الحوار الوطني أبرز المحطات التاريخية وحامل تطلعات الشعب وطموحاته

ازدحم العام 2013 م بالعديد من الأحداث والوقائع الكبيرة التي مرت بها البلاد لكن مؤتمر الحوار الوطني الشامل ومجرياته تبقى الحدث الأبرز والمحطة الأهم فمن خلاله علق أبناء الشعب آمالهم وتطلعاتهم نحو بناء الدولة المدنية الحديثة القائمة على العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية وتجاوز الماضي الأليم بكل ما فيه من أخطاء وتجاوزات وعودة المظالم والحقوق إلى أهلها على طاولة الحوار الوطني الذي انطلقت فعالياته بقرار رئيس الجمهورية في 18مارس وضعت كافة القضايا الوطنية الهامة الراهنة والقضايا ذات الأبعاد التاريخية التي لا يمكن الولوج إلى اليمن الجديد وإلى مرحلة البناء والتنمية من دون وضع الحلول والمعالجات لها الفرقاء على طاولة واحدة جميعهم يدركون مسؤولياتهم والأمانة الملقاة على عاتقهم وعازمون على السير بسفينة الوطن إلى بر الأمان ومع انطلاق الجلسات الافتتاحية تحركت عيون العامة صوب فعاليات المؤتمر تنشد فيه الأمل لما عانته من ويلات ومحن.
وبعد الجلسة الافتتاحية الأولى تشكل أعضاء الحوار وعددهم 565 عضوا إلى تسع فرق تمثلت في القضية الجنوبية وقضية صعدة والعدالة الانتقالية وبناء الدولة والحكم الرشيد وبناء الجيش والأمن واستقلالية الهيئات والحقوق والحريات والتنمية المستدامة يناقش كل فريق محاور قضايا هامة بهدف الخروج بضمانات وحلول
موضوعات الحوار  
وفقا لما جاء في البند (19) من آلية تنفيذ العملية الانتقالية بشأن موضوعات مؤتمر الحوار الوطني والتي تمت الإشارة إليها في البند (2) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية رقم (30) لسنة 2012م بإنشاء اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار الوطني الشامل وتحديد مهامها واختصاصاتهاº فقد قامت اللجنة بدراسة هذه الموضوعات وحددت المسائل التي ينبغي أن يناقشها المؤتمر ضمن كل موضوع من هذه المواضيع واحتلت القضية الجنوبية أهم وابرز مواضيع الحوار وسارت النقاشات والحوارات فيها على عدة مراحل ابتدأت بطرح الأحزاب السياسية ومكونات الحوار الأخرى رؤاها حول جذور القضية الجنوبية ثم محتواها وصولا إلى كيفية الحلول والمعالجات للقضية الجنوبية وهو ما يعمل الجميع بالتوصل إليه وقد تكللت الجهود بالتوقيع على وثيقة الحلول والضمانات بتاريخ 25ديسمبر من كافة أطياف اللون السياسي والمكونات الأخرى في اجتماع ترأسه رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة جمال بنعمر وبالمثل كان التعامل مع قضية صعدة حيث تركزت الحوارات والرؤى في جذور القضية ومحتواها وسبل معالجتها وضمان عدم تكرار ما حدث .
وخصص المحور الثالث إلى القضايا ذات بعد وطني لتسليط الضوء حول قضايا النازحين وسبل معالجتها واسترداد الأموال والأراضي المنهوبة في الداخل والخارج بسبب إساءة استخدام السلطة ومكافحة الإرهاب فيما اشتملت قضايا المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية على وضع الحلول للصراعات السياسية السابقة والانتهاكات الحقوقية المرتبطة بها و قضايا وحقوق المخفيين قسرا وانتهاكات حقوق الإنسان التي حصلت في العام2011م.
