الثورة/ قاسم الشاوش
يبدو أن قطار التطبيع الذي كان يتم سراً ثم خرج للعلن والذي انطلق مؤخراً من دول خليجية وعربية كالإمارات والبحرين والسودان، لن يكون بعيداً عن المرور بالعراق، فالمطبعون لا يعلمون أنّه السمّ في العسل، الذي يدسّه الصهاينة اليوم كي يجمعوا أكبر عدد ممكن من هؤلاء المطبّعين المرتهنين وضعفاء النفوس، لينقضّوا بعدها عليهم، ناهشين مجتمعاتهم باستراتيجية العنصرية الصهيونية التي برهنت عبر التاريخ أنها هي أولاً وثانياً وثالثاً في الاقتصاد والسّياسة والاجتماع والخصوصيّة الدينيّة والتفوّق العسكري.
كما تقوم السعودية بدفع العديد من الدول العربية إلى التطبيع من خلال تقديمها إغراءات بالمال بهدف دعم إسرائيل والتمهيد لالتحاقها بقطار المطبعين في نهاية المطاف.
فالبعد الحقيقي لمسار التّطبيع اليوم مع “إسرائيل”، والّذي لم ولن يفهمه هؤلاء المطبعون المرتهنون الضعفاء، هو مسار الانزلاق نحو الهاوية والانهيار، فبِأيِّ منطقٍ سوف تقبل “إسرائيل”، ومن ورائها القاعدة اليهودية المتصهينة والنافذة عبر العالم، بأن تغيّر استراتيجيتها اليوم، وتعطي هؤلاء ما لم تعطه لدول وشعوب غربية أقوى وأكثر نفوذاً، مقابل بعض علاقات التطبيع التي سلّمت بها بعضُ تلك الدّول المرتهنة أساساً، والتي لم يكن ثمة وجود لأنظمتها كما هي اليوم، لولا رعاية هذا القاعدة المتهوّدة لها، عبر إدارات الدول الغربية، وخصوصاً الإدارة الأمريكية .
فهل يكفي لهؤلاء المطبّعين، أو لمن يريد منهم أن يفهم او يعرف، و لمن هو قادر على أن يميّز، إذا أراد، أن يتابع ويبحث، ولو قليلاً، في موقع نخبة من اليهود عبر العالم وتاريخهم وحاضرهم، وعلاقاتهم مع الدول الغربية، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأمريكية والأوروبيين، لكي يكتشف حتمية الهاوية التي يذهبون إليها في علاقة التطبيع مع “إسرائيل”؟، هذا بمعزل عن مساهمتهم (كمطبعين) في تمكين “إسرائيل” وتثبيتها في اغتصابها الحقوق والمقدّسات.
فالعراق يعد الدولة الوحيدة من خارج دول الطوق مع إسرائيل التي دخلت بمعارك مباشرة مع هذا الكيان، بل ربما هو الدولة الوحيدة التي دوّت صواريخها داخل تل أبيب، بعد أكثر من عقد من سكوت مدافع دول الطوق، وتوقيع اتفاقيات سلام، كان ذلك عام 1991م عندما أطلق العراق 39 صاروخاً بعيد المدى باتجاه إسرائيل أيام الرئيس السابق صدام حسين.
خطوات نحو التطبيع
من الملاحظ أن تطبيع العراق مع إسرائيل مهمة صعبة ومعقدة، وربما ستكون من بين الملفات المؤجّلة عراقياً وأمريكياً، ولكنها لن تكون مستحيلة، خصوصاً أن أنباءً كثيرة تردّدت سابقاً عن زيارات قام بها نواب في البرلمان العراقي لإسرائيل، على الرغم من نفيهم ذلك، وحسب مراقبين للشأن السياسي فإن العراق يتعاون استخباراتياً وبشكل سري مع إسرائيل، ولكن لا يمكن إعلان ذلك نتيجة للاضطراب الداخلي في كتل الحكومة العراقية.
وبهذا الصدد كشف زعيم حزب الأمة العراقية مثال الآلوسي ، أن “ملف التطبيع مع إسرائيل يدخل حيز المفاوضات بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والحكومة البريطانية، وهذا كان ضمن أهم بنود المفاوضات في الزيارة الأخيرة للوفد العراقي للندن، إذ سبق هذه الزيارة الحساسة تواصل غير رسمي بين بعض الشخصيات السياسية العراقية وإسرائيل، لكن تَحكُّم إيران بالمشهد السياسي العراقي، يحول دون مزيد من التطور الدبلوماسي بين البلدين”.
