دول الاستعمار.. وسياسة الاستحمار
صلاح محمد الشامي
تعرف دول الغرب كيف تستفيد من الحروب التي تديرها في المنطقة العربية، عبر وكلائها من دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات، والتي أقحمتها فيها بحجة صد ما أسمته (الخطر الإيراني ) وتنامي حركة (أنصار الله في اليمن).. وتصل دول الغرب إلى الاستفادة القصوى من هذه الحروب بإيهام أنظمة دول الخليج بأن تنامي حركة أنصار الله في اليمن إنما هو زيادة لحجم الخطر الإيراني ولأن المتهورين المنقادين من قادة دول الخليج لا يفقهون من السياسية إلاَّ ما تمليه عليهم أنظمة الاستعمار الحديث بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا، التي ما هي إلاّ عبارة عن وجوه فقط للإرادة الماسوصهيونية، فقد أملت عليهم هذه الأنظمة بالإضافة إلى نظام الكيان الصهيوني بقيادة اليميني المتطرف (نتن ياهو) أنه لا خلاص لأنظمة الخليج إلا بالتطبيع أو إعلان التطبيع مع إسرائيل، وأوهموهم بأن المقابل لذلك سيكون ضمان استمراريتهم في الحكم، والحصول على الدعم اللوجستي النوعي والمختلف عن كل ما سبقه خلال تبني هذه الأنظمة الحروب الماسو صيهونية الأمريكية في المنطقة، وبأن هذه الأنظمة أصبحت تشكل أحلافاً حقيقية وواقعية لأمريكا، ولا بد لها من القبول بإعلان تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي المحتل.
من ناحية أخرى، فقد استفادت كل من أمريكا ودولة الكيان الإسرائيلي من إعلان كل من الإمارات والبحرين التطبيع إلى أقصى حد من خلال مشاريع أعلنت صحف وقنوات دولة الكيان الاتفاق عليها مع كلتا الدولتين الخليجيتين، وهي مشاريع اقتصادية استراتيجية تسعى من خلالها حكومة (نتن ياهو) إلى الضغط على دول عربية أخرى للتطبيع، لأن هذه المشاريع المعلن عنها سوف تهدد عصب اقتصاد الدول العربية التي لم تعلن التطبيع حتى الآن، وكنتيجة حتمية لهذه الضغوط سوف تعلن هذه الأنظمة التطبيع.. وهكذا تستدرج حكومة دولة الكيان بقية الأنظمة العربية إلى مستنقع التطبيع، ولكي تضمن حكومة “نتنياهو” الفوز بالانتخابات القادمة عبر طمأنة الشارع الإسرائيلي بالسلام الذي سيولد من رحم التطبيع، ولو جاء هذا التطبيع رغماً عن الشعوب العربية..
وهذا برأيي استغفال للشارع الإسرائيلي واستخفاف به، لأن أبسط مثقف بينهم يعلم أن السلام لا يكون مع الأنظمة فقط بل مع الشعوب، لأن الشعوب هي من يملك حق القرار وحقيقة التغيير، ولن تلبث الشعوب العربية أن تنتفض على حكامها وتصنع قراراتها، ولن يكون آنذاك كل تطبيع إلا حبراً على ورق، وحينها لا يضمن أحد للمستعمر البقاء على أرض عربية، مهما طال مقامه ومهما تطاولت آماله.
هذه الوعود الزائفة والمشاريع العملاقة التي يتم الإعلان عنها ليست سوى تكتيكات في صناعة الحرب الحديثة ومنها الحرب النفسية التي لا تؤثر سوى على من انزلقت أقدامهم في مستنقعات الخيانة للأمة العربية والإسلامية والمنجرين وراء آلة الإعلام الصهيونية والماسونية واللاهثين وراء المنفعة الآنية.. ولأنظمة دول الخليج نقول: هل سمح لكم حلفاؤكم الأمريكان والبريطانيون عبر العقود الماضية ببناء اقتصاد وطني أو قومي حقيقي وقوي.. هل سمح لكم المستفيدون من ثرواتكم العملاقة بإنعاش الزراعة أو قيام صناعات اقتصادية وطنية قوية؟.. لقد كان في وسع أنظمة الخليج أن تكون في قمة هرم العالم المتحضر عبر الصناعة والزراعة والتجارة وإقامة دول اقتصادية حقيقية وقوية بدلاً من أن تظل تابعة فقط لمستغليها الذين يطلقون على أنفسهم حلفاء.
الآن بلغ الاستغلال أقصى مداه عبر تهديد هذه الأنظمة بسحب البساط من تحت أقدامها إن لم تقدم المزيد من التنازلات والرضوخ لهيمنة المحتل الإسرائيلي الذي لن يكتفي إلا بالاستحواذ التام والشامل على مجمل الخريطة العربية واستعباد الشعوب التي مازالت ترضخ لمشيئات حكامها والتي لن تستيقظ من سباتها حتى ترى الاحتلال جاثماً على مدنها وقراها.. وما لم تصح هذه الشعوب من خدرها فستتحقق أحلام أعدائها، وحينها تحتاج عقوداً وربما قروناً حتى تعود إلى وعيها وتنفض غبار الاستعمار والاستحمار عنها.