مع سبق الإصرار والترصد، مارست قوى العدوان قرصنتها على سفن المشتقات النفطية، كاسرة محاذير العالم والقوانين الإنسانية بأن الحروب عليها تحييد الجانب الاقتصادي وكل ما له علاقة بحياة المدنيين، متجاوزة المناشدات الدولية، والأصوات الحرة في العالم لتمعن في سياسة القتل البطيء للمواطنين من خلال احتجاز السفن أكانت نفطية أو غذائية أو دوائية ،وإن كان الاستهداف أكثر على مشتقات الوقود، لعلمهم بارتباطها المباشر بحياة المواطن، فانعدامها يوقف كل شيء ويعقد من الحصول على مختلف الخدمات، فضلا عن توقف الأجهزة العلاجية لأصحاب الأمراض المزمنة الذين ارتبطت حياتهم باستمرار تشغيل هذه الأجهزة.
الثورة / وديع العبسي
وفقاً لما تخلص إليه القراءات والتأملات في قرصنة العدوان على السفن المتكررة والطويلة في أمدها، فإن العدو إنما يتحرك ويمارس هوايته في القرصنة من أجل غاية ضرب الواقع الحياتي للمواطنين، فهو استهداف متعمد ومدروس، إذ تسبب ذلك في عدم الاستفادة المثلى من الانخفاض العالمي لأسعار المشتقات النفطية، وهو من أهم الأهداف التي سعى إليها العدوان لعلمه بأن الانخفاض الذي شهدته أسعار النفط عالميا بداية العام الماضي بسبب جائحة “كوفيد19” سينعكس بشكل أو بآخر على المواطنين، وزادت دول القرصنة من استهدافها لتتعمد تأخر السفن على نحو يتسبب في تراكم حجم الغرامات، الأمر الذي يتعقد معه توفر أي هامش يمكن لشركة النفط اليمنية التحرك فيه لجهة خفض أو تحقيق مكاسب ذات جدوى يمكن أن تنعش خزينة الدولة وتحفز على صرف نصف الراتب.
خلال العام الماضي ارتكبت قوى العدوان (72) عملية قرصنة إجرامية استهدفت اثنين وسبعين شحنة وقود، تم اقتيادها قسراً إلى منطقة الحجز رغم حصولها على تصاريح بعثة التحقق والتفتيش الأممية.
مستويات قياسية
بالنظر إلى حجم الخسائر فإن الاقتصاد الوطني تكبد خلال العام الماضي ما يقارب (10) مليارات دولار من الخسائر المباشرة وغير المباشرة، طالت مختلف القطاعات نتيجة استمرار ممارسات القرصنة الدولية بغطاء المنظمة الأممية التي عملت طيلة العام 2020م على التنصل من كافة الاتفاقيات والالتزامات الإنسانية والدولية والإمعان في تضليل الرأي العام العالمي مع العمل على إضافة المزيد من التعقيدات السياسية إلى الملف الإنساني وبالصورة التي تخدم المتطلبات التمويلية للمنظمة وتوجهات دول العدوان، المانحة، ما زاد في معاناة المواطنين الذين يعانون أصلا من تداعيات استهداف عسكري طيلة ست سنوات تقريبا بالتزامن مع حصار للموانئ والمطارات من قبل قوى العدوان ومتابعة أممية للأسف الشديد.
في بيان لها أمس، ذكرت شركة النفط اليمنية أن غرامات التأخير تضاعفت إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، تقدر بحوالي (107) ملايين دولار وهو ما ترتب عليه رفع تكلفة المواد لزيادة معاناة المواطنين اليمنيين خاصةً في ظل تصاعد الأسعار العالمية للمشتقات النفطية.
الشركة حملت قوى العدوان والأمم المتحدة كامل المسؤولية عن جرائم الحصار والقرصنة البحرية وما يترتب عليها من انتهاكات جسيمة وتداعيات كارثية، ودعت المنظمات الإنسانية والأحرار في الداخل والخارج إلى مواصلة وتكثيف الفعاليات والأنشطة الاحتجاجية الرافضة لكل أشكال الحصار السافر والتضييق المعيشي المتزايد.
استهداف حياة المواطنين
قبل أيام وصلت السفينة “ميورا” وعلى متنها 14 ألفاً و299 طنا من البنزين إلى ميناء الحديدة بعد احتجازها بشكل تعسفي من قبل تحالف العدوان لمدة 260 يوماً بإجمالي غرامات تأخير مترتبة على احتجاز هذه السفينة بلغ ثلاثة ملايين و٩٠٠ ألف دولار.
