إسكندر المريسي
منذ العاشر من ديسمبر عام 1948م وحتى العاشر من الشهر الجاري ٢٠٢٠م تكمن في حسابات الزمن فترة تاريخية تقدر باثنين وسبعين عاماً منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل الأمم المتحدة بعد سبعة أشهر على إعلان 15 مايو 1948م تاريخ قيام الكيان الصهيوني كدولة في المنطقة العربية اعترفت بها الأمم المتحدة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، حيث أغفل العالم حقيقة يدركها أن القائمين على إعلان ذلك الكيان في ذلك التاريخ هم الذين أصدروا إعلان حقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948م وكانت تلك أولى الملاحظات التي مثلت اختلالاً كبيراً بشأن حقوق الإنسان، بالتالي يعتبر مفهوماً سياسياً لكي تعمم السياسة الدولية سيطرتها لا سيما على الأقطار العربية مستفيدة من حالة الضعف وأنظمة الاستبداد لتجعل من حقوق الإنسان مشروعاً لتلك السيطرة الدولية..
وخلال الفترة المشار إليها ما زالت تعاني أوضاع حقوق الإنسان في العالم أجمع حالات اضطراب شامل تخللتها حروب مختلفة ونزاعات متعددة خصوصاً في دول العالم الثالث التي تحتفل حالياً في كل عام بهذه المناسبة، حيث تشهد تلك الدول انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان بالجملة والتجزئة إلى درجة بات الواقع يظهر هشاشة المعنى وركاكة الحرف لوجود مسافة فاصلة بين الشعارات المرفوعة والحقائق التي تكذب ما تحمله تلك الشعارات من تزييف لوعي الشعوب وتضليل للجماهير باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة حتى أن أشد وأبشع الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية في واقع اليافطات المرفوعة من النظام العالمي والأمم المتحدة عن حقوق الإنسان..
يأتي هذا في ظل ما تشهده اليمن من عدوان سعودي غاشم منذ سنوات ارتكبت خلالها أبشع الجرائم بحق الشعب اليمني وما نتج عنه من قتل وتدمير وتشريد الآلاف من الأبرياء وهدم منازلهم وسط صمت عالمي رهيب خصوصاً من قبل الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام والتي قابلت ذلك بصمت مطبق ولم تكلف نفسها عناء إدانة تلك الأعمال البشعة ، فكل اصبع لا تدين العدوان ولا تشير إلى المعتدي “الرياض” هي اصبع خيانة، وبالتالي فإن الحديث عن حقوق الإنسان هو أسطوانة المنظمة الأممية التي خصصت يوما عالمياً للاحتفال به لأنها تعي وتدرك الدور التخريبي الذي تقوم به..
مثال آخر الشعب الفلسطيني وما يتعرض له منذ 15 مايو 1948م وحتى اليوم من أعمال عنف وإبادة جماعية شملت تهجير المواطنين وبناء المستوطنات وتشريد شعب بكامله، فيما العالم لا يتوقف عن الحديث حول حقوق الإنسان في واقع «مشكلن» يتنافى تماماً مع تلك الشعارات المطروحة..
الأمر الذي يجعل منها تسويقاً يتنافى مع حقائق الواقع، حيث تنهار الحدود المقدسة بين الكذب والحقيقة، وعندما كان العالم وخصوصاً الأمم المتحدة عام 2003م تقيم الدنيا ولا تقعدها وتعلن صيحتها لإنقاذ حقوق الإنسان في العراق، حينها تم إبادة أكثر من مليون عراقي في تلك الحرب غير المبررة إلا بذريعة تحرير العراق من العراقيين دفاعاً عن حقوق الإنسان، وما حدث في سجن أبو غريب ليس إلا صورة مصغرة لما يتنافى مع الأطروحات الزائفة حول تلك الحقوق والحريات العامة وما يحدث في معتقل جوانتنامو السجن الأميركي الذي وضع في زمن حقوق الإنسان، ناهيك عن الآلاف من المعتقلات العالمية التي يقيمها النظام الدولي في القارات والمحيطات للآلاف من السجناء ، وما يعانون من حالات تعذيب يومية وحروب نفسية ، حتى ظهرت حقوق الإنسان مجرد موضة تخفي الوجه القبيح للإرهاب المنظم ضد الشعوب والبلدان..
وما حصل في الحرب اليوغسلافية بين أطراف الصراع المختلفة كان إحدى صور حقوق الإنسان، الاسم الحركي لموضة الإرهاب الدولي، حيث تتناقض حقائق الواقع مع الادعاءات الزائفة والمطروحة بخصوص حقوق الإنساني ويتنافي مع ما تضمنه الإعلان العالمي الذي جعل من حقوق الإنسان مدخلاً لفرض التبعية والارتهان والوصاية الدولية والهيمنة على الأفراد والجماعات وعلى الأحزاب والحركات وعلى الشعوب والأنظمة..
تزايدات الاضطرابات العالمية بين البلدان والشعوب وانتشرت ظاهرة النزاعات والحروب المختلفة وصار الوطن العربي بسبب أنظمة الاستبداد والتدخل الخارجي دار حرب لا دار سلام، حيث انهارت الدولة في الصومال وتبددت الآمال والطموحات المشروعة في إصلاح أوضاع ذلك البلد فيما يتحدث العالم عن حقوق الإنسان خاصة والآلاف من الأعمال الإرهابية والتفجيرات المختلفة التي جعلت من الشرق الأوسط تحديداً والوطن العربي بؤر نزاعات داخلية ومناطق توتر وحروب لا تتوقف ولا تنتهي وكأن السياسة الدولية لا زالت وستظل مساهمة في ما آلت إليه الأوضاع سيما في بعض البلدان العربية كدوائر استهداف لتلك السياسة.
فهي تثير النزاعات وتؤجج الخلافات وتطرح التسويات وتقف وراء زعزعة الأمن والاستقرار لمعظم دول وشعوب البلدان النامية كل ذلك يجري ويطرح تحت شعارات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وما تضمنه من تأكيدات بخصوص أهمية تلك الحقوق والحريات العامة، فيما الواقع -كما أشرنا- يكذِّب تلك المزاعم، لأن ظهور حركات المقاومة خاصة في فلسطين ولبنان دليل واضح على أكذوبة الأطروحات التي تروج لحقوق الإنسان..
حيث لا أحد يصادر حرية الغير، ثم يتوقع ألا تتشكل مقاومة ضده، لأن حقيقة الشعار والمضمون في آن واحد صارت تعني بكل وضوح فرض العبودية والوصاية والهيمنة والسيطرة وسلخ الهوية والانتماء الديني والعربي والإسلامي المنتظرة من متطلبات حقوق الإنسان ، وبالتالي مصادرة الحرية التي تفرض المقاومة حتى صار الاحتلال الناعم للعقول وللحكومات وللنخب الفكرية والقوى السياسية إحدى أهم ركائز حقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي يطالب بتغيير الثقافات ويعمل من أجل ذلك على إنهاء الهويات الوطنية، كاشتراطات لحقوق الإنسان تتأسست من خلالها مقولات مفرغة المعنى والدلالة كشعار الحرية للمعتقلين تكريساً لحالة الوعي الزائف، حيث جرى الاقتران بين الحريات العامة والمعتقلات العامة في بلدان السيطرة التي يهيمن عليها النظام الدولي لتشهد حروباً داخلية لا تتردد المنظمات المعنية بحقوق الإنسان في تكرار الشعارات الكاذبة عنها لنشر التضليل على أبعد مدى وعلى مستوى العالم.