في ظل غياب القدوة الذي تعيشه المرأة في عصرنا الحالي و من والابتعاد عن الهوية الإيمانية للمرأة المسلمة بشكل خاص ، والانحلال الأخلاقي والتفكك القيمي والمجتمعي للنساء في العالم بشكل عام ،تتوهج الزهراء لتكون النور الذي يضيء هذه الظلمة المعتمة ، وتكون الدليل المرشد الذي يخرج النساء من التيه الأخلاقي والقيمي والمجتمعي إلى ضياء الإيمان والتمسك بالمبادئ الدينية السامية التي تعطي للمرأة عزتها وكرامتها ، ومكانتها العظيمة التي منحها إياها الدين الإسلامي الحنيف .
في ظل الحرب الضارية التي تشنها قوى الشر العالمية والتي جعلت من أولوياتها وأهدافها هدم الأخلاق والقيم والمبادئ وكل ما يمت للدين بصلة في العالم أجمع ، وخصت المرأة بخططها الهدامة ، لعلمها بأن صلاح المرأة صلاح للمجتمع وبأن فسادها فساد للمجتمع ، لذلك ركزت قوى الشر في استهداف المرأة واستخدمت في سبيل ذلك جميع الوسائل والطرق ، فكانت وجهتها الأولى للهدم الدول الأوروبية التي كانت تملك بعضا من القيم الدينية والعادات المجتمعية التي تحفظ بعضا من كرامة المرأة وبالأخص فيما يتعلق بلباسها ، في حين كانت الدول العربية والإسلامية متمسكة بمبادئها الدينية وأخلاقها وعاداتها المجتمعية التي حفظت مكانة المرأة وجعلتها كالجوهرة المكنونة التي يتباهى الجميع ويخافون عليها ، حتى وصل الاستعمار الغربي الذي ترعاه قوى الشر العالمية والذي لم يكن من أهدافه سلب الأرض العربية فقط ، بل كان من أولوياته سلب القيم والأخلاق والمبادئ الدينية ونزعها من الشعوب العربية ،وبالأخص هتك ستر المرأة وإبعادها عن القدوة الحسنة والمنهاج المنير الذي ترجع إليه في حالة الضلال والتيه ، وبما أن الزهراء هي قدوة ومنهاج للمرأة في كل زمان ومكان ، فقد عمل الخبثاء على طمسها ومحوها من المناهج العربية وإلباس حكايات وأساطير كاذبة حولها لصرف النساء عنها وإبدال ذلك بشخصيات هزيلة ورثّة من الماجنات والمغنيات والممثلات … وغير ذلك ليسيطروا تماما على عقلية المرأة وعلى توجهها وأسلوب حياتها ، وإبدال حجابها الساتر بحجاب ماكر ، يخفي الإغراء ويظهر الفكر الرثّ الذي وصلت إليه المرأة ، ناهيك عن الأفكار الهدامة التي تسممت بها عقولهن من ادعاء كاذب لحقوق وحرية المرأة ، في حين أنها دعوات للتفسخ والانحلال !
في ظل ذلك تبرز الحاجة الملحة للعودة إلى المنهاج المنير المتمثل بالزهراء عليها السلام فمن هي الزهراء التي يجب الاقتداء بها ؟
الزهراء هي تلك الفتاة التي قدر لها أن تأتي في زمن يسوده الجهل والضلال والوثنية، قدر لها أن تكون بضعة للرسول الخاتم ، حيث واجهت معه طغيان وخبث قريش ، فجاعت حين حوصر في شعب بني هاشم وحزنت معه وتيتمت حين ماتت أمها ، وهاجرت معه حين هاجر وترك بيته وأرضه ، فلم يزدها كل ذلك إلا إيمانا وتسليما ، فكانت لأبيها الأم الحانية التي أسحقت بحنانها وعطفها له لقب(أم أبيها) الذي أطلقه عليها رسول الله صلوات الله عليه وآله ، أما الزهراء الزوجة فهي منهاج مدرسة الصبر والتفاني والبذل والعطاء ، فكانت نعم الزوجة المحبة الصابرة التي تعطي بلا من ولا سخط بل عظيم عطائها وبذلها لوجه الله ولمرضاته ، وكانت نعم الأم التي ربت وهيأت أولادها على حب الخير وعلى الدفاع عن الحق مهما كان الباطل قويا ، فلم يفنوا برحيلهم من الدنيا بل كانت نهايتهم بداية لثورات متلاحقة عنوانها الحق والدفاع عنه عبر الأزمان ، بالإضافة إلى الإيمان القوي الذي زرعته في قلوبهم ورسخته المواقف والأحداث التي عاشوها مع جدهم المصطفى صلوات الله عليه وآله، ومع أبيهم الإمام علي وأمهم البتول الزهراء سلام الله عليهم أجمعين.
لقد تمثلت الزهراء من الأخلاق والقيم ما جعلها أن تحظى بمكانة عظيمة وأن تكون سيدة نساء الدنيا والأخرى ، وأن تكون منهاجا تحتذي به النساء في كل زمان ومكان ، فهي نبراس العفة والطهارة ، ومشكاة الإيمان والزهد والبذل والعطاء ، فنحن لم نفتقد الزهراء ، بل نراها في أم تدفع بأولادها إلى ساحات العز والشرف للدفاع عن الحق ضد أرباب النفاق والباطل ، نراها في نساء يمنيات صابرات صامدات رغم الحرب و الحصار ، نراها في فتاة عفيفة طاهرة تفتخر وتعتز بحجابها الساتر ، نراها في مجاهدة بمالها وعملها الجهادي في سبيل الله ، وستكون دوما منهاجا لجميع نساء العالم اللاتي يبحثن عن العزة والكرامة والإباء ، وسيظل ميلاد الزهراء يوما عالميا للمرأة في جميع أنحاء العالم وقدوة ومنهاجا للمرأة في كل زمان ومكان .