العمل الطوعي.. أيقونة إنسانية متلألئة بالعطاء

 

عبدالكريم أحمد الديلمي

لا يمكن لأي شخص يؤمن بأن للعمل التطوعي قيمة راقية ومكانة عظيمة في فرقد السمو، إلا بعد أن ينخرط فعلياً في أحد نشاطاته، وخاض أحد الأعمال الطوعية التي بدون شك ستثري تجاربه السابقة وستغير معتقداته عن الأعمال الخيرية والمجتمعية والتشاركية، بل وسيكتشف أن العمل الطوعي أحد أبرز الركائز الأساسية لبناء المجتمعات.
بدايةً، تحية عبقة تصافح قلوب المتطوعين النابضة بكل معاني الإنسانية والعطاء، وبكل أبجديات الشكر والاعتزاز، انثر قبلات ود لكل شخص آثر نفسه، ووهب جزءاً من وقته وجهده في نشاط انساني أو مجتمعي من شأنه تعزيز الروح التشاركية ومساعدة الناس في محنهم ومشاكلهم وظروفهم الصعبة، وأملي أن تتعمق جهود التطوع إلى توطين القدرات المحلية وقدرات المجتمع لمواجهة كل التحديات والظروف والضغوط الاقتصادية والصدمات السياسية، وإدماج العمل الطوعي ومساهمات المتطوعين في تحقيق الأهداف الإنمائية، لمكافحة الفقر والمرض والأمية والتدهور البيئي والاقتصادي والاجتماعي. وتحفيز المزيد من الناس في جميع مناحي الحياة على تقديم خدماتهم كمتطوعين، والانطلاق نحو بناء مجتمعات محلية قادرة على الصمود، بما من شأنه تقديم المساندة للوطن في هذا الظرف العصيب الذي يستدعي تقديم الغالي والنفيس في سبيل حريته وعزته وكرامته واستقلاله.
وهنا أؤكد على حاجتنا الماسة والملحة لترسيخ قيم العمل الطوعي بمفهومه الخيّر والسامي الذي أقرته الأديان والأعراف والقوانين، وأعد أن الاحتفاء بالعمل الطوعي في يومه العالمي الذي يصادف الخامس من ديسمبر من كل عام هو احتفاء بمحاربة الأنانية، واحتفاء بمحبة الآخرين، والسعي إلى انتشالهم من وحل الظروف دون انتظار أجر مادي، ويسعفنا التذكير بأهمية تكريس ثقافة التطوع في المجتمع اليمني الصامد الحر، وتعزيز تكاتف الجهود مع مؤسسات المجتمع المدني والجهات الرسمية وغير الرسمية، لنجعل التطوع عادة مستدامة لإحياء قيم الإنسان اليمني العزيزة والأصيلة، باعتبار أن المعاني الإنسانية لمفهوم التطوع يجب أن تصنع قيمة لمفهوم المواطنة، وتنمي القيم الوطنية التي يحملها أفراد المجتمع، ويتجهون لبناء الوطن أفراداً وجماعات، فالدور الذي يتسم بالتنوع والدينامية الذي يؤديه العمل الطوعي سعياً إلى تعزيز أهداف التنمية المستدامة يستحق دعماً قوياً من الحكومة والجهات المعنية الأخرى.
ومن غير المنطقي أن نشرح لأي مواطن يمني كيف يكون متطوعاً، فالقيم المغروسة لدى أبناء الشعب اليمني تحثه على التطوع ومساعدة الآخرين والمساهمة في حل مشاكل المجتمع، ويعتبر التطوع أحد أهم أبواب الخير فهو يحقق فوائد جمّة للمجتمع والأفراد، فهو ينمي من شخصية الإنسان ويزيد من ثقته بنفسه وبقدراته ويُحسن من شعوره نحو نفسه ويُعلي من قيمته الذاتية، وهذا ليس بجديد على أبناء الشعب اليمني، فالتطوع ومساعدة الأخرين موجود في اليمن منذ القدم، وما يمكن القيام به حالياً هو إحيائه وتشجيعه وتفعيله في كل محافظة ومديرية وقرية وعزلة وحارة ..
في اليوم العالمي للتطوع، سنحتفي بالمتطوعين، سنحتفي ونحتفل بهم وبأعمالهم وإنجازاتهم ودورهم في مساعدة مجتمعهم بتقديم زكاة علمهم أو بسواعدهم ووقتهم، سواءً في تقديم خدمة أو حل مشكلة أو في أي عمل من شأنه مساعدة الآخرين، واحتفائنا بهم لا ولن يساوي مقدار الأجر العظيم المحسوب لهم عند الله سبحانه وتعالى، وهناك قصص نجاح كثيرة لمتطوعين ساهموا في إنجازات غير مسبوقة في مناطقهم، واتضح بمرور الوقت أنهم يستطيعون إنجاز ما لم تستطع الحكومات المتعاقبة والمنظمات من إنجازه، فبمواردهم المحلية ومساهماتهم المادية القليلة وعزيمتهم القوية وإصرارهم، استطاعوا أن يثبتوا للعالم اجمع أن الخير ما زال موجوداً، وان تحقيق التنمية المحلية في أي منطقة تبدأ محلياً بالأساس، بمبادرة وجهود أبنائها ومساهمتهم وانطلاقهم في حل مشاكلهم وتطوير مجتمعهم.
أكاليل الشكر وباقات التقدير لكل أولئك الذين سخروا أوقاتهم وطاقاتهم للتطوع من أبناء اليمن العصي، وقدموا أفضل ما لديهم لصناعة ابتسامة وغرس سعادة في قلوب الناس، ومن براثن الظلام صنعوا ألف مشكاة للنور، ومن بين الركام وأطلال الدمار انتشلوا العزم والثبات، ورغم العدوان والحصار نشروا المحبة والعطاء، لا يعرفون سوى العطاء، بهم سيصنع الأمل وتبنى اليمن، فكيف لا يُسطّر التاريخ ما يقومون به وما يضحون به للحاضر والمستقبل، سلامٌ عليكم، استمروا بعطائكم، وعلموا غيركم العطاء، واجعلوا من الدنيا ألواناً لا تغيب عن ناظرٍ لخير.

قد يعجبك ايضا