من ربيع قطر.. إلى خريف السعودية !

أحمد يحيى الديلمي

 

انطلاقاً من قاعدة تقول ( تأكيد المؤكد محور هام لجلاء الحقيقة وقطع دابر الشك عن المعلومة المُراد إثباتها ) ها هي سيناريوهات الأحداث وطبيعة العدوان الهمجي الشرس على اليمن تُعري خلفية الاستهداف الجبان لليمن الأرض والإنسان والمقدرات ، وتعلن بجلاء لكل ذي بصيرة غباء حُكام الخليج واستعداد كل نظام لاستهداف ذاته وعقيدته والمحيطين به دون أن يعلم فقط لكي يخدم مصالح أعداء الأمة والدين ، هذا ما جسدته قطر بدعم ما سُمي بثورة الربيع العربي حيث كانت مصدر الدعم ومحور التوجيه ، وتجسده السعودية عملياً اليوم باتجاه آخر حوّل الربيع إلى خريف وأصبح الهم الأكبر لآل سعود استخدام الترغيب والترهيب وإنفاق المال ببذخ لدفع الأنظمة العربية إلى التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني كأهم دلالة تؤكد أن حلف الشر الثلاثي الممثل في أمريكا وبريطانيا ودولة الكيان الصهيوني هم من خططوا لاستهداف اليمن ببُعد استراتيجي هدفه خدمة مشروع الشرق الأوسط الكبير بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به الفكرة عام 2006م بفعل الصمود العظيم والبطولات الأسطورية لأبطال المقاومة اللبنانية التي أسقطت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر فمرغت وجه الصهاينة في التراب ، وبددت حلم كوندليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا آنذاك في ترجمة نفس المشروع الإمبريالي لإجبار دول المنطقة وفي المقدمة العربية على الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني كأمر واقع ومحور هام للظفر برضا البيت الأبيض .
المُثير للسخرية أن الوزيرة رايس تصدرت الأخبار في الأيام الأولى للعدوان الصهيوني على لبنان وحددت المهمة بأيام للقضاء التام على المليشيا اللبنانية المسلحة بحسب وصفها تمهيداً للقضاء على محور الشر والتصدي لسوريا وإيران بهدف تحجيم دور المقاومة الوطنية المسلحة في فلسطين والأراضي العربية المحتلة تمهيداً لإعلان مشروع الشرق الأوسط الكبير وترجمة الفكرة على أرض الواقع ، إلا أن الانتصارات الباسلة للمقاومة الإسلامية في لبنان وحالات التصدي الفلسطيني للصلف الصهيوني أسقط المشروع وجعل القلوب المكلومة تخفق بالفرح وقد أعتلت رايات الحق سماء لبنان وغزة ، وامتدت أباريق الإحساس بالعزة والكرامة إلى كل الدول العربية بما في ذلك الأنظمة التي كانت قد بادرت إلى التطبيع وجاهرت بالفاحشة أو التي ظلت تُمارس الفُحش تحت الطاولة ، لا انتصاراً لحقوق الأمة المغتصبة من الصهاينة بل بدافع الخوف من غضب الشعوب وردة الفعل المرتقبة من الشارع في حال استمر الوضع كما هو عليه واتسعت قنوات التواصل العلنية والسرية مع دولة الكيان الصهيوني.
هنا تتضح أهمية الصحوة في تلك الفترة الزمنية فلقد شكلت صعقة قوية أيقظت النخوة والثبات في كيان الأمة ، وأنعشت المواطنين العرب من السبات العميق بدفعها لإجبار الأنظمة على التوقف عن السباق إلى التصالح والاعتراف بدولة الكيان الصهيوني ، وجاءت انطلاقة حركة الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي لتمثل رافداً هاماً لمحور المقاومة مما دفع أمريكا إلى التوقف عن تنفيذ مشروعها التآمري واللجوء إلى أساليب أخرى اقتضت تعميق فكرة القبول بإسرائيل كطرف فاعل وأساسي في المنطقة والعمل على كسب المزيد من الأنصار بالذات في الجانب الإعلامي والثقافي حيث استولت المخابرات الأمريكية على قنوات تلفزيونية وأطلقت أخرى وظفتها لخدمة الفكرة بهدف الوصول إلى :