وأضاف الآلوسي أن “بريطانيا دفعت في السابق وما زالت تدفع باتجاه التطبيع العراقي-الإسرائيلي، وأول لقاء جمع رئيس حكومة عراقية مع وزير خارجية إسرائيلي في مقر الأمم المتحدة، كان بتنسيق وترتيب من رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير، فضلاً عن أعداد كبيرة للجالية اليهودية العراقية في إسرائيل، لذلك على العراق أن يتخلص من فكرة العداء لإسرائيل وأن يفتح أبوابه للعراقيين من أصول يهودية، لكونهم يُعتبرون مكوناً رئيسياً من المجتمع العراقي، الذي يمتلك حق العودة إلى موطنه
إلا ان أصداء الادعاءات الأخيرة لنائب رئيس الوزراء العراقي السابق بهاء الأعرجي بشأن التطبيع مع الكيان الصهيوني لا تزال تتردد في الساحة العراقية، إذ واجهت هذه التصريحات ردود فعل رافضة من جانب العراقيين الذين اتهموا الأعرجي بمحاولة تضليل الرأي العام، كما حذر البعض من مشروع دسته الولايات المتحدة وإسرائيل وأدواتهم في المنطقة لفرض التطبيع على دول المنطقة.
وفي هذا السياق صرّح بهاء الأعرجي بأن “من الضروري أن نعترف بأن العراق مهيّأ جداً لتطبيع علاقاته مع إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وقد يصدر القرار من النجف لا من بغداد، وستدخل الولايات المتحدة على الخط وتنسّق الإجراءات الدبلوماسية إلى حين التوقيع على معاهدة السلام، وبداية العلاقات السياسية والاقتصادية”.
ويبدو أن هذا التصريح أثار حفيظة المقربين من زعيم التيار الصدر مقتدى الصدر، إذ اتهم حساب “صالح محمد العراقي” على تويتر، الحساب الذي يديره الشخص المقرب من مقتدى المعروف بأنه وزير الصدر، إذ وصف الأعرجي في تغريدته بأنه “عدو النجف”، موجهاً تهديداً صريحاً كتب فيه: “إن لم يتأدّب أدّبناه”.
وبخصوص التهديد شديد اللهجة ردّ بهاء الأعرجي القيادي السابق في التيار الصدري وأوضح قائلاً: “هناك خصوم تحاول تحريف كلامي، فتصريحاتي كانت للتنبيه، لا للمطالبة بالتطبيع مع إسرائيل، وأنفي أن يكون المقصود بكلامي المرجع الديني السيد علي السيستاني، أو السيد مقتدى الصدر”.
ويؤشر مجمل المواقف والتوجهات الرسمية وغير الرسمية العراقية على امتداد عقود من الزمن إلى رفض الوجود الصهيوني في فلسطين، ورفض كل مشاريع التطبيع التي أقدم عليها بعض الأطراف العربية والإسلامية. لكن على الرغم من ذلك تحاول إسرائيل نشر ثقافتها إعلامياً عن طريق إطلاق وزارة الخارجية الإسرائيلية حساباً موثقاً على مواقع التواصل الاجتماعي باسم إسرائيل باللهجة العراقية في محاولة لفتح العلاقات الثنائية بين الشعبين، إلا أن القرار الحكومي ما زال يرفض التطبيع.
وبخصوص خطابات التطبيع العراقي-الإسرئيلي تحدث أحمد ملا طلال المتحدث باسم رئيس الحكومة العراقية وأكد “أن القانون العراقي حسب الدستور العراقي المتفَق عليه ينصّ على منع التطبيع مع دولة إسرائيل. وما حدث من توقيع معاهدة سلام بين الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، هو شأن داخلي لتلك الدول، وهي أدرى بوضعها السياسي وعلاقاتها الخارجية”.
