ونحن في القرن الواحد والعشرين أصبحت هويتنا تنحرف عن وجهتها الحقيقة، واتجهت صوب التطور الغربي وانبهرت بالتكنولوجيا الحديثة، والتي لأسباب ما عجزنا أن نشارك في صناعتها، فما بين استمالة العقول نحو الثقافات السطحية، واستهداف العقول المبتكرة، مات العقل العربي إلى جانب الضمير وكانت هذه الحالة المشينة قد سعى لخلقها هذا الأوربي الذي انبهرنا به!!!
نعم هو أوجد لنا ثقافات مغايرة ووسائل ترفيهية لنلتهي بها عن أساسيات وقيم ومبادئ، وأوجد لنا ما يسمى بالموضات والصيحات الحديثة، في شكلنا، ولبسنا، وحتى حبب لنا لغته لنحترفها! بل وأصبحت عاملاً أساسياً للحصول على فرص العمل وجنى المال بطرق عدة.
وهكذا تدريجيا نجحت الحرب النفسية، والغزو الفكري في جعلنا راضخين، مستسلمين، صامتين، عن انتهاك حقوقنا وحدودنا ومبادئنا وأخلاقنا!
وأجبرتنا تلك الحالة المزرية على أن ننسى قضايانا الهامة، ونغوص ونهيم في تلك الشخصيات التي اعتبرناها مثالية لممثلين أو فنانين أو لاعبين، وتناسينا أهم الشخصيات التي تنتمي لديننا والتي حري بنا أن نقتدي بها تجاهلناها وعدينا ذلك تخلفا!
أصبحت علاقتنا باليهود والنصارى علاقة ود وتسامح، بالرغم من تحذيرات آيات الله الكريمة وسيرة نبينا صلوات الله عليه وعلى آله، وبالرغم مما يضمرون لنا من كره وحقد دفين!!
كانت قد زلت من بعضهم مذكرات تبوح وبسخرية بالطريق الحقيرة تلك والتي احترفوا تخطيطها بدقة متناهية، ومع ذلك يتهاون البعض في صحوته من الغفلة
ويتغاضى عن الاعتراف بحماقتنا، ويفضل أن يستمر الحال على ما هو عليه تماشيا مع ما يسمى بركب الحضارة والتقدم!!
كان المشروع القرآني وشعاره هو الموقف الصارخ في وجه هذه الحضارة المفتعلة، وأضحت الصرخة الصيحة التي أنعشت وأزعجت الجميع!
فمن هو هذا القادم من خلف تلك الجبال أو كما قيل عليها الكهوف وجاء ليقطع علينا هذا الوئام والانسجام مع الصهيون والأمريكان؟!!
نعم أحدث هذا الحوثي أمرا عجيبا! وكسر حاجز الصمت ولكنه حورب بشدة ومن بني جلدته أولا، دفاع عن تلك الكيانات الغاصبة التي اغتصبت عقولنا وأراضينا، وانتهكت مبادئنا وقيمنا، وانتهكت سيادتنا وبطرق ملتوية!!
غابت قيمنا وغابت قضايانا في خضم هذا التطور والحداثة، وجاء هذا الحوثي من العصر الحجري ليذكرنا بما نسيناه!
قامت قائمتهم بعد تقدم مكون أنصار الله، وتفشي معتقداته وانتشار مشروعه، حاولوا مرارا وتكراراً خنق صوته، وباءت بالفشل كل تلك المحاولات، بكل مراحلها مروراً بالحروب الست وحتى سنوات العدوان؟!
لم يكن يؤمن الجميع بجدوى الصرخة وأهميتها وأسبابها إلى أن عشنا سنوات العدوان، وعشنا تفاصيل الانتهاك الصارخ لسيادتنا،
عرفنا تدريجيا أن هؤلاء الأنصار كانوا يتحدثون عن واقع حاصل، ويحذروننا من مخاطر كانت تحوطنا وهي مبطنة بشكل يحليها في أعيننا!!
تلك الصرخة التي لم نكن مقتنعين بها تغلغت اليوم لأعماقنا، وصرنا نصرخ بها عن قناعة، لا لمسايرة المركب، وتماشيا مع من أصبحوا يمتلكون زمام الدولة اليوم!
بعد وحشيتهم، وبعد جرمهم، وبعد تطبيعهم، وبعد تماديهم في أذية فلسطين، أدركنا جدوى هذه الصرخة، والتي عجزنا في بادئ الأمر عن فهم لماذا كان الأنصار يتجشمون العناء ويكابدون الويلات في سبيل أن يصرخوا بها في المساجد، وفي المجالس، ويعتبرونه موقفاً وسلاحاً!
كانوا يصرخون بها حتى وهم خلف قظبان السجون!!
فكنا نتعجب أي سحر ذاك، وأي عقيدة تلك، وقوة إرادة، وصلابة، وشجاعة، وعزيمة، يمتلكون؟!
وما جدوى صراخهم ذاك وقد حاولوا كتم أنفاسهم، وتهديدهم بعدم البوح بها ولو بصوت خفيض من تحت البطانية!!
أخيراً هل أدركتم الأن يا من كنتم ترفضون الصرخة ما جدواها اليوم؟!