ذكرى الوعد المشؤوم
إسكندر المريسي
وصف الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وعد بلفور بأنه “وعد من لا يملك لمن لا يستحق”، حيث قدمته بريطانيا يوم 2 نوفمبر 1917م وعلناً باسم بلفور رئيس وزرائها لليهود، بأن تكون فلسطين وطنا قوميا لهم، باعتبارها كانت ضمن مناطق النفوذ التابعة لها وكان ذلك الوعد محصلة للجهود التي بذلها الصهاينة خلال فترات طويلة خصوصاً مع بريطانيا منذ أن تم عقد المؤتمر الصهيوني الأول نهاية القرن الثامن عشر وما صدرت عنه من بروتوكولات حكماء بني صهيون وما نتج عنه أيضاً من كتاب الحكومة اليهودية لليهودي «هرتزل» كان ذلك التاريخ قد تجلى في الدور الذي قام به اليهود في الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918م، حيث أنشأوا شبكات تجسس وكانوا سبباً أساسياً لنشوب الحرب العالمية الأولى وقد كان جزء منهم مع الحكومة البريطانية وجزء منهم مع الدولة العثمانية وأخذوا يتبادلون الأدوار لدعم مشروعهم نحو السيطرة على فلسطين، لذلك لم يكن وعد بلفور إلا نتيجة للدور اللوبي الصهيوني في بريطانيا والتي مثل انتصارها في الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية وتقاسم نفوذها، انتصاراً لليهود في تلك الحرب فكان وعد بلفور إحدى أهم نتائجها السياسية لصالح النشاط اليهودي.
وتدفق المهاجرون اليهود بناءً على ذلك الوعد إلى فلسطين التي كانت -كما أوضحنا- تحت الوصاية البريطانية، حيث ساهمت أثناء الانتداب على فلسطين في تسهيل دخول اليهود إليها وبدأوا على شكل عصابات اتسع نشاطها وأخذت الهجرات تتزايد من بريطانيا تحديداً ومن الدول الأوروبية كذلك، وكانت لإعلان قيام الكيان الصهيوني في فلسطين متطلبات لا بد من القيام بها من قبل الحركة الصهيونية العالمية التي دفعت العالم إلى الحرب العالمية الأولى مقابل حصولها على وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م.
وكان من ضمن تلك المتطلبات المماثلة أن دفع اليهود العالم مرة أخرى نحو الحرب العالمية الثانية 1939-1945م من أجل تهيئة أجواء السياسة الدولية لكي تكون قابلة لإعلان الدولة اليهودية داخل فلسطين المحتلة في 15 مايو 1948م، حيث كان ذلك الإعلان إحدى أهم النتائج السياسية للحرب العالمية الثانية والتي استفاد منها اليهود من اجل إنشاء الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي فلسطين.. وأخذت الهجرات اليهودية تتوسع إلى فلسطين من الدول الأوروبية وساهمت بريطانيا مساهمة فعلية ومباشرة في إنشاء دولة إسرائيل وكذلك دول أوروبا وبالتالي كانت إسرائيل الدولة المغتصبة لفلسطين محصلة للجهود الاستعمارية للقوى الغربية، حيث بلورت تلك الجهود المشروع الصهيوني بدعم ومساندة الدول الغربية ومثل وعد بلفور المشؤوم البداية الأولى لزرع الكيان اللقيط في فلسطين المحتلة وما يزال الشعب الفلسطيني يدفع ثمن ذلك الوعد الملعون الذي كان “وعد من لا يملك لا يستحق”.