وفي المحور المخصص لبناء الدولة اندرجت تحته عدد من القضايا أبرزها هوية الدولة الجديدة  وشكلها ونظام الحكم والنظام الانتخابي والسلطات التشريعية والقضائية والنظام الإداري وجاءت القضايا الحوارية الخاصة بسيادة القانون و توازن السلطة والمسؤولية وتطبيق المساءلة والمحاسبة والشفافية وتحقيق العدل والمساواة بالإضافة إلى محاربة ظاهرة الفساد وتكافؤ الفرص بين المواطنين  وتوسيع المشاركة الشعبية وكفاءة الإدارة العامة وأسس السياسة الخارجية في إطار محور الحكم الرشيد ولما للمؤسستين الأمنية والعسكرية في حفظ امن البلاد واستقرارها فقد اخذ محورا مستقلا ركزت نقاشاته على أسس بناء الجيش وطنيا ومهنيا ومدى توافق مخرجات إعادة هيكلة  الجيش مع تلك الأسس ودور الجيش في الحياة السياسية ومؤسسة الأمن كهيئة مدنية وركز محور آخر على ضرورة استقلال الهيئات ذات الخصوصية أبرزها  الخدمة المدنية والإعلام والأوقاف والواجبات الزكوية وحقوق الإنسان و دار الإفتاء والأجهزة الرقابية وشؤون الأحزاب والهيئات ذات العلاقة بالفئات( الشباب المرأة …الخ) كما خصص الحوار محاور لمناقشة الحقوق والحريات والتنمية الشاملة والمتكاملة والمستدامة بكل جوانبها وقضايا اجتماعية وبيئة خاصة
الأمانة العامة
تشكلت الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني الشامل من كادر متفرغ وعالي التأهيل للقيام بالمهام المنوط بها في المجالات المحددة في الهيكل التنظيمي أدناه .
وتم استقطاب وتعيين ذلك الكادر عن طريق برنامج الأمم المتحدة لدعم الحوار الوطني وتم تعيين الأمين العام ونائبي الأمين العام من قبل الأخ رئيس الجمهورية بعد التشاور مع اللجنة الفنية وتزكيتهم من قبل المؤتمر فيما يتم إتباع الإجراءات الإدارية الخاصة بالأمم المتحدة في تعيين بقية الكادر.
وتتولى الأمانة العامة توفير الدعم للمؤتمر من جميع الجوانب والمسؤولية عن تقديم جميع الخدمات التي يحتاجها المؤتمر لتسيير أعماله وتوفير كافة التسهيلات اللازمة لاجتماعات الهيئات المختلفة في المؤتمر بما في ذلك حفظ الوثائق وسجل الجلسات والقيام بنشرها عند الحاجة وتوفير وسائل النقل والسكن للمشاركين.
كما تتولى الأمانة العامة توفير جميع الخدمات للمؤتمر بما في ذلك الوثائق والأرشفة وتسجيل الملاحظات وتوفير التغذية وإدارة مقر المؤتمر وتنفيذ أنشطة توعية وتواصل وتنظم برنامج للتربية الوطنية المدنية وحملات توعوية شعبية حول ما يدور من مناقشات داخل المؤتمر والقرارات التي يتوصل إليها بالإضافة إلى تيسير إيصال آراء وملاحظات الجمهور إلى المؤتمر والى فرق العمل
لجنة التوفيق
في الثاني من يونيو من العام 2013م صدر قرار رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة التوفيق التي تتكون من رئاسة المؤتمر ورؤساء فرق العمل وعدد من الأعضاء يعينهم الرئيس من أعضاء اللجنة الفنية بالتوافق مع اللجنة الفنية , وبما يضمن تمثيل كافة المكونات بشكل متوازن على أن يمثل الجنوب بـ50% من قوام لجنة التوفيق , كما تمثل المرأة بما لايقل عن 30% تتمثل مهام ومسؤوليات لجنة التوفيق بالتوفيق بين أعضاء المجموعات في القضايا المختلف فيها وتقديم مقترحات لحل الخلافات والتشاور مع الأعضاء والمكونات في قضايا الخلاف لإيجاد رأي توافيقي والتنسيق بين مخرجات فرق العمل وتفسير النظام الداخلي للمؤتمر علاوة على متابعة تنفيذ قرارات المؤتمر والتأكد من تنفيذها بعد انتهاء أعماله.
فيما تتولى رياسية الحوار إدارة الجلسات العامة وإعداد مشاريع خطط وجداول أعمال الجلسات العامة وتمثيل المؤتمر لدى الجهات الداخلية والخارجية وتعريف الأعضاء بأدوارهم ومسؤولياتهم وواجباتهم المختلفة في المؤتمر بالإضافة إلى تطبيق القواعد والإجراءات التي تنظم سير أعمال المؤتمر والإشراف على تشكيل فرق العمل واللجان المختلفة ومتابعة عمل فرق العمل والإشراف على عمل الأمانة العامة وتقويم أدائها.
نزول ميداني
في التاسع من مايو ترأس الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس مؤتمر الحوار الوطني اجتماعا استثنائيا لهيئة رئاسة مؤتمر الحوار الوطني ورؤساء فرق العمل والأمانة العامة للمؤتمر دشن خلاله عملية النزول الميداني للجان المتخصصة في مختلف المجالات وذلك من اجل الاطلاع عن كثب لمجريات الأمور والتعرف عن قرب على احتياجات المجتمع من حيث صياغة منظومة الحكم الجديد وطبيعة الاتجاه العام نحو المستقبل المأمول والاستماع إلى الآراء والمقترحات من النخب السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وشرائح من أبناء المجتمع ونزلت الفرق الميدانية إلى المحافظات والى الناس وأصحاب القضايا وعقدت لقاءات مكثفة للسماع منهم واستيعاب رؤاهم ومشاكلهم لتسهيل وصول أفكار كل الناس وعدم إهمال أي قضايا وعادت الفرق محملة بالقضايا لمناقشتها وتبنيها في مؤتمر الحوار.