سبق ذلك وصول السفينة “باكستر” التي تحمل 29 ألفاً و475 طناً من البنزين إلى ميناء الحديدة ، بعد احتجازها لمدة 104 أيام، وبلغ إجمالي الغرامات المتراكمة على السفينة بسبب احتجازها، مليونان و288 ألف دولار.
ومنتصف أكتوبر، رست السفينة (داماس) على الرصيف التجاري بميناء الحديدة وعلى متنها 29 ألفاً و491 طناً من الديزل بعد احتجازها من قبل تحالف العدوان قرابة 200 يوم في عرض البحر رغم حصولها على تصريح من الأمم المتحدة، وبغرامات تأخير بسبب منع التحالف دخولها، بلغت أربعة ملايين و400 ألف دولار ..
وعلى إثر هذا الإيقاع المتباعد لإفراج القراصنة عن السفن، بلغ مجموع الكميات الواصلة إلى الميناء والمخصصة للاستهلاك العام ما لا يتعدى 45% من الاحتياج الفعلي في الوضع الطبيعي خلال العام2020م، حسب بيان شركة النفط أمس.
في تصريحات سابقة أكدت شركة النفط اليمنية أن تحالف العدوان يتعمد قتل 26 مليون مواطن نتيجة استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية، محملاً الأمم المتحدة كامل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع وما ستؤول إليه في الأيام القادمة.
وقالت:”الأمم المتحدة هي من توفر الغطاء للعدوان بل أصبحت مشاركة في استمرار القرصنة واحتجاز سفن المشتقات النفطية، حيث تجاوزت فترة احتجاز 6 سفن نصف العام”.
وأشار المدير التنفيذي لشركة النفط، إلى أن الشعب اليمني أمام كارثة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً نتيجة توقف العديد من المحطات.
فيما يرى مراقبون، أن استمرار الممارسات التعسفية لتحالف العدوان يُنذر بكارثة وشيكة تتمثل في توقف كافة القطاعات الحيوية والخدمية، فضلاً عن غرامات التأخير المفروضة على السفن المحتجزة والتي يتحملها بالدرجة الأولى المواطن.
معدلات سوء التغذية
وكانت ورقة عمل حول الآثار والتداعيات الإنسانية لاحتجاز ومنع دخول سفن المشتقات النفطية، حذرت من كارثة إنسانية تهدد أكثر من 26 مليون يمني بسبب استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية من قبل دول التحالف.
وأكدت الورقة- التي أعدها المستشار القانوني في وزارة حقوق الإنسان حميد يحيى الرفيق- أن اليمن يشهد حالياً واحداً من أعلى معدلات سوء التغذية المزمن في العالم نتيجة الحصار الذي تمارسه دول تحالف العدوان بفرض قيود تعسفية على واردات المتطلبات الأساسية لاستمرار الحياة من مشتقات نفطية وغذاء ودواء.
وأشارت، إلى أن ممارسات العدوان ومنعه دخول السفن المحملة بالمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات والمعدات الطبية ومشتقات النفط والغاز يعكس مستوى الانحطاط الذي وصلت إليه دول العدوان.
وأوضحت الورقة الاقتصادية، أن استمرار احتجاز سفن المشتقات النفطية لفترات طويلة سبب رئيسي لتراجع العديد من القطاعات الخدمية الأساسية عن تقديم الخدمات للمواطنين خاصة القطاع الصحي
وأكدت أن احتجاز السفن أدى إلى أزمة مشتقات نفطية انعكست آثارها على حياة المواطنين والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والأمن الغذائي والمعيشي في البلاد، وتركت تبعات ستظهر مؤشراتها في اتساع معدل الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وصعوبة الوصول إلى الخدمات الأساسية، فضلا عن تزايد الاحتياج للأمن الغذائي.
وتطرقت إلى تأثيرات وانعكاسات احتجاز تحالف العدوان لسفن المشتقات النفطية على الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد .. موضحة أن التقديرات تشير إلى أن 50 % من الحركة الاقتصادية توقفت بصورة عامة، وعلى وجه الخصوص في القطاعات الصناعية والزراعية والتجارية والنقل الداخلي بين المدن.
ويبدو أن هذه التحليلات في الجانب الإنساني- التي تشير إلى واقع تأكَد أنه هدف العدوان- لم تعد تحرك شيئا في الضمير العالمي.