الثورة / علي الشرجي
حين وصل الملك عبدالعزيز آل سعود إلى المنطقة الشرقية للمملكة حديثة التأسيس ، بعد تدفق النفط كانت رائحة النفط تنتشر في الهواء فأغلق الملك البدوي نافذة سيارته تفاديا للرائحة التي لم يع ماهيتها ، قالوا له إن هذه رائحة النفط، فأعاد فتح النافذة واستنشق بعمق وقال «هذه عزكم».
في العام 1939م افتتح عبدالعزيز ميناء رأس التنورة الذي بدأ استقبال ناقلات وبواخر البترول من أجل تصدير الزيت؛ غادرت أوّل ناقلة تحمل شحنة الزيت الخام من الميناء في العام نفسه، بدأت السعودية ببناء رأس التنورة على ساحل الخليج العربي، بعد اكتشاف العديد من آبار النفط في منطقة رأس التنورة شرق السعودية ، استمرت السعودية في تضخيم وعملقة منشآت النفط ، حتى باتت أغنى دول العالم نفطا ودولارا..عز السعوديين وذلهم.
قد يعيد استهداف منشآت النفط العملاقة ، السعودية إلى عهدها قبل أقل من 100 عام ، وتحديدا قبل انتشار تلك الرائحة التي لم يعرفها الملك السعودي ، استهداف الميناء يوم أمس من اليمن يعيد التذكير بالملك الذي اعتبر عز السعوديين في روائح النفط الغريبة ، وذلهم في عزة اليمن السعيد.
في 1990 خلال حرب الخليج الثانية تعرض ميناء رأس التنورة لقصف جوي بطائرتين من نوع داسو ميراج إف1 المحملة بالقنابل الحارقة وطائرتين من نوع ميكويان-غوريفيتش ميغ-23 كغطاء مقاتلة ، تمكنت المملكة من التصدي للطائرات وإن كان بعد اختراق الأجواء وتنفيذ القصف ، لكن الميناء هذه المرة يواجه حربا مختلفة تماما في معادلاتها وسلاحها وفي أحقية المحاربين الذي يدافعون عن أنفسهم ويصدون بغي الأمير بن سلمان المتخم بالنفط والأموال التي أدرتها سنوات من ضخ ميناء رأس التنورة للزيوت والمكررات ، وحقول نفطية أخرى.
تكرس عملية توازن الردع السادسة التي نفذتها القوات المسلحة يوم أمس واستهدفت ميناء رأس التنورة في المنطقة الشرقية ، معادلة على نقيض معادلة الملك ، ميناء رأس التنورة هو أكبر موانئ تصدير النفط في العالم يبعد من أقرب نقطة في الحدود اليمنية 1,256 كم ، ويقع في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة القطيف، ويعتبر أكبر ميناء لشحن النفط في العالم، تشحن السعودية منه أكثر من 90 % من صادرات السعودية من الزيت الخام والمنتجات المكررة.
في عام 1933 قامت حكومة المملكة العربية السعوديّة بتوقيع اتفاقيّة التنقيب عن النفط بينها وبين شركة “سماند أويل أف” في كاليفورنيا، وبهذه الاتّفاقية تمّ إعطاء الشركة امتياز التنقيب عن النّفط، والحق الكامل للتنقيب عن النفط في منطقة شرق السعوديّة، وذلك بمنطقة رأس التنورة ، وفاحت روائح النفط منذ ذلك العهد وضربت الجزيرة العربية الشرور والحروب.
تعد العملية النوعية التي نفذتها القوات المسلحة يوم أمس «توازن الردع السادسة»هي الأخطر على النظام السعودي الذي بات يترنح بين وقع الضربات واستجداء الأمريكيين للحماية ، من ناحية الهدف «رأس التنورة» الضرع الحلوب الأهم ، 90 % من نفط السعودية يشحن عبر هذا الميناء ، والروائح التي فاحت قد تطوح بها الصواريخ والمسيرات اليمنية.