الجلسات العامة
انقسمت جلسات مؤتمر الحوار إلى ثلاث جلسات عامة دشنت الجلسة الاولى فعاليات أعمال فرق الحوار التسع والحوارات الجادة والمعمقة التي شابتها العديد من التوافقات والاختلافات وبدأت غربلة القضايا واستخلاص الحلول والرؤى فيما خرجت الجلسة الثانية بالعديد من المحددات الدستورية والنتائج الملزمة أو التي سيتم مناقشتها باستفاضة في المرحلة الثانية وأشارت النصوص الدستورية في مجملها على التزام النزاهة والشفافية وتحييد الوظيفة العامة والفصل بين السلطات واستقلالية القضاء واعتماد مبادئ الحكم الرشيد بكافة مرافق الدولة وان لا ضرائب أو جبايات إلا بقانون وتجريم دفن أي نفايات أو مواد مشعة ومكافحة التهريب كما وضعت العديد من النقاط والمحددات الدستورية المعززة للحقوق والحريات وآليات لتحييد المؤسستين العسكرية والأمنية وتعزيز الوضع الصحي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ومكافحة الفقر والبطالة وتحسين المستوى المعيشي وتمكين المرأة من شغل الوظائف العليا والارتقاء بمستوى تعليمها وحرج فريق القضية الجنوبية بـ11 نقطة تعد جزءاٍ من المفاتيح والحلول للقضية تركزت في سرعة انجاز أعمال لجنتي الأراضي المنهوبة والمسرحين من وظائفهم وإعادة الحقوق لصاحبها والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومعاملة شهداء الحراك كشهداء الثورة الشبابية السلمية.
وبعد توقيع وثيقة الحلول والضمانات للقضية الجنوبية ورفع ثمان فرق عمل لتقريرهم إلى لجنة التوافق شارف الحوار الوطني على طي صفحة الماضي والعبور إلى اليمن الجديد والمستقبل المشرق الذي ظل أبناء اليمن يحلمون به من سنوات.
الوثيقة أعادت كل الحقوق لأبناء المحافظات الجنوبية ورفعت المظالم والانتهاكات التي حدثت في الحقبة السابقة وما نتج من حرب 94م وما بعدها ونصت الوثيقة على صياغة دستور جديد يتضمن أعلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان ويضمن حرية الشعب في تحقيق نموه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي وان يحدد الدستور في الدولة الاتحادية توزيع السلطات والمسؤوليات ولا تتدخل السلطة المركزية في صلاحيات السلطات التنفيذية وتمثيل الجنوب بنسبة 50بالمائة في كافة الهياكل القيادية والتشريعية بما فيها الجيش والأمن خلال الدورة الانتحابية الأولى بعد تبني الدستور الاتحادي والتمثيل بنسبة 50 بالمائة في مجلس النواب وإعطاء الأولية في التوظيف والتدريب والتأهيل لأبناء الجنوب لمعالجة التفاوت في التمثيل بالوظائف .
بر الأمان
جسد الحوار الوطني حكمة اليمنيين وقدراتهم على معالجة مشاكلهم بالعقل والحوار ففي حين احتكمت بعض بلدان الربيع العربي إلى لغة القوة والعنف وأصوات البارود ودخلت في متاهات الحروب الأهلية والصراعات المسلحة ذهب اليمنيون إلى مائدة الحوار للبحث عن حلول ومعالجات لواقعهم وأزماتهم بعيدا عن التعصب والولاءات وتصلب المواقف فصار النموذج اليمني موضع إشادة وتقدير واحترام من المجتمع الدولي وحظي الحوار الوطني برعاية أممية وعلى رأس الداعمين دول مجلس التعاون الخليجي والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة.
على الرغم من أن الحوار الوطني هو المخرج الوحيد من الأوضاع المتأزمة التي مرت بها البلاد إلا أن هناك قوى وقفت تراقب مجرياته بلؤم وتضع العراقيل إمامه كلما سنحت لها الفرصة متناسية أن غرق السفينة لن يبقي على أحد وسيضطر الجميع إذا كانت نجحت في إفشال الحوار والوصول بالوطن إلى الطريق المسدود.

قد يعجبك ايضا