2020 عام الحقائق و2021 عام الاستحقاقات

إيهاب شوقي

مع نهاية كل عام وبداية آخر جديد، تكثر التقارير والتحليلات والمواد الصحفية والإعلامية المتعلقة بالحصاد والاستعراض لأبرز أحداث العام في المجالات المختلفة، بينما تندر الوقفات التحليلية للعنوان الأبرز، أو السمة التي ميزت العام.
وربما أن المراحل التاريخية، والتحولات الكبرى، لا تقاس بعام واحد، بل ربما تتطلب تراكمات لعدة أعوام، وتكون وحداتها أكبر من ناحية القياس، فتتخذ مقياسًا آخر مثل العقد أو الحقبة، الا أن هناك أعوامًا تحمل مميزات التحول، وتشهد تكثيفًا للأحداث حينًا، وأحداثا نوعية في حين آخر، مما يجعلها بالفعل أعوامًا مميزة يمكن أن تكتسب سمة أو عنوانًا بارزًا.
ومن هذه الأعوام بلا شك، هو العام 2020 والذي يمكن أن نصفه بأنه «عام الحقائق»، وبناء على هذه الحقائق وانكشافها، فإننا نتجه نحو عام الاستحقاقات، حيث تتجه الأحداث لفك التعقيدات وزوال الضباب وتسمية الأمور بمسمياتها، وعليه فإن كل طرف من أطراف المعادلة سينال استحقاقه من المكافأة أو العقاب، إضافة إلى أنه وقت استحقاق فواتير السنوات والعقود الماضية دون هوامش من الوقت تسمح بالتلكؤ أو المناورة.
وهنا نحاول باختصار أن نستعرض أهم ما انكشف من حقائق في هذا العام «2020»، وبالتالي سمات الاستحقاقات في العام الجديد:
أولًا: بدأ العام بجريمة قذرة، تمثلت في اغتيال الشهيدين، الحاج قاسم سليماني، والحاج أبو مهدي المهندس، وهي جريمة تكشف البلطجة الأمريكية علانية وتجاوز القانون الدولي صراحة، دون حساب أو عقاب، وهي ممارسة عملية دأبت عليها أمريكا، والفارق أنها كانت تختلق لها الذرائع وتحاول شرعنتها، بينما كشفت الجريمة الوجه الحقيقي المجرم لأمريكا، والوجه الحقيقي للقانون الدولي العاجز، وكذلك حقيقة المجتمع الدولي المنافق.
كما كشفت الجريمة أيضًا حقيقة الإفلاس الأمريكي والعجز أمام محور المقاومة، وأمام الصمود الإيراني في وجه الحصار والعقوبات دون تنازل، مما أجبر الأمريكي على تغيير قواعد لعبة الإرادة، والولوج للعبة البلطجة العلنية.
ومن ضمن الحقائق التي كشفت أيضاً، عدم خوف المقاومة من الرد والوصول بالأمور لحافة الهاوية، بينما تراجع الامريكي عن التصعيد، ولا زال المعلن هو أن الانتقام للشهيدين لم يتم وأن الخروج الأمريكي من المنطقة هو الاستحقاق الأبرز في منظومة الرد التي لا تقتصر على قصف للقواعد أو ردود عسكرية فقط.
كما كشفت الجريمة حقيقة الاصطفاف الأمريكي مع الإرهاب وتنظيماته وعلى رأسها «داعش»، حيث كان الشهيدان في خضم اتمام الانتصار على هذه التنظيمات وجاءت الجريمة انتقامًا للإرهاب وتنظيماته!
ثانيًا: في الشهر الأخير من العام، جاءت جريمة قذرة جديدة، تمثلت في اغتيال العالم النووي الكبير «محسن فخري زادة»، وهي إعلان جديد عن الإفلاس والبلطجة، وكل الشواهد تشير إلى العدو الإسرائيلي، الذي يجبن عن الاعلان والاعتراف، وهو تأكيد لمدى الألم والرعب الذي يعيشه الكيان الاسرائيلي من الصمود الايراني وتطور محور المقاومة، والذي توعد بالرد والزم نفسه به في التوقيت الذي يراه ناجزًا للأمر.
ثالثا: بدأ العام برعب دولي وشعبي من تفشي جائحة كورونا، وها هو يختتم برعب أكبر من تحور الفيروس ووجود سلالة جديدة، وهي سمة وسمت العام كله كخلفية ثقيلة ثابتة لمشهد الأحداث الأخرى.
وقد كشفت الجائحة، مدى هشاشة النظام الدولي والفجوة الكبيرة بين ما يتم تصديره من التقدم العلمي والدوائي، وبين الواقع العاجز أمام فيروس مستجد.
كما انكشفت حقائق الاقتصادات الكبرى واعتمادها على الريع والتجارة، دون أسس متينة تكفل الاكتفاء ومواجهة الطوارئ، وانكشفت الأولويات الحقيقية، واهتراء القطاعات الصحية في دول كبرى تروج لنفسها باعتبارها الحامية لمواطنيها ولحقوقهم، وانكشفت ألاعيب شركات الأدوية وسعيها للربح حتى في اوقات الكوارث، وغيرها من الحقائق التي لا تزال تتكشف بفعل الجائحة وتداعياتها!
رابعًا: شهد الثلث الأخير من العام، إعلان التطبيع، بعد سنوات من الممارسات الخفية والخجولة، لتنكشف مع هذا الإعلان، حقيقة اصطفاف هذه الدول مع العدو الإسرائيلي، وأن عداءها للمقاومة كان اصطفافًا حقيقيًا لم تنجح الذرائع في التعمية عليه، إلى أن تم إعلانه صراحة وبشكل رسمي.
خامسًا: انكشفت حقيقة الديمقراطية الأمريكية المزعومة، بممارسات عنصرية واحتراب أهلي، وصولا إلى تشكيك رئيس أمريكي في نزاهة الانتخابات ووصفها بالتزوير، وعدم اعترافه بنتيجتها ولا تهنئته لغريمه، وربما تحريضه على الفوضى، ولا يزال المشهد يحمل نذر الصدام والفوضى وهدم المعبد. سادسًا: ظهرت حقائق أشخاص ورؤساء وقوى سياسية، طالما تخفت وحاولت التذرع بالموضوعية والواقعية وحاولت امساك العصا من المنتصف، بينما عند محطات الفرز الحاسمة، ظهر اصطفافها مع معسكر الصهاينة، إما بدافع الارتزاق من الخليج، وإما بسبب الحقد الأسود على المقاومة وعدم تصور الاصطفاف معها مهما انجلت الحقائق وفرزت المعسكرات.
سابعًا: شهد العام حوادث فارقة، أعلنت حقائق كانت محل مناقشة بسبب اعتمادها على الرصد والتحليل فقط، بينما أعلنت كحقائق بفعل هذه الحوادث الكاشفة، مثل عدم وجود مفهوم للدولة في لبنان على خلفية انفجار مرفأ بيروت وعدم التوصل لنتائج ووجود اشخاص فوق المحاسبة، ومحاولة الصاق التهمة بالمقاومة.
ومثل حقيقة الوضع في مصر ووهم فوائد التحالف مع أمريكا والخليج، بعد وصول قضية سد النهضة في مصر لطريق مسدود، وعدم اتخاذ إجراءات ملائمة لقضية مصيرية بهذا الحجم، وبعد إعلان التطبيع الخليجي والذي ينطوي على خصم استراتيجي من الدور المصري ناهيك عن التهديد الاقتصادي في أهم مرافق مصر الحيوية.
ثامنًا: حقيقة ضعف التركي، الذي حاول الإيهام بأنه قوة اقليمية متمددة وأنه قادر على التهديد وتجاوز حدوده والتمدد الاستراتيجي، بينما نراه عاجزًا أمام الصمود السوري والتهديدات من هنا ومن هناك، ويبدو أنه سيدفع ثمن تأرجحه بين الشرق والغرب.
تاسعًا: بروز حقيقة انتصار المقاومة اذا صمدت أمام أعتى عدوان، وقد شكل الصمود اليمني وانجازاته في الجبهات المختلفة مصداقًا لهذه الحقيقة.
هنا نحن أمام حقائق تكشفت وهناك من النماذج كثير، وأمام استحقاقات في العام الجديد، مبنية على هذه الحقائق، ويمكن أن يفرد لها مقال آخر، بينما يمكن ذكر أبرز معالمها في أننا أمام استقطاب واضح بين المعسكرات دون الذرائع القديمة البالية المتعلقة بتكفير المقاومة أو أمن الخليج أو الديمقراطية الغربية أو محاربة الإرهاب أو إحياء الدولة العثمانية..الخ.
نحن أمام امبراطورية أمريكية تتجه للأفول، وأمام نظام دولي عاجز ومكشوف، واقتصاد دولي مهترئ ومهدد بفعل الجائحة وما أفرزته تداعياتها من ظلال ثقيلة على مفهوم التعاون الدولي، وأمام عدو إسرائيلي يعيش أزمة ولا ينبري لإنقاذه إلا أمريكا ودول (عربية) في محاولة لخلق عنوان جديد للصراع، يتناقض مع المنطق والوجدان والتاريخ، وهو ما يشي بأننا على شفا مواجهات دولية وإقليمية، ومحلية داخل الدول، يتحول معها العام الجديد لدفع الاستحقاقات التي تأجلت بفعل الممارسات الخفية والهامش المتاح للمناورة والذي انتفى بفعل ما تكشف من حقائق.

قد يعجبك ايضا