النظارات السوداء والحكمة اليمانية

 

لطف لطف قشاشة

النظارة السوداء هي جُملة توحي للوهلة الأولى في حقيقتها بأن هناك نظارات لدينا أو لدى شخص آخر لون عدساتها أسود، لكن مفهومها يحمل معاني يفهمها المخاطب سواء المالك لها أو المشاهد للابسها..
النظارة السوداء عادة تلبس لحجب الرؤية عن المنظورات بحقيقتها أو لحماية العينين المصابتين أو للتأنق.. هذه هي المعاني الحقيقية ولكنها كلفظة تستخدم للتورية عن معاني الرؤية المجانبة للحقيقة ولتغييب الحقيقة الماثلة للعيان عبر عكس ماهيتها أو قيمتها، وعادة يستخدمها السياسيون عندما يتهمون الخصوم بأنهم يعكسون حقيقة منجزاتهم بقصد الكيد السياسي، والبعض يطلقها على المتشائمين الذين لا يرون الأمور الواضحة إلا بمنظور التشاؤم المطلق..
ولمزيد من التوضيح حولها، فقد تستخدم النظارات السوداء لإخفاء حركة رؤية العينين من قبل المعنيين بحراسة الأشخاص الهامين أمنيا، وقد يلبسها البعض تعاليا وأناقة وتتكرر هذه الحالة عند النساء في المجتمعات المتمدنة..
اليوم أغلب الشعب اليمني يلبس هذه النظارة السوداء في جانبها المعنوي فهو يعيش حالة التشاؤم المطبق ولا ينظر للأمور من أكثر من زاوية، فتتغير النظرة عنده بين حالتي التشاؤم والتفاؤل..
قلت إن الغالبية ينظرون من خلف نظاراتهم المعنوية بالطريقة المتشائمة لأنهم سلَّموا زمام أمرهم لليأس من تبدل الأحوال وتقلبها، بل إنهم بهذه النظرة قد أغلقوا باب الأمل بالمطلق وابتعدوا عن سنن هذا الكون الذي لا يثبت على حالة واحدة ظنا منهم إن فترة الأزمة القائمة قد ثبتت حالة الديمومة المطبقة التي يستحيل تغييرها، بل ذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك حتى ترسخت لديهم ثقافة أن الدهر لا يأتي بالأحسن، بل إن الوضع يزداد تدهورا يوما بعد يوم…
وبالعودة إلى النظارات السوداء في ماهيتها، فإن المطلوب واقعيا ألاَّ تظل النظارة فوق العينين دائما بل على الإنسان أن يخلعها لزوما في حالة اشتداد الأزمة أيا كانت هذه الأزمة حينها سيتجاوز الأزمة بفسحة الأمل وبعين المحيط في ذلك ليتمكن الجميع من مقاومة الأزمات وتجاوز تأثيراتها السلبية..
بينما يلزم في فترات أخرى لبس النظارة السوداء عندما يتجاوز التفاؤل حدود المعقول والطبيعي عندها يجب إعاقة التهور في التفاؤل حتى لا نصاب بصدمة الانعكاس في الواقع لما تفائلنا به..
في اليمن وكي نعكس المفاهيم على الواقع نجد أن العدوان القائم يبعث على التشاؤم ولكن ليس بالمطلق، فقد عزز لدينا إدراك عظمة الشعب اليمني وقدرته على تحمل الصعاب واعتزازه بكرامته وأن العدوان نقلنا إلى خانة الوثوق بقدراتنا عندما صمدنا متوكلين على الله واثقين بنصره، بل استطعنا أن نلحق بالعدو هزائم موجعة وما إلى ذلك من أمثلة يعيشها من آمن بضرورة الصمود والتصدي بينما لا يراها من لم يحمل القيم العظمى التي ترافقت مع الصمود خاصة في الجانب المقدس المتمثل بالصراع بين الحق والباطل..
لكن هذا التفاؤل يجب ألاّ يتجاوز المعقول والطبيعي، فما عزز من حالة التفاؤل هو أن الشعب اليمني بذل من الأسباب المساعدة للصمود والبناء غير متواكل ولا متكاسل حتى استطاع تجاوز الأعوام الستة من العدوان بعنفوان المنتصر وبالأسلوب المتأني والطبيعي غير المبالغ فيه وأن الأمر لا زال على حاله ومساره إلى الآن، ولكن مع ذلك فإن الإفراط في التفاؤل قد يخلق نوعا من الغرور والزهو حينها ينعكس سلبا ويُنتج هزائم مدمرة وكارثيه ومعها سنعود إلى مربع التشاؤم الحقيقي عندما نصدم بحالة الغرور وما تنتجه..
هذه خلاصة موضوع النظارة السوداء التي لم تستطع تغيير حقيقة الإنسان اليمني الحكيم الذي أذهل العالم بأسلوبه وطريقة نظرته للأمور بواقعية بعيدا عن التفاؤل والتشاؤم.. والله من وراء القصد..

قد يعجبك ايضا