية والمدرسة ذاتها لكن لا يمكن أن يكون الطالب بلا معلم، فحتى التعلم الذاتي فكرة مستحدثة لا تنطبق على طفل في عمر المدرسة وبلا إمكانيات.
وإجمالاً.. المشكلة التعليمية برمتها متشابكة إذ تعاني مدارس من عجز في عدد المعلمين، وأخرى لديها اكتفاء حد وجود عدد من الوكلاء والمشرفين والأخصائيين الاجتماعيين لعدد ١٥٠٠ طالب ما يستوجب على الوزارة توفير العدد المطلوب من المعلمين بما يتناسب وعدد طلاب المدرسة بدلاً من ترك القرار لإدارة المدرسة بتوفير من تراه متاحاً في أسرع وقت كمعلم بديل، وبما يناسب قدرتها المالية من المساهمة المجتمعية ” الطوعية ” من أولياء الأمور..
ويتبنى بعض المعلمين فكرة جلب وزارة التربية والتعليم المعلم البديل إلى المدارس لمنع إدارة المدرسة من المزاجية والعشوائية والغش في التعليم، خصوصًا بعد أن صرنا في زمن يتخرج فيه الآلاف سنوياً من كليات التربية المتاحة في عدد من المحافظات، ما يعني إمكانية المفاضلة بين المعلمين القدامى والمستجدين وإشعار المنقطعين.
وبدأ الاهتمام بإعداد المعلم وتأهيله في اليمن عام 1970م من خلال افتتاح كلية التربية بجامعتي صنعاء وعدن ثم توالى إنشاء كليات التربية ليبلغ عددها ٣٠ كلية للتربية والتعليم حتى عام ٢٠٠٧م على مستوى مناطق وليس فقط محافظات، آخرها في محافظة مارب.
وبحسب مراقبين تربويين، مرت عملية إعداد المعلمين بمحطات جعلت من المؤهل العلمي قضية هامشية رغم تقادم معلومات المناهج، فمن دبلوم ابتدائية معاهد المعلمات نظام ثلاث سنوات ثم نظام الخمس سنوات، ومعاهد المعلمين من الحاصلين على شهادة إتمام الدراسة الإعدادية، ثم دبلوم العامين بعد الثانوية إلى أن أنشئت كليات التربية نظام أربع سنوات.
وتبقى مشكلة المعلم البديل أكثر سوداوية وإن كان أفضل تعليماً وتأهيلاً، فما أن ترفع الحكومة يدها عن التعليم حتى تحل الفوضى ويخضع التعليم للرأي والأهواء، وتصبح المدرسة مبنى بلا معنى، ويتم اختيارالمعلم من قبل مدير مدرسة لا وزارة في حكومة.. وما نلمسه من مخرجات تعليم بائسة ومتعثرة ليس إلا حصاد مدخلات التعليم وفي مقدمتها ” المعلم ” حجر الزاوية في العملية التعليمية.
ويبقى التساؤل بعد ” قف للمعلم وفّهّ التبجيل ” أي معلم قصد الشاعر؟ وكيف يمكن التمسك به في ظل توقف الرواتب؟ وما المعالجات المطروحة لتقييم أداء المعلمين في المدارس والكشف عن المؤهلات العلمية؟، بل من يعرف شيئًا عن المعلم البديل؟ ولماذا لا تطبق وزارة التربية والتعليم آلية لإدارة المشكلة لتعرف من هو المعلم البديل ؟ وماذا يعلم؟ ومنذ متى؟ وكيف وصل إلى الحرم المدرسي؟ ومدى إمكانية أن يصبح معلماً معتمداً في وزارة التربية والتعليم لا موظفاً لدى مدير المدرسة؟

قد يعجبك ايضا