وقد أكد العميد يحيى سريع تمكن القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير من تنفيذ عملية هجومية واسعة في العمقِ السعوديِّ بأربع عشره طائرةً مسيرةً وثمانيةَ صواريخَ باليستيةٍ.. منها عشرُ طائراتٍ مسيرةٍ نوع (صماد3) وصاروخ «ذو الفقار» ، استهدفت شركةَ أرامكو في ميناءِ رأسِ التنورةِ وأهدافاً عسكريةً أخرى بمنطقةِ الدمامِ.
تعتبر ناقلات الزيت في ميناء رأس تنورة من أهم الوسائل التي يُشحن فيها الزيت الخام ومنتجاته من اماكن الانتاج إلى الأسواق العالمية ، تستقبل رأس التنورة يومياً حوالي ست ناقلات يبلغ متوسط حمولة الواحدة منها حوالي خمسة وعشرين ألف طن ، وتشحن ناقلات رأس التنورة قسماً كبيراً من الزيت الذي تنتجه حقول السعودية إلى مختلف انحاء العالم، ومنها ما يتجه جنوباً نحو استراليا ونيوزيلاندا، ومنها ما يذهب إلى اوروبا عن طريق السويس، ومنها عابرات المحيط الضخمة التي تمر حول رأس الرجاء الصالح إلى أوروبا وامريكا.
في منطقة رأس التنورة تقع أكبر مصافي النّفط العالميّة، بالإضافة إلى ميناءين للنّفط ومعمل غاز ومعمل كبريت، بالإضافة إلى أوّل محطّة كهربائيّة بخاريّة على مستوى الشرق الأوسط ، الميناء تحول إلى جزيرة صناعية تمّ إنشاؤها عرض الخليج العربي عام 1966م، وتتألّف من ثمانية مراسي تستقبل الناقلات والبواخر النفطيّة.
المنشآت الحيوية للسعودية تحت الرصد والاستهداف ، وهذه المنشآت العملاقة من أهم مصادر تمويل الحرب على اليمن التي تشن منذ ستة أعوام تبدأ عامها السابع بعد أيام ، تعد هذه المنشآت أهدافا للعمليات اليمنية التي وضعتها ضمن خارطة أهدافها ، منذ عملية توازن الردع الأولى فإن الضروع الحلوبة هي الأهداف الذي تتوجه إليها الصواريخ والمسيرات اليمنية ، والضرع الحلوب هو مصطلح أطلقه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي وقصد به منشآت النفط العملاقة.
قطعت الطائرات المسيرة في ثاني عملية هجومية «توازن الردع الثانية» نفذتها القوات المسلحة في 14 سبتمبر على منشأة بقيق أكثر من ألف كيلو متر واخترقت كل الدفاعات السعودية التي اشترتها من أمريكا ” الباتريوت ” ولم تكتشفها ، احترق قلب النظام السعودي ، واهتز عالم النفط والبترودولار.
توالت عمليات توازن الردع واتخذت منحى تصاعديا وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم ، الميناء النفطي الأكبر في العالم يتعرض للضربات الصاروخية والجوية اليمنية ،ميناء رأس التنورة عز السعودية وضرعها الحلوب للعالم ، هو أساس حياة المملكة ، وضربه موجع سيفقد الأعداء ضرعا حلوبا ، ويعيد مملكة آل سعود إلى ما قبل عهد الرائحة التي فاحت في العام 1939/م.
العملية يفترض بها أن تدفع النظام السعودي ومن ورائه الراعي الأميريكي الذي يرضع من رأس تنورة السعودية ، إلى وقف العدوان ورفع الحصار فورا ، فالوصول إلى رأس التنورة ناقوس خطر على النظام السعودي ، إذ أن استهداف ضروع البقرة الحلوب «المنشآت النفطية السعودية» هي استراتيجية الردّ والردع المشروع يمنيا ، ردا على الحصار المفروض على اليمن وفرض الخناق على ملايين اليمنيين ، عشرات السفن المحملة بالنفط والوقود ما تزال محتجزة في البحر منذ أشهر.
قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حذر النظام السعودية مرارا من أننا لن نسمح بأن يموت الشعب اليمني جوعا ، ولن يلتزم اليمنيون الصمت إزاء التجويع الممارس عليهم ، وأكد «استهداف الضرع الحلوب لن يتوقف حتى يجفّ» ، أي أن حقول النفط كافة أصبحت أهدافاً لسلاح الجو المسيّر والصواريخ الباليستية.