أمريكا بين الديمقراطية والديمكراضية!

 

عبدالفتاح علي البنوس

أمريكا الدولة التي تدَّعي أنها راعية الديمقراطية في العالم، عمليا هي العدو الأول للديمقراطية وهي المتآمر عليها، لا نقول ذلك تجنيا عليها، ولا نكاية بها، ولكنها الحقيقة المدعمة بالأدلة والشواهد الحية، فأمريكا هي التي حشرت أنفها في الشؤون الداخلية للدول والأنظمة، وعملت جاهدة على إسقاط الأنظمة المنتخبة من قبل الشعوب، ونشر الفوضى وتمكين أدواتها من التسلط على رقاب شعوبهم وإدارة شؤون دولهم، بما يتماشى مع المصالح والأهداف والمخططات الأمريكية.
من أفغانستان والعراق إلى سوريا واليمن وفلسطين ولبنان وتونس وليبيا ومصر والسودان وإيران وفنزويلا وكوبا والصين وروسيا أظهرت أمريكا سلوكيات وممارسات غير سوية لا تمت بصلة للديمقراطية ومبادئها وشعاراتها التي لطالما تشدقت بها، حماقات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، من بينها فرض العقوبات الأحادية الجانب على بعض الأنظمة لمجرد أنها لا تتفق مع السياسة الأمريكية ولا تخدم مصالحها وتعزز من نفوذها ولا تدين لها بالولاء، والمشاركة في انتهاك سيادة الدول وشن الحروب عليها بصورة غير قانونية، والخروج على الاتفاقات والمعاهدات والمواثيق الدولية، علاوة على عنصريتها وعدم حياديتها وافتقارها للمصداقية في تعاطيها مع الأحداث والمتغيرات والتي تتجلى في طريقة استخدامها لما يسمى بحق النقض الفيتو، الذي يمثل انتهاكا صارخا للديمقراطية بكل صورها وأشكالها وانقلابا على مبادئها.
أمريكا الدولة المتسلطة التي تريد تزعم العالم لا تريد أي قوة في العالم تضاهي قوتها، ولا ترغب في وجود أي منافس لها على زعامة العالم، تريد أن تظل متسيدة على دول العالم، وإذا ما أحست بسعي هذه الدولة أو تلك إلى تحسين أوضاعها وتعزيز قدراتها في مختلف المجالات، فإنها لا تتردد في التآمر عليها ومحاربتها سياسيا وإعلاميا وعسكريا واقتصاديا، شاهدناها كيف جن جنونها تجاه روسيا والصين وإيران لأنها دول فرضت نفسها بقوة في مختلف المجالات على مستوى العالم، وضاقت ذرعا من كوبا وفنزويلا لأنهما لم تخضعا لهيمنتها ولم ترفعا لها الراية وتدينا لها بالولاء والطاعة، وشاهدنا كيف تعاملت مع القضية الفلسطينية وأعلنت انحيازها القذر للكيان الصهيوني ومصادرتها لكافة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حق العودة للاجئين وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف عبر ما يسمى بصفقة القرن، وإذا ما تحدثنا عن الانتهاكات السافرة للحقوق والحريات فيكفي الحديث عن سجون ومعتقلات غوانتانامو وأبو غريب وغيرها من السجون والمعتقلات السرية التابعة لها والتي تمارس فيها أقذر وأبشع صور التعذيب والانتهاكات السافرة، وهي ممارسات تتعارض جملة وتفصيلا مع الديمقراطية ومبادئها وشعاراتها الزائفة التي تستخدمها أمريكا لخداع الشعوب.
فعن أي ديمقراطية تتحدث أمريكا؟ وهي من تقف مساندة وداعمة وحامية وحارسة للأنظمة المستبدة في منطقة الخليج وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين؟!! أين ديمقراطية أمريكا تجاه مقتل خاشقجي وتقطيع جثته بالمنشار وقتل الشيخ نمر النمر ومئات المعارضين السعوديين والزج بالآلاف في السجون والمعتقلات وتقييد الحريات ومصادرة الحقوق في السعودية؟!! أين ديمقراطية أمريكا تجاه الاعتقالات التعسفية ومصادرة الحقوق والحريات وممارسة الانتهاكات السافرة في الإمارات والبحرين؟!! لماذا لا تتدخل أمريكا عسكريا لدعم خيارات الشعوب الخليجية التواقة للحرية والديمقراطية والخلاص من نظام الحكم الملكي التسلطي الاستبدادي كما بررت بذلك تدخلها في سوريا؟!!
بالمختصر المفيد: ديمقراطية أمريكا شكلية صورية، ولا تعدو عن كونها شكلا من أشكال الاستعمار والهيمنة والتسلط، فمن يجعل الممارسة الحزبية والديمقراطية مقتصرة على حزبين فقط، ويذهب خارج أمريكا لدعم التعددية الحزبية وإغراق الدول في دوامات من الصراعات الحزبية والمناكفات السياسية لا يمتلك ذرة ديمقراطية ولا يحق له التشدق بها وتنصيب نفسه وصيا عليها، الديمقراطية ثقافة وسلوك وممارسة، وبدون ذلك فالحاصل هي ديمكراضية، وهي الحاصلة اليوم في أمريكا، وخصوصا في ظل حكم المهرج الأمريكي دونالد ترامب الذي يمثل وصمة عار في حق الولايات المتحدة و الشعب الأمريكي.
هذا وعاشق النبي يصلي عليه وآله.

قد يعجبك ايضا