1) ضمان تبعية أنظمة الحكم لأمريكا.
2) تضخيم مخاطر ما يُسمى بالإرهاب واستقطاب الحركات الإسلامية إلى أحضان أمريكا ومنها :
أ – الوهابية .
ب – السلفية الجهادية .
جـ – حركة الإخوان المسلمين .
لتحقيق هذه الغاية لجأت المخابرات الأمريكية والبريطانية إلى استخدام كل الوسائل مهما تدنت ، وأتبعت أسلوب الخداع والتضليل للاستحواذ على ذهنية المواطن العربي والإسلامي بشكل عام من خلال التشكيك في القوى السياسية الحقيقة التي كان لها دور فاعل في صنع الثورات العربية وإبدالها بثورات ميتة كما حدث في ثورة الربيع العربي التي مولتها قطر وتصدرها الإخوان المسلمون ولم يدم زمنها الحقيقي أكثر من عام ، ثم تحول الإخوان من قبل من يدعمونهم إلى إرهابيين باستثناء قطر وتركيا ، أما السعودية فقد تنصلت من حلفاء الأمس تماماً وأيدت فكرة أنهم دعاة الإرهاب ، وعلى هذا الأساس تم تزييف الحقائق والانطلاق من قاعدة ضرورة المشاركة الفاعلة في استراتيجية الحرب الكونية على الإرهاب ومنها دخول إسرائيل كطرف أساسي في هذه الحرب الوهمية .
حينها لم تدخر المخابرات الأمريكية وسعاً في ترجمة الأهداف والغايات واحتواء الكثير من الأنظمة بما في ذلك الأنظمة التي حدثت فيها ثورة الربيع العربي بحيث أسقطتها تماماً ، ولا تزال أولى هذه الثورات بعد عقد من الزمن تقاوم لكي لا تسقط إلى الوحل كما سقط من قبلها ، وفي اليمن جاءت ثورة باتجاه آخر في 21سبتمبر غيرت الموازين وحولتها إلى الاتجاه الصحيح ، وهذا ما أغضب أمريكا وجعلها تتبنى الحرب على اليمن بهدف أسقاط هذه النواة الجديدة للثورة ، إلا أن صمود الشعب اليمني وبسالة أبنائه الأسطورية أفشلت كل المحاولات وحولتها إلى لا شيء ، مع ما كابده الشعب اليمني من مآسي اقتصادية وظلم فادح وأمراض فتاكة ، وهذا هو ديدن أمريكا من أجل مصالحها لا تبالي بشيء ، وإذا تحركت عندها العواطف الإنسانية أرسلت ببعض الأغذية الفاسدة غير الصالحة للاستخدام عبر ما يُسمى بالمنظمات الدولية ، أليست مهزلة أن يعيش العالم في ظل هذه الأنظمة غير السوية التي تربط مصالحها بدمار الآخرين!!؟ إنها قمة المهزلة وتتطلب من الشعوب التي لا تزال لديها بعض النخوة أن تناقش الأمر بروية وقدرة وفهم بمعاني ما يُحاك ضدها ، حتى تتصدى بقوة للهجمة الصهيونية الشرسة وتحول الهزيمة إلى نصر .
ما يحُز في النفس أن من يتبنى الحرب والدمار هم أشقاؤنا أبناء جلدتنا، وهذا ما جعل السعودية تشن حرباً ضروساً على اليمن وتخرج كل الأحقاد والضغائن ضد هذا الشعب المسكين الذي يكدح طويلاً لكي يظفر بلقمة العيش ، بينما آل سعود يعتبرون ما يقومون به بطولات خارقة ، فعلاً إنه زمن الغفول والعقول الزائفة ، والأمل أن تحدث صحوة جديدة تُعيد الأمة إلى الطريق القويم وتمكنها من استعادة ذلك الزخم العربي الذي اهتزت له الممالك والعروش في عقد الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي .. والله من وراء القصد ..

قد يعجبك ايضا