الثورة /
في السنة العاشرة للهجرة، في اليوم 24 أو 25 حسب اختلاف الروايات من ذي القعدة، غادر رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم المدينة متوجِّها نحو مكة المكرمة لأداء مناسك الحج «حجة الوداع» ، وحين أذن صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله في الناس بالحجِّ، تجهَّز الناس للخروج معه، وشهد حجة الوداع من المدينة ومن مصر ومن اليمن ومن العراق خلق كثير بلغ 120 ألف حاج، قاصدين بيت الله الحرام في الحجّة التي عرفت بحجة الوداع تارة وحجّة الإسلام وأسميت حجة البلاغ تارة أخرى.
في ذلك العام قدم الإمام علي عليه السلام من اليمن، وكان قد بعثه رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم إلى اليمن لدعوتهم للإسلام فأسلم اليمنيون على يديه في شهر رجب ودخلوا في الإسلام كافة، ولمَّا قارب رسول الله مكَّة من طريق المدينة، قاربها أمير المؤمنين علي عليه السلام من طريق اليمن والتحق بالركب النبوي ومعه جموع غفيرة من الحجاج اليمانيين وأدى حجة الوداع مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي مثل يوم أمس الأول 18 من ذي الحجة من السنة العاشرة وبعد أن أدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حجة الوداع ، وخلال العودة مع أكثر من 120 ألفا من الحجيج ممن قدموا من كل البلدان الإسلامية – وقف صلوات الله عليه وعلى آله في وادي [خُم] -وهي منطقة بين مكة والمدينة أقرب ما تكون إلى مكة – بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة:67).
بعد نزول هذه الآية، وفي وقت الظهيرة، في وقت حرارة الشمس، وحرارة [الرَّمْضَاء] دعا رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لمن تقدم أن يعودوا, وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع، وبعد ذلك رُصَّتْ له أقْتاب الإبل ليصْعَدَ عالياً فوقها؛ لتراه تلك الأمة – إن كان ينفعها ذلك – لتشاهده, وهي تعرفه بشخصه، لترى علياً يد رسول الله رافعة ليده وهي تعرف شخص [علي]، ومن فوق تلك الأقتاب يعلن موضوعاً هاماً، يعلن قضية هامة هي قضية ولاية أمر هذه الأمة من بعده (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
عندما صعد وبعد أن رفع يد علي (عليه السلام) خطب خطبة عظيمة قال فيها – خطب رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) خطة بليغة وعظيمة حمد الله فيها وأثنى عليه ، ومنها «أيها الناس، إني أوشك أن اُدعى فأجيب. وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، ثم قال: يا أيها الناس ألم تشهدوا أن لا إله إلا الله- و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق و أن النار حق و أن البعث حق من بعد الموت- قالوا: [اللهم] نعم، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي- و أنا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه- اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله».
خلال خطبته وضعت له أقتاب الإبل ليشاهده الجمع الغفير ، واصطحب معه علي عليه السلام على المنصة ، وحين وصل إلى قوله: ((يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه، اللهم وَالِ من وَالاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخْذُل من خَذَله)) رفع يد علي إلى السماء مرارا وهو يقول هذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره.
لم يتفرق الجمع حتى نزل الوحي بقوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.[5].
ثم قدم المسلمون يهنئون أمير المؤمنين عليه السلام ويباركون له الولاية التي أمر الله بها نبيه أن يبلغ كافة المسلمين بها ، ومنهم من قال بخ بخ لك يا ابن أبي طالب لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، هذا هو الغدير الذي نحتفي به والعيد الذي نحتفل به سنويا ، أما علي عليه السلام فسيرته وسريرته وحياته وجهاده وإنسانيته تمتلئ بها الكتب والمؤلفات وتفيض بالمعاني التي حملها ، قربه من رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وسلم، موضعه من الرسالة النبوية ، دوره الريادي في تأسيس دولة الإسلام وفي حمل الرسالة النبوية ، كل ذلك يعرفه الناس جميعا ، بما في ذلك من غير المسلمين ممن كتبوا عن الإمام علي عليه السلام وتحدثوا كذلك.
والمؤسف أن تأتي ذكرى الولاية «عيد الغدير» والأمة الإسلامية والعرب على وجه أخص ، في تيه وترد وذلة وهوان ذلك أن انصراف الأمة عن شرعية الولاية التي وضعها الله وبلغها نبيه الكريم محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ، جعلها تائهة منقسمة بين فريق اتجه إلى التطبيع مع العدو اليهودي مستبدلا ولاية الله ونبيه والإمام علي وذريته بالتولي لليهود ألد الأعداء للأمة ، وفريق آخر يبحث عن شرعيات ولايته ورئاسته وحكمه ومشروعية نظامه السياسي من أمريكا ومن المباركات الأمريكية للانتخابات أو للتنصيب الملكي أو لما سواهما من الأشكال والصيغ التي وضعها العرب والمسلمون لأنفسهم لتنصيب الرؤساء والولاة ، واستبدلوا بها ولاية الله التي أعلنها نبيه في حضور أكثر من 120 ألف مسلم.
تمر هذه الذكرى والأمة الإسلامية والعرب بالذات مقبلون على فرض ولاية أمرٍ من نوع آخر، ولاية أمر يهودية، ولاية أمر صهيونية؛ كي تعلم الأمة كم كانت خسارتها يوم أن رفضت إعلان ولاية أزكى وأطهر وأكمل شخص بعد نبيها في مثل هذا اليوم، فها هي اليوم, ها هي اليوم تقف باهتة، تقف عاجزة تنتظر بدلاً عن علي، رئيس الوزراء الصهيوني ، تنتظر بدلاً عن محمد، ليعلن [بايدن] من الذي سيَلِي أمر هذه الأمة، وعندما نحيي هذه الذكرى، عندما نحيي ذكرى إعلان ولاية الإمام علي (عليه السلام) فإننا نعلن أن الدين – حسب مفهومنا ووفق رؤيتنا وعقيدتنا – أنه دين ودولة، أن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لم يغادر هذه الحياة إلا بعد أن أعلن للأمة من الذي سيخلفه ، كما يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي.
يقول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في ملزمة «أمر الولاية»:
تسلسل هذا الحديث ينسجم انسجاماً كاملاً، الترتيبات التي أعلن فيها الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هذا الموضوع تنسجم انسجاماً كاملاً مع لهجة تلك الآية الساخنة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}(المائدة:67). موضوع هام بالغ الأهمية، قضية خطيرة بالغة الخطورة، ورسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) يعرف ويقدر كل موضوع حق قدْره، ويعطي كل قضية أهميتها اللائقة بها.
يخاطب الناس: ((يا أيها الناس إن الله مولاي)) وهذه هي سُنة الأنبياء، وخاصة مع تلك الأمم التي لا تسمع ولا تَعِي, فقد قال نبي من أنبياء الله من بني إسرائيل عندما سأله قومه أن يبعث لهم مَلِكاً يقاتلون معه وتحت رايته في سبيل الله، ماذا قال؟ {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً}(البقرة: من الآية247) وها هنا بنفس الأداء ((إن الله مولاي)) تساوي {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً}(البقرة: من الآية247)؛ ليقول للأمة: إني وأنا أبلغ عندما أقول لكم: ((فمن كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه)) إنما أبلغ عن الله، ذلك أمر الله، ذلك قضاء الله، ذلك اختيار الله، ذلك فرض الله، وذلك إكمال الله لدينه، وذلك مظهرٌ من مظاهر رحمة الله بعباده.
((إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم)) – تابعوا معي تسلسل هذا الحديث وهو ما نريد أن نتحدث عنه بالتفصيل – ((وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم))، هكذا من عند الله إلى عند رسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، ولاية ممتدة، ولاية متدرِّجة لا ينفصل بعضها عن بعض.
ثم يقول: ((فمن كنتُ مولاه)) أليس كل مؤمن فينا يعتقد ويؤمن بأن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هو مولاه؟ إن كل مسلم – وليس فقط الشيعة – كل مسلم يعتقد ويؤمن بأن رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) هو مولاه. إذاً ((فمن كنتُ مولاه)) أي مسلم، أي أمة، أي شخص، أي حزب، أي طائفة، أي فئة أي جنس من هؤلاء من هذه البشرية كلها، يدين بولايتي، يدين أني أنا مولى المؤمنين ((فهذا عليٌ مولاه)).
وفيم يُجذّر اليمنيون ولايتهم للإمام علي عليه السلام وللنموذج الذي يمثله علي، باحتفالات جماهيرية ضخمة في كل المديريات والمدن ويتبرأون من اليهود والنصارى ، يمم الآخرون شطر ولايتهم إلى إسرائيل وأمريكا ولا شرعية لأمريكا ولا لأوليائها وأتباعها.
أفلا نكون من أولياء الله، ولماذا لا ندخل في دعوة النبي صلوات الله عليه وعلى آله وسلم لمن ينصر عليا وولاية علي بالنصر والتولي ، لأنا إذا لم نكن من أنصار علي وننصر علي و”انصر من نصره” ووال من والاه ، فسندخل ضمن دعوته صلوات الله عليه وعلى آله وسلم ، “وعادِ من عاداه واخذل من خذله”.