وتابع ملال طلال: “قد تكون لدى بعض الأحزاب والتيارات السياسية استثناءات، وقد تكون من هذا الطرف أو ذاك مواقف وخطوات وتحركات غير معلنة في مرحلة ما أو مراحل، بيد أن تلك الاستثناءات والمواقف والخطوات والتحركات غير المعلنة، لا تغيّر المسار العامّ للشعب العراقي وحكومة البلاد التي تعلن دعمها لصيانة قضية فلسطين والحفاظ على عاصمتها القدس”.
كما لفت المتحدث الرسمي باسم الحكومة إلى أن “بعض أطراف سياسية يوجه جمهوره نحو قبول التطبيع مع إسرائيل، وتنتمي هذه الأطراف إلى كتل سياسية كبرى، وهذا بحد ذاته يعكس تفاوتاً بين القوى السياسية داخل الحكومة، لذلك على الزعماء فرض تعليمات صارمة على ممثلي الأحزاب لعدم التثقيف نحو توريط الحكومة بملفّ التطبيع، فالعراق يعيش حالة من الاضطراب السياسي، وعلى جميع السياسيين التزام الوطنية واحترام مشاعر الشعب الفلسطيني”.
رفض شعبي وسياسي
في حين رفضت قوى سياسية وشعبية الأصوات التي تطالب بضرورة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وأعلنت الأحزاب السياسية دعمها للقضية الفلسطينية، وتذكر المسؤولين بتلك الأرواح التي ضحّت من أجل تحرير فلسطين في الحروب التي خاضها الجيش العراقي لتخليص الشعب الفلسطيني من هيمنة واحتلال إسرائيل، وأكدت الكتل العراقية في البرلمان مساندتها وتوصيل صوت الشعوب العربية إلى المجتمع الدولي إلى حين تحقيق المطالب المشروعة بالعيش بكرامة.
من جانبه شدد محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب، على أن العراق يرفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وقد تحدث عن قرار البرلمان مؤكداً: “نعلن وقوف العراق مع الشعب الفلسطيني ونَيل حقّه في إقامة دولته المستقلة على كامل أراضيه، ونرفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الإسرائيلي الغاصب، وكل محاولات فرض المشاريع المنحازة، ومحاولات تمريرها عبر سياسة فرض الأمر الواقع”.
وتابع الحلبوسي الذي يمثّل الجناح السُّنّي باعتباره رئيس تحالف البناء قائلاً: “الكتل السياسية متفقة على عدم السماح بأي محاولة لتطبيع العلاقات العراقية الإسرائيلية، لأن ذلك يهدّد أمن المنطقة، ويخترق مبادئ حقوق الإنسان، والعراق لن يصبح أداةً لقبول الاعتراف بإسرائيل، فهذه القضية تتعدى المصالح الدبلوماسية وتدخل في خطر سلب إرادة الشعب الفلسطيني بتقرير المصير والعيش بحرية”.
وعلى ذات الصعيد قال النائب غايب العميري عن تحالف سائرون: “إسرائيل دولة عدوّة للشعب العراقي والعالم العربي، وتمارس ضد الشعب الفلسطيني الأعزل أبشع الجرائم، ونرفض أيّ خطوة لتطبيع العلاقات معها، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تدرك أنها غير قادرة على إجبار العراق على التطبيع مع الكيان الصهيوني”.
وتابع العميري: “واشنطن غير قادرة على جعل العراق جزءاً من التطبيع مع الكيان الصهيوني تحت أي ظرف، والسبب وجود المرجعية الدينية الرشيدة في البلاد، فضلاً عن وجود فصائل المقاومة التي ستقف سدّاً منيعاً أمام أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل”.
وأضاف: “لا تريد إسرائيل عراقاً مزدهراً، بل تريده كما هو بلداً مضطرباً غارقاً في حروبه الداخلية، وليس لديها ما تنفقه على العراق، بل على العكس هي تأخذ ولا تعطي، وتحاول إسرائيل استغلال العراق كما فعلت مع الدول الخليجية، فقد نفّذت مشاريع استثمارية واستنفدت النفط مقابل الحفاظ على السلام ودعم الخليج استخباراتياً وأمنياً، ولكن على حساب مشاعر الشعب الفلسطيني”.
إلا ان المشهد يبقى معلقاً ينتظر إجاباتٍ صريحة قد ترى النور في الأيام القادمة.