الثورة نت/
تدل كل المؤشرات على أن نتائج العدوان على غزة ستعمّق الأزمة السياسية الداخلية التي تعيشها “إسرائيل”، وستقلّص من فرص خروج الحكم في تل أبيب من أزماته المستعصية.
وعلى الرغم من أن نتائج “الحرب” قد أسهمت في تآكل مكانة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بشكل كبير، إلا أنها في المقابل قلّصت فرص نجاح زعيم المعارضة يئير لبيد في تشكيل حكومة بديلة، بعد أن تم تكليفه بذلك. ولم يلقَ حديث نتنياهو ورئيس هيئة الأركان أفيف كوخافي عن “إنجازات غير مسبوقة” تحققت خلال “الحرب”، آذاناً صاغية لدى النخب والمجتمع في “إسرائيل”. فخيبة الأمل من نتائج هذا العدوان، والعجز عن حسم المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، مسّا كثيراً بمكانة نتنياهو، الذي حمّلته أحزاب المعارضة اليمينية واليسارية، والكثير من جنرالات الاحتياط وكبار المعلقين، المسؤولية عن الفشل في هذه “الحرب”.
أحد التحولات التي أفرزتها نتائج “الحرب” وستؤثر على مكانة ومستقبل نتنياهو السياسي، يتمثل في أنها أحدثت صدعاً في معسكر الأحزاب المتحالفة معه والتي أوصت بتسميته رئيساً للحكومة، وكرست انعدام الثقة بينه وبين قادة هذه الأحزاب. فزعيم حزب “الصهيونية الدينية”، بتسلال سمورطيتش، الذي يوصف من قِبل “الليكود” بأنه من “الشركاء الطبيعيين” للحزب في أي حكومة مقبلة، لم يحمّل نتنياهو فقط المسؤولية عن الفشل في مواجهة المقاومة الفلسطينية في غزة، بل ألمح أيضاً إلى أن نتنياهو قدّم لحركة “حماس” تعهدات بشأن القدس والمسجد الأقصى بما يتعارض مع منطلقات الأحزاب اليمينية؛ وحذره من أنه في حال تم التأكد من حدوث أي تراجع في الموقف الإسرائيلي من القدس والأقصى، فإن حزبه لن يكون في يوم من الأيام ضمن حكومة يقودها نتنياهو.
في الوقت ذاته، فإن نتائج العدوان قلّصت من قيمة الإنجاز السياسي الذي حققه نتنياهو خلال “الحرب” والمتمثل في دفع حزب “يمينا” للانسحاب من معسكر الأحزاب التي أعلنت استعدادها للانضمام إلى حكومة برئاسة لبيد. فبعد “الحرب” التي انتقد نتائجها زعيم “يمينا” نفتالي بينت، رفع الأخير قيمة فاتورة دعمه لنتنياهو، إذ رد على مقترحات “الليكود” بخوض الانتخابات المقبلة في قائمة موحدة بالمطالبة بحصول حزبه على أماكن مضمونة على قائمة “الليكود” الانتخابية تفوق تمثيل الحزب حالياً في “البرلمان”. كما أسهمت نتائج “الحرب” والمواجهات بين فلسطينيي الداخل والتنظيمات الإرهابية اليهودية، في تفكيك المعسكر الذي يقوده لبيد، وأضعفت فرص تشكيله الحكومة المقبلة. فانسحاب بينت من دعم لبيد يرجع إلى أن قاعدته الانتخابية لا تسمح له بالمشاركة في حكومة تقوم على دعم الأحزاب العربية، التي ساندت جماهيرها في المواجهة مع التنظيمات اليهودية وانتقدت الجرائم الإسرائيلية في غزة.
وإلى جانب خسارة لبيد دعم حزب “يمينا”، فإن هناك مؤشرات على أنه سيخسر دعم حزب “تكفاه حدشاه” اليميني بزعامة الليكودي السابق جدعون ساعر. وحسب ما ذكره موقع “والاه”، فإن ساعر ألمح في جلسات مغلقة إلى أنه يفكر في العودة إلى حزب “الليكود” بسبب عدم استطاعته المشاركة في حكومة تستند إلى دعم “الأحزاب العربية”. في الوقت ذاته، فقد خفتت حماسة بعض “الأحزاب العربية” الممثلة في الكنيست لدعم لبيد بعد تأييده أساليب شرطة الاحتلال الوحشية في مواجهة هبّة القدس وتحديداً في مناطق الداخل المحتل.
وفي حال فشل لبيد في تشكيل الحكومة، فإن المهمة ستنتقل إلى الكنيست لكي تقرر الأحزاب الممثلة فيه مستقبل تشكيل الحكومة. ومن الواضح أن اتهام نتنياهو بالمسؤولية عن الفشل في “الحرب” يُقلص من فرصه في إقناع أعضاء الكنيست بتكليفه تشكيل الحكومة، وهذا سيقود إلى حل الكنيست والدعوة إلى جولة انتخابات خامسة.
من ناحية نظرية، يفترض أن تقلص نتائج العدوان من مستوى الدعم لحزب “الليكود” في الانتخابات المقبلة، على اعتبار أن المدن والمستوطنات الجنوبية التي تعرضت بشكل خاص لقصف صواريخ المقاومة، تقطنها أغلبية ساحقة من اليهود الشرقيين الذين يمثلون أغلبية مؤيدي “الليكود”. لكن التجربة العملية دلت على أن اليهود الشرقيين يبدون تسامحاً إزاء نتنياهو وسلوكه. فالانتقادات لأداء حكومة نتنياهو في حربي 2012 و2014، لم تؤثر كثيراً على دعم اليهود الشرقيين له. في الوقت ذاته، فإن مستقبل نتنياهو يتوقف على النتائج التي ستحققها الأحزاب الدينية الحريدية، التي تعد أوثق حلفائه، ففي حال حافظت هذه الأحزاب على تمثيلها في البرلمان أو زادته، فإن هذا سيعزز من قدرة نتنياهو على المناورة السياسية.
ولا يعني ما تقدّم أن نتائج الانتخابات يمكن أن تمنح نتنياهو القدرة على تشكيل حكومة، بل يمكن أن تفضي إلى المأزق السياسي نفسه الذي تعيشه “إسرائيل” حالياً والمتمثل في عدم تمكّن المعسكر الذي يقوده نتنياهو والمعسكر المقابل من تشكيل الحكومة. وبغض النظر عن سيناريوهات ما بعد جولة الانتخابات الخامسة المتوقعة، فإن نتائج “الحرب” على غزة أسهمت في استفحال أزمة النظام السياسي الإسرائيلي وعمّقت من مظاهر عدم استقراره.
* صالح النعامي/ العربي